kayhan.ir

رمز الخبر: 11860
تأريخ النشر : 2014December15 - 22:02

إشكالية العدالة الانتقالية في تونس

روعة قاسم

جدل كبير يدور في تونس حول ملف العدالة الانتقالية بعد أن أعلنت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بهذا الملف يوم الإربعاء الماضي عن انطلاق الهيئة في تلقي الشكاوى من المتضررين خلال الحقبة السابقة. وتمتد هذه الحقبة حسب القانون من سنة 1955 تاريخ عودة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إلى تونس من المنفى إلى سنة 2013 تاريخ تسليم السلطة إلى حكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة.

ويتعلق الجدل بالأساس بجملة من المسائل التي تهم تركيبة الهيئة والجرائم التي ستتم المحاسبة على أساسها وعملية الربط بين الفساد والاستبداد والرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. فالأمر يبدو وكأنه عملية كتابة من جديد للتاريخ التونسي الحديث من قبل تيار إيديولوجي يعادي الأسس التي انبنت عليها دولة الاستقلال في تونس، في حين أن المتعارف عليه أن مثل هكذا عملية يجب أن يشرف عليها مؤرخون محايدون لا ينتمون إلى هذا الطرف أو ذاك.

مطالبات

ويشار إلى أن هيئة الحقيقة والكرامة تم انتخابها من المجلس الوطني التأسيسي الذي انتهت ولايته وانتهت معها المرحلة الانتقالية التي عاشتها تونس على مدى أربع سنوات. وبالتالي فإن الشبهة تحوم حول العلاقات الوطيدة لبعض أعضائها مع حزب حركة النهضة الذي كان يتمتع بالأغلبية في المجلس التأسيسي الذي عوضه مجلس نواب جديد من المفروض أنه سيشرف على إدارة الشأن العام لسنوات خمس قادمة.

لذلك فإن شرائح عديدة تضم مؤرخين ورجال قانون وسياسيين، تطالب بمراجعة قانون العدالة الانتقالية وتركيبة الهيئة حفاظا على الحياد ودرءا للشبهات. كما يصر هؤلاء على أن لا يتولى مجلس النواب الجديد انتخاب أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة حيث ستحوم شبهة العلاقة بين هؤلاء الأعضاء وحركة نداء تونس صاحبة الأغلبية في المجلس الجديد، ويحبذ هؤلاء أن يكون المجتمع المدني هو المشرف على هذه الهيئة بعيدا عن التجاذبات السياسية للأحزاب، خاصة وأن لتونس منظمات قوية وعريقة وفاعلة في هذا المجال على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تناضل منذ عقود ضد الاستبداد وتصارعت مع الأنظمة الحاكمة.

الكتاب الأسود

ويخشى البعض في تونس من أن يتحول الأرشيف الوطني الذي سيتم وضعه على ذمة هيئة الحقيقة والكرامة إلى وسيلة للانتقام من الخصوم السياسيين مثلما حصل مع أرشيف الرئاسة الذي استغله المرزوقي في إصدار ما سماه "الكتاب الأسود” الذي تعرض من خلاله إلى من اعتبرهم الإعلاميين الفاسدين الذين تعاملوا مع نظام بن علي. ولم يسلم من هذا الكتاب حتى من وافاهم الأجل المحتوم والبعض من رموز البلاد في المجالات الأدبية والفنية والرياضية وغيرها، ما جعل الكتاب عرضة لانتقادات واسعة ولشكاوى قضائية طالت رئاسة الجمهورية والمنصف المرزوقي في شخصه.

لذلك فإن التعامل مع الأرشيف يبدو بحاجة إلى مؤرخين أكفاء ومحايدين ومختصين وإلى أشخاص أمناء لا يمكن أن تطالهم الشبهة من قبل هذا الطرف أو ذاك وهذا غير متوفر في الهيئة الحالية التي يمكن لفرد من أفرادها أن يؤثر على البقية. وبالتالي فمن المتوقع أن يعاد النظر في تركيبة الهيئة وفي الجرائم المعنية بالمحاسبة من قبل البرلمان التونسي الجديد رغم أن قطار العدالة الانتقالية التونسي بدأ في المسير.