عدوان ’اسرائيل’ في سوريا: نجاح الهجمات وفشل النتائج
حسان ابراهيم
عدوان "اسرائيل” على سوريا، بالقرب من العاصمة دمشق، يأتي في سياق الحرب القائمة بين حزب الله والكيان الصهيوني، حول ما تسميه تل ابيب بـ”تعاظم القدرة”. ونتيجة للوضع في سوريا والحرب القائمة فيها وعليها، استغلت " اسرائيل” انشغال الجيش السوري في محاربة الارهاب والفصائل المسلحة على انواعها، لترسم ما تسميه ايضا، "الخطوط الحمراء”، التي اعلنتها اكثر من مرة، في ثلاثة اتجاهات: منع نقل سلاح نوعي لحزب الله في لبنان، والاضرار "بالسيادة الاسرائيلية”، وانزلاق سلاح كيميائي في سوريا والى خارجها. والهجمات الاخيرة تأتي تحت سقف الخط الاحمر الاول في هذه المعادلة.
وقياس نجاح استراتيجية "اسرائيل” من عدمه، يأتي فقط من نتائج تفعيل هذه الاستراتيجية. فهل استطاعت تل ابيب ان تمنع نقل سلاح "كاسر للتوازن” الى لبنان؟ وهل استطاعت ان تفرمل نجاحات الجيش السوري في محاربة الفصائل المسلحة والارهاب؟ وهل اصل توجيه الضربات هدف بذاته ام النتيجة المتوخاة منه؟
في هذا الاطار، تثار جملة من المسائل:
اولا: من المفيد الاشارة الى ان المتغيرات الحاصلة والمقبلة في الكيان الاسرائيلي، بما يشمل ارتسام شكل وهوية القيادة العسكرية المقبلة، او لجهة سقوط واسقاط الحكومة والاتجاه نحو الانتخابات للكنيست، لا تشير الى فرملة اسرائيلية في التوثب لتوجيه اعتداءات، سواء في سوريا او سائر محاور وساحات المواجهة، العسكرية منها والامنية على السواء. الحكومة المستقيلة او الساقطة او المنتهية ولايتها، وايضا القيادة العسكرية المغادرة قريبا، لا يفقدان من صلاحيتهما التي تبقى كاملة، إن لجهة القرار بتوجيه الاعتداءات، او لجهة التنفيذ. والمسألة تبقى في اطار الممكن والفائدة وتقدير النجاح وقياسها بالاثمان المقدر دفعها.
ثانيا: من المفيد ايضا الاشارة الى ان الاستفادة الشخصية لرئيس الحكومة "الاسرائيلية” الحالي، بنيامين نتنياهو، في الصراع القائم حاليا على الانتخابات والناخب اليميني في الكيان، ليست هي السبب المباشر لتوجيه الاعتداءات، وتحديدا الاعتداء الاخير في سوريا. نعم يمكن لنتنياهو ان يستفيد من توقيت الضربات، لكن اصل قرارها وتنفيذها يرتبط بالحرب على تعاظم القدرة لدى حزب الله والمقاومة في لبنان، اما باقي الاسباب والنتائج، فتأتي في سياق وبمناسبة الضربات.
ثالثا: تدرك تل ابيب جيدا، بان الساحة الوحيدة التي يمكنها العمل بها، في اطار ضيّق وخدمة لاستراتيجية منع "التعاظم”، تتعلق فقط بسوريا والساحة السورية، ولم يعد بالامكان سحبها الى ساحات اخرى، وتحديدا الى لبنان. جربت اسرائيل في الماضي، في محاولة منها لالحاق لبنان بالساحة السورية كمجال عمل لالتها العسكرية، وذلك في العدوان الاخير على احد مواقع المقاومة بالقرب من جنتا البقاعية، الا ان الرد الذي اعقب هذه الضربة وضع حدا لتل ابيب وردعها عن مواصلة استهدافها في الساحة اللبنانية.
ويكفي للدلالة على ذلك ما اشار اليه مراسل القناة العاشرة العبرية، اور هيلر، الذي اكد ان استهداف شحنة الصواريخ في دمشق جاء قبل وقت قليل من نقله الى لبنان واجتياز الحدود، و”لو حصل ذلك، لكانت المعادلة اكثر تعقيدا على الجيش الاسرائيلي”، وايضا كتابات صدرت في اليوم الذي اعقب الضربة، كما اشار كبير محللي الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف، عامير ربابورت: "سوريا نعم.. لبنان لا”.
رابعا: يخطئ من يقول، من المحللين اللبنانيين والعرب، بان الضربة الاسرائيلية بالقرب من دمشق، قلصت من فاعلية ردع عملية مزارع شبعا وغيرها من العمليات الردّية في الاونة الاخيرة على الهجمات في جنتا وعبوة عدلون. الخطأ يعود الى الفرق في الساحتين واطار الردع المفعل من قبل حزب الله في وجه اسرائيل. اعلنت المقاومة وقائدها بصورة واضحة وعلنية، ان اي استهداف في الساحة اللبنانية سيقابل برد، وهذا التصريح والرد المنفذ نفسه، لجم العدو عن مواصلة اعتداءاته في لبنان. وبالتالي لا علاقة للاعتداء في سوريا بالمعادلة الردعية التي اعاد حزب الله التأكيد عليها تجاه الساحة اللبنانية.
خامسا: وهذه المسألة قد تكون الاهم في هذه المقاربة: هل نجحت اسرائيل في سياسة منع تعاظم حزب الله عسكريا من خلال الضربات المنفذة في سوريا، وفي المناسبة هي المحاولة الثامنة منذ عامين؟ سؤال يثير اكثر من اجابة، لكن اهمها ما ورد في الاعلام العبري، كنوع من الاقرار بالنتائج:
وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الصهيونية، يوفال شتاينتس، يشير بصورة غير مباشرة الى فشل الاستراتيجية، اذ قال في اعقاب الغارات الاخيرة في سوريا: سنواصل الهجمات ومنع تعاظم حزب الله في لبنان "قدر الامكان”. وقدر الامكان بحد ذاتها اشارة الى الفشل.
كبير معلقي الشؤون الامنية في موقع صحيفة يديعوت احرونوت، رون بن يشاي، يكتب معلقا على الهجمات: "رغم كل الضربات التي وجهت في الساحة السورية واستهدفت تعاظم حزب الله، الا ان المقدر ان عددا لا بأس به من الشحنات، من نفس نوعية الشحنات المستهدفة اخيرا، جرى نقلها بالفعل الى لبنان وغابت عن الاستخبارات الاسرائيلية”. وايضا في المقال الافتتاحي ليديعوت احرونوت، ورد الآتي: "رغم كل شيء، تجب الاشارة الى النجاحات والاحباطات التي حققتها اسرائيل من خلال هذه الهجمات، فان الامر لا يتعدى كونه نقطة في بحر، إذ ان حزب الله نجح في تفريغ كل انواع الاسلحة الموجودة في حوزة الجيش السوري تقريبا ونقلها الى مخازنه، والفرضية العملية في الجيش الاسرائيلي هي انه في حرب لبنان الثالثة سوف يواجه الجيش منظمة لديها قدرات دولة، الامر الذي سيحول الحرب المقبلة الى حرب معقدة جدا”.
في السابق، قال قائد الجبهة الشمالية في الجيش "الاسرائيلي”، والرئيس المقبل لاركان هذا الجيش، وذلك في محاضرة القاها في حزيران 2010 في مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب: "العبر المستخلصة تشير الى وجود صعوبة كبيرة في منع منظمات عن مراكمة وتعاظم قوتها العسكرية، وهذه المهمة صعبة جدا، وتحديدا تجاه منظمة كحزب الله في لبنان”، واضاف "قد تملك اسرائيل القدرة على ردع حزب الله من تفعيل ما لديه من قدرات (ضمن الردع المتبادل)، لكن في نفس الوقت، يصعب عليها ان تنهي مسألة تعاظم القدرة لديه، مع العلم ان هذه المحاولات يجب ان تبقى قائمة ومستمرة”.
هل ستمتنع اسرائيل من استهداف تعاظم قدرة المقاومة في سوريا؟ بالتأكيد لا. لكن هل ستجبي اسرائيل فوائد فعلية وتمنع التعاظم؟ ايضا بالتأكيد لا.