نعيش زمن الانتصارات وإرادتنا تزداد صلابة وقوّة
رائد الصايغ
كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يردّد دائماً مقولته الشهيرة «إن لا سياسة أميركية في الشرق الأوسط، إنما هناك سياسة إسرائيلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط». وقد فرضت الجغرافيا على لبنان أن يكون متقدّماً على جدول أعمال تلك السياسة الأميركية ـ الإسرائيلية، لكونه في قلب الصراع وعلى تخوم فلسطين المحتلة وليس على حدود السويد أو النروج.
ولأنه على الخط الأمامي للصراع تلقّى لبنان أول مفاعيل إنشاء الكيان «الإسرائيلي» عام 1948، حيث احتضن على أرضه عدداً كبيراً من الأخوة الفلسطينيّين الذين غادروا بيوتهم وأرزاقهم على أمل أن يعودوا إليها بعدما تكون الجيوش العربية الجرّارة قد حرّرتها من الأعداء الصهاينة!
طبعاً لم يحصل شيء من ذلك، لأنّ بعض العرب لا يريدون الحرب بل اختاروا الاستسلام والخضوع أمام السياسة الأميركية في المنطقة، وهي بالفعل سياسة «إسرائيلية».
لقد حاول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بناء واقع عربي مغاير، سواء من داخل المجتمعات العربية أو من خلال شبكة العلاقات الدولية الواسعة، لكن ذلك البعض من العرب استمرّ في التبعية، وسعى إلى إضعاف مصر وعبد الناصر، فكان ما كان في حرب اليمن وفي الحرب مع العدو الصهيوني عام 1967.
وحين تسلّم الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد القيادة في سورية، حرص بعقله الاستراتيجي ودقة استشرافه، على أن يبني القوّة القادرة على الصمود في مواجهة العدو ومنعه من تحقيق أيّ هدف، ريثما تنضج الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تسمح بخوض حرب التحرير.
من هنا أتت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، التي بدأت بانتصارات عربيّة مشهودة فاستعادت مصر وسورية في وقت قياسيّ أجزاء واسعة من أرضهما المحتلة في سيناء والجولان، إلى أن جنح أنور السادات وأوقف الحرب من الجبهة المصريّة فحدث ما حدث وانتهت تلك الحرب بنصر جزئي بينما كان الانتصار التاريخي الكبير في متناول الأيدي.
رغم ذلك لم يجد أصحاب المشروع الاستسلاميّ آذاناً صاغية لدى الرئيس حافظ الأسد، فذهبوا هُم وبقيَ هو وحيداً يواصل بناء القوّة والقدرة، إلى أن تمكّن من تحقيق نوع من التوازن الاستراتيجي، من خلال دعمه لكلّ نفَسٍ مقاوم في هذه الأمة خاصة في لبنان وفلسطين. وقد تعزّز هذا الاتجاه بشكل خاص بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الراحل الخميني عام 1979، والتي اعتبرها الرئيس الأسد خير معين للعرب في مواجهة ما يُرسم لهم في الغرف المغلقة الأميركية «الإسرائيلية».
وها هي الأيام تثبت بما لا يقبل أيّ شكّ أنّ رؤية الرئيس الأسد كانت صائبة وفي محلها تماماً، سواء بالنسبة لأهمية دعم المقاومة أو بالنسبة للعلاقة الاستراتيجية مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
وها هي الانتصارات تتوالى وتتعاظم، حيث لم يعد للأعداء أيّ قدرة على تهديد دولنا ومحورنا المقاوم، وإذا هم حاولوا ذلك تراهم يسارعون إلى التراجع بعد أيام، تماماً كما حصل بالأمس مع التهديدات الأميركية للبنان، إذ ما كادت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تسمع ما قاله لها مباشرة سماحة السيد حسن نصرالله، وما تبع هذا الكلام الحاسم من تحرّكات على أرض الواقع الحكومي والسياسي والحزبي والإعلامي، لا سيما في محيط السفارة الأميركية في عوكر، وأيضاً الخطوات الجدية التي حصلت مع الوفدين العراقي والصيني، والاستعداد الإيراني والروسي لمدّ يد العون للبنان، حتى سارعت مهرولة إلى عين التينة ثم إلى السراي لتبلغ الرئيسين نبيه بري وحسان دياب بأنّ بلادها لا تحاصر لبنان ولن تكون حجر عثرة أمام حصوله على المساعدات التي تمكّنه من الوقوف على قدميه، وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وخلفه إدارته ورئيسه دونالد ترامب الفاقد للتوازن خاصة في هذه الأيام الانتخابية الصعبة.
طبعاً لا أحد يتوهّم بأنّ المواجهة مع الأميركي و»الإسرائيلي» قد انتهت، لكن الأيام القليلة الماضية أكدت أننا على أتمّ الجهوزية والاستعداد للمواجهة، وأنّ إرادتنا تزداد صلابة وقوة، مهما كان حجم التحديات والصعوبات، لا سيما أننا نحيي هذه الأيام ذكرى الانتصار الكبير عام 2006، والذي لا تزال مفاعيله ماثلة في أذهان قادة العدو ومعهم مَن معهم مِن حلفاء وأصدقاء في المنطقة والعالم، وهم بالتأكيد يحسبون ألف حساب قبل الإقدام على أيّ حماقة جديدة.