روسيا تَنْصُبُ فخاً لـ «قيصر» في مجلس الأمن الدوليّ!
د. وفيق إبراهيم
تشهد أروقة مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة جدلاً عنيفاً بين روسيا والصين من جهة والأميركيين والأوروبيين والخليجيين من جهة أخرى، حول سبل دعم النازحين السوريين في الشمال الغربي السوري.
انبثقت الخلافات بعد يقين روسي – صيني أن المساعدات المخصصة من الأمم منذ أربعة أعوام على التوالي تذهب بمعدل سبعين في المئة للتنظيمات الإرهابية المسيطرة على المنطقة برعاية تركية، مقابل ثلاثين في المئة إلى المدنيين الموالين لتركيا من التركمان وعائلات الإيغور والإرهابيين الآتين من أوروبا وبعض السوريين. تبين هذه النتيجة أن استمرار منظمات هيئة تحرير الشام والنصرة وحراس الدين وعشرات الكتائب المنبثقة من الإخوان المسلمين والإسلام الصيني والأوروبي الشرقي والخليج الفارسي وشمال أفريقيا «الشقيقة» مصر، هؤلاء تغطي الأمم المتحدة احتياجاتهم الغذائية مقابل الدعم التسليحيّ من الأميركيين والأتراك والتمويلي من السعوديين وآل زايد الإماراتيين وآل ثاني القطريين. هذه هي الأسباب الوحيدة التي جعلت هذا الإرهاب مستقراً في محافظة إدلب، إنما بتغطية ميدانية من الجيش التركي المتخالط معهم والدعم الأميركي بالتسويات مع الروس وتوفير إسناد ميداني من الشمال الغربي إلى الشرق بالاتجاهين.
هذه الأمور لم تتوضح بجلاء أمام الروس والصينيين إلا بعد إطلاق الأميركيين قانون «قيصر» الإرهابي الذي يصيب بتدابيره نحو 16 مليون سوري في مناطق سيادة دولتهم ونحو ثلاثة ملايين آخرين بشكل غير مباشر، فإذا أضفنا نحو خمسة ملايين نازح سوري منتشرين في بقاع الأرض فلا يتبقى إلا أربعة ملايين فقط يتوزّعون بين مناطق شرقي الفرات من الحدود مع العراق وحتى الحدود مع تركيا بمحاذاة نهر الفرات، هذا إلى جانب سكان الشمال الغربي. فتنكشف هنا اللعبة الأميركية بأن استعمال غطاء الأمم المتحدة لتأمين مواد غذائية واستهلاكية من معابر تركيا والعراق إلى منطقة إدلب إنما هو وسيلة لدعم الإرهاب المنتشر في هذه المناطق بأموال من الأمم المتحدة، وربما هي التي تدفع ثمن السلاح والتدريب منذ أربع سنوات متواصلة.
هناك إذاً مخالفات قانونية كبيرة تواصل الأمم المتحدة ارتكابها وتسيء بها لوظائفها الأساسية القائمة على رعاية العلاقات بين الدول على أساس القانون الدولي، أي أن تعاملها يجب أن يكون حصراً بتغطيات من دول معترف بها دولياً فتتنصل من خلالها بمؤسسات صحية أو طبية واقتصادية أو ثقافية. فلنفترض أن للأمم المتحدة الحق بتوقيع اتفاقات توزيع مواد إنسانية مع تركيا فهل يحق لتركيا توزيع مواد إنسانية في أراضي دولة أخرى ومن دون موافقتها؟
هنا ينبثق سؤال آخر يصرخ بصوت عالٍ متوجهاً إلى أمين عام الأمم المتحدة حول هوية هذا الحق الدولي الذي يبيح للجيش التركي ومخابراته توزيع مواد مختلفة في مناطق سورية تحتلها تركيا؟
الأمر الذي يثير العجب الكبير من تعامل الأمم المتحدة مع دولة محتلة لتوزيع مساعداتها من قبل المحتلين على شعب يتعرّض للاحتلال. وهذا ينطبق أيضاً على معبر اليعربية الذي تسيطر عليه قوات أميركية وأخرى من الإرهاب لنقل معونات أممية إلى تنظيمات الإرهاب وقوات قسد الكردية وتشمل الغذاء والتموين وكميات كبيرة من السلاح. كذلك الحال مع معابر الأردن قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري من تحرير مناطقه الجنوبية حتى حدود المملكة الهاشمية، ولم يتبقَ من تلك المنطقة إلا قاعدة التنف عند زاوية الالتقاء بين الحدود السورية والأردنية والعراقية ومخيم الركبان، وهما أكبر مراكز لدعم الإرهاب في البادية والشرق وبعض أنحاء محافظة حوران حول عاصمتها درعا. بالاستنتاج هناك أمم متحدة تتعامل في سورية مع دول تحتل أراضي سورية كالأميركيين والأتراك وبعض القوى الأوروبية، وهذا مناقض للقانون الدولي المنبثق منها والذي يؤكد على أن الدولة المعترف بها في الأمم المتحدة هي الدولة الحصرية الشرعية على أراضيها وفي تعاملاتها مع الخارج.
لذلك منع الروس والصينيون بالاتفاق مع الدولة السورية تجديد المشروع الأمميّ بتزويد منطقة «إدلب المحتلة» بمواد متنوعة، عبر معبري باب الهوى والسلام لأن تركيا هي الموزّع ولأن الإرهاب هو المتلقي والمستفيد، مطالبين بأن تكون الدولة السورية الشرعية هي موقع أي معبرين ينقلان تمويناً للإدلبيين المدنيين بشكل فعلي رابطين أيضاً صدور تقرير عن الأمم المتحدة يشرح أوضاع السوريين الواقعين تحت ظلم «قيصر» واستبداده كل نصف سنة. فكان أن سقط مشروع التجديد الأممي لفتح المعابر التقليدية بإشراف تركي وذلك بفيتو صيني روسي مزدوج. كما لم يمر اقتراح معدل من الصين وروسيا نتيجة لفيتو ثلاثي أميركي – فرنسي – بريطاني مدعوم من الخليج الفارسي و"إسرائيل".
كما أن مشروع التسوية الألماني – البلجيكي لم ينجح أيضاً بسبب الرفضين الروسي – الصيني.
ماذا يعني هذا الانسداد في الأمم المتحدة؟
تطرح الصين وروسيا تساؤلاً حول الفارق بين سوري إدلبي جائع وبين سوري ينتشر من حلب إلى حماه وحمص ودمشق مع الحدود مع الأردن والعراق المسْتَهدَف بشكل خانق من مشروع قيصر الأميركي، أما الضمانة الثانية التي يطلبها الروس والصينيون هي التأكد من وصول المعونات إلى مستحقيها من المدنيين والفعليين، بما يؤكد أن عصر تموين الإرهاب بواجهة أممية إنسانية وعمق أميركي – إسرائيلي – تركي – خليجي دخل مرحلة التقهقر والتراجع.
وهذا يعني من جهة أخرى وجود روسي – صيني على مجابهة قيصر على طول الخط السوري – الإيراني.
وله بعد آخر يتعلق بمستقبل إدلب والتخطيط الروسي – السوري لتحريرها بواحدة من الوسيلتين،
مؤتمر سوتشي وأستانا أي بمفاوضات ثلاثية روسية – إيرانية – تركية، أو بفتح معركة سورية مع تحالفاتها الروسية وحزب الله، لضرب تجمّعات الإرهاب وإبعاد الدور التركي. هنا لا يفهم الأميركيون إلا ضرورة الدفاع عن الإرهاب في إدلب ودعم الأتراك.
لأن تحريرها لا يعني إلا انتقال الجيش العربي السوري إلى الشرق عابراً الفرات وحاملاً أملاً كبيراً بإثارة ذعر الأميركيين المهتمين فقط بسرقة ثروات الشعوب، وهذه سورية والعراق مثلان واضحان للأهداف الأميركية في المنطقة العربية.