تكرار الحرائق الغامضة في منشآت حيويّة بين أميركا وإيران يثير أسئلة حول حرب أمنيّة
في المشهد الدولي تتحدث مصادر أمنية ذات خبرة في مراحل الحروب الباردة، عن حرب استخبارية متصاعدة بين طهران وواشنطن، تجد ترجمتها في الحرائق الغامضة المتنقلة في كل من إيران والولايات الأميركية، والتي كان أبرزها تفجير في منشأة نطنز النووية الإيرانية، وحريق البارجة الأميركية العملاقة في سان دييغو، وبعد تفجيرات غامضة في شمال طهران في منشأة صحيّة وفي منشأة لتعبئة الغاز، حريقان في ولايتين أميركيتين في معامل الطاقة في شيكاغو وأنديانا. وقالت المصادر إن أغلب الظن أن تكون هذه الأحداث المتلاحقة بصورة تنفي الصدقية للتفسيرات الطبيعية لأحداث مماثلة، تعبيراً عن تجاذب تفاوضيّ غير مباشر يجري حول قواعد اشتباك جديدة لإدارة النزاع في المنطقة لم تنضج بعد.
وقالت المصادر إنها تستبعد وضوح صورة التعامل الأميركي مع لبنان تحت أي سقف محدد قبل أن تتبلور الأطر التي ستحكم المواجهة بين طهران وواشنطن، فليس صحيحاً ما يعتقده الفرنسيون الذين وصل وزير خارجيتهم جان ايف لودريان إلى بيروت، من أن الأميركيين سلموا بنظريتهم بفصل تعافي لبنان عن المواجهة مع إيران، بل الأصح أن الأميركيين زادوا الربط بين الملفين، ولذلك فتحوا نافذة لتجميد يمكن لفرنسا الحضور خلاله، لأن مواصلة الضغط وفقاً للسقوف القديمة سيرتب نتائج سلبية كبيرة والسقوف الجديدة لم تتبلور بعد. وفي هذا الإطار وضعت المصادر، كل الكلام الصادر عن مسؤولي صندوق النقد الدولي حول مصاعب التوصل لتفاهم لمساعدة لبنان وإعلان البقاء في التفاوض، ومثله الكلام العربي عن الإيجابية والحاجة للدرس، ومثلهما ما تتوقعه المصادر من زيارة وزير خارجية فرنسا، تحت شعار لن نترككم وحدكم، لكن عليكم مساعدة أنفسكم كي نساعدكم.
وتحت عنوان مساعدة اللبنانيين لأنفسهم رسمت بكركي ما تعتقد أنه ما يطلبه دعاة هذا الخطاب من اللبنانيين، أي إشهار ابتعادهم عن حزب الله ومطالبة الدولة ورموزها بالفعل نفسه، لإدراك عدم واقعية مطلب الحياد رغم كل ما يتمّ تسويقه من أسباب موجبة لا تقنع أصحابها فكيف ستقنع الآخرين. فالمشكلة كانت وستبقى حول ما تريده واشنطن من المنطقة التي يعيش لبنان في قلبها، وهل يقدر على تلبيتها، وفي المقدمة قضية توطين اللاجئين الفلسطينيين، والحدود البحرية للبنان وثروات الغاز والنفط، فهل يقدر صاحب دعوة الحياد على الحصول على ضمانات في هذين الملفين الوجوديين؟
قبل أن يمرّ أسبوع على دعوة البطريرك بشارة الراعي للحياد وتوضيحاته لمفهومه، تسببت الدعوة بتظهير الانقسام الطائفيّ حولها، بإعلان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى رفضها، بينما دأبت بكركي على التداول الهادئ بما تراه مناسباً في مواجهة الأزمات، قبل تظهيره علناً، وغالباً يتم التظهير العلني ببيان يصدر عن قمة روحية، ومن ثم عن موقف مساند لرئاسة الجمهورية بصفتها الموقع اللبناني والمسيحي الأول الذي تحرص بكركي على التناغم معه، بدا بعد توضيحات صدرت عن بعبدا أن الأمرين مستحيلان.
على مستوى الأداء الحكومي قال مرجع نيابي إنه بعيداً عن السياسة والحروب المعلنة والمضمرة، فإن التركة الثقيلة ومحاولات التعطيل لم تعد حججاً يقبلها المواطن اللبناني الذي يضع أمامه جداول ثلاثة أرقام، عدد إصابات كورونا، وسعر صرف الدولار، وعدد ساعات التقنين الكهربائي، ويضع للحكومة علامة نهاية اليوم على أساس جمع هذه الأرقام، فكلما انخفض الرقم نالت الحكومة شهادة النجاح وكلما زاد المجموع نالت الحكومة شهادة بالفشل. ودعا المرجع إلى وضع خطط عملية ثابتة وغير قابلة للتأرجح في مواجهة هذه التحديات الثلاثة لتحقيق تقدم مضطرد، ومراجعة التقدم يومياً من دون الحاجة للاجتماعات المطولة التي ليست، بعددها وطول مدتها، مؤشراً على الإنجاز بنظر المواطن العادي.
واستكمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حملة التصعيد تحت عنوان «الحياد» عبر سلسلة نشاطات ومواقف سياسيّة تتماهى مع الضغوط الأميركيّة ضد حزب الله ولبنان، بحسب وصف مصادر مراقبة للشأن السياسي.
وأشار الراعي إلى أنه «يتألم بالعمق عندما يرى كيف يتألّم لبنان»، ورأى أن «لبنان بات بلداً منحازاً فأصبحنا معزولين عن العالم كله».
وأوضح الراعي في تصريح من وادي قنوبين أن «الحياد ليس فكرة منه ولا ترفاً منه إنما هو الكيان اللبناني»، وقال: «عندما كان لبنان محايداً مع الميثاق الوطني أعلن حياده تجاه الغرب وتجاه الشرق لذلك عاش كل اللبنانيين الازدهار والنمو والبحبوحة واليوم كلنا نعيش الفقر والحرمان»، وأضاف: «كلنا أصبحنا فقراء بلا كرامة شحاذين وهذا ليس لبنان وليست صورة لا المسلم ولا المسيحي»، وأكد أن «حياد لبنان يساعد الجميع وهو من أجل الجميع ولن نتراجع عن المطالبة به». ولفت إلى «أننا لسنا أمام مشهد سياسي إنما عودة إلى الجذور اللبنانية والحضارة اللبنانية ولن نتخلى يوماً عن حضارتنا وكياننا وهويتنا».
وفيما أبدت مصادر سياسية مسيحية عدة استغرابها للمواقف المستجدة التي تدلي بها بكركي المفترض أن تحافظ على موقع وسطي بين مختلف الأطياف اللبنانية لكونها صرحاً وطنياً جامعاً، أكدت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن تصريح الراعي «لا يمثل أجواء اللقاء الذي حصل بين الرئيس والراعي»، مشدّدة على أن «كلام الراعي لا يمكن أن يكون صرخة في وادي ويجب أن تترافق مع توافق أو مواكبة، ونحن حريصون على دوره وعدم استغلاله سياسياً».
ويزور رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الديمان ، بحسب معلومات «البناء» في زيارة هي الأولى من نوعها، حيث يلتقي دياب الراعي ويتخلل اللقاء «استعراض للتطورات المحلية على كافة المستويات منذ تشكيل الحكومة العتيدة وواقع الازمات الاقتصادية والمالية والمعيشية والنقدية وتصدي الحكومة لها ضمن الامكانات المتاحة والصعوبات التي تواجهها، ومن المتوقع أن يدلي الرئيس دياب بسلسلة مواقف بعد لقائه الراعي».
في موازاة ذلك، تشد وطأة الأزمات الحياتية اليومية على المواطنين من تأرجح سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى ارتفاع اسعار السلع الى التقنين القاسي للتيار الكهربائي في مختلف المناطق الى تفاقم أزمة البطالة والضائقة المعيشية ما يفترض بالحكومة والوزراء مضاعفة الجهود لإيجاد الحلول السريعة للتخفيف من معاناة المواطنين. وأشارت مصادر السراي الحكومية لـ»البناء» الى أن «الاجتماعات والجهود مستمرة حتى ايجاد الحلول رغم الامكانات المحدودة وشدة الازمات وتواطؤ بعض القوى السياسية والمالية والمصرفية الداخلية والضغوط الخارجية»، لافتة الى أن «الازمات صعبة ومتشعبة والحلول تصطدم بمقاومة أصحاب المصالح السياسية والمالية، لكن الحكومة مصمّمة على متابعة جهودها والازمات على طريق الحل لا سيما الكهرباء والغلاء وسعر الصرف»، داعية الى ترقب تطبيق اتفاق السلة الغذائية الذي سينعكس ايجاباً على سوق الاسعار والصرف». وجدد وزير الطاقة ريمون غجر تأكيد أن أزمة الكهرباء في طريقها الى الحل.
وفي مؤشر سلبي على الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، قررت ادارة مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت صرف حوالي 800 موظف. على أن تصرف ايضاً آخرين من الجامعة الأميركية. وطلبت ادارة المستشفى دعم القوى الأمنية لتلاوة قرار صرف لمئات الموظفين. وأثار قرار الجامعة سخطاً شعبياً وتعاطفاً مع الموظفين المصروفين الذين عبروا عن غضبهم بالدموع. ورسم تساؤلات حول حقيقة الواقع المالي في الجامعة، ما يعزز الربط بين قرار الجامعة صرف مئات الموظفين وبين تصاعد الضغوط الاميركية الخارجية على الحكومة وعلى لبنان؟ فهل يمكن الربط ايضاً بين هذا القرار وبين كلام رئيس الجامعة الاميركية فضلو خوري منذ أيام بأن هذه الحكومة هي أسوأ حكومة ووصفت مصادر القرار بالسياسي وليس قراراً مالياً ادارياً ما يطرح السؤال: هل اتخذت ادارة الجامعة الأوضاع الاقتصادية والمالية وأزمة الدولار ذريعة لصرف الموظفين كأداة ضغط على الحكومة ومواكبة الضغوط الاميركية على لبنان؟
وفي هذا السياق، كشف مصدر ديبلوماسي واسع الاطلاع أنه يتم حالياً «التحضير للائحة عقوبات طويلة ستشمل لبنانيين ليس فقط من الذين يتماهون على المستوى السياسي مع النظام السوري بل شركات ورجال أعمال وجمعيات وسياسيين لديهم علاقات اقتصادية تجارية مع سورية».
البناء