استقلال واستقلال
معن بشور
في الرابع من تموز تحتفل الولايات المتحدة الأميركية بعيد استقلالها عن الاستعمار البريطاني قبل 244 عاماً، حين أعلنت 13 ولاية أميركية الاستقلال بمساعدة فرنسيّة قادها الجنرال لافييت الذي عاد بعدها ليساهم في إطلاق الثورة الفرنسية الشهيرة عام 1789.
وفي الخامس من تموز تحتفل الجزائر العربية المسلمة الأفريقية بعيد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي قبل 68 عاماً، ثورة استمرت لسنوات كانت تتويجاً لثورات لم تتوقف منذ أن وطأت جيوش الاستعمار الفرنسي بلادها عام 1830.
والاستقلالان رغم تشابههما في المظهر، إلا أنهما يمثلان ظاهرتين متناقضتين في الجوهر..
فاستقلال الولايات المتحدة الأميركية كان قياماً لدولة واجهت حملات عنصريّة وإبادات جماعية، ثم تحوّلت إلى خوض الحروب الخارجية المستمرّة حتى اليوم، لا سيما في وجه حركات التحرير والمقاومة التي يفترض أنها ولدت من رحمها بهدف تكريس هيمنتها على العالم بأسره..
أما استقلال الجزائر فكان فاتحة استقلال شعوب ودول في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، حيث تحوّلت الجزائر، رغم كل المصاعب التي واجهتها وما تزال، من أجل تجويف استقلالها وسلب إرادتها، إلى إحدى القواعد الرئيسية لحركة التحرر العربي والعالمي.
الاستقلال الأميركي كان ثمرة ثورة تحرير قام بها أتباع الإمبراطورية البريطانية (حين كانت الشمس لا تغيب عنها)، ضد حكم بلادهم الأم، وكأنها كانت انفصالاً عن تلك الإمبراطورية أكثر من كونها استقلالاً، حتى أن جيش تلك الإمبراطورية، التي تحوّلت في ما بعد إلى ذيل للولايات المتحدة، قد غزا الدولة الجديدة واحتلّ عاصمتها وأحرق البيت الأبيض عام 1812 .
أما الاستقلال الجزائري فكان ثمرة ثورة قام بها أهل البلاد الأصليين ضد المستوطنين المستعمرين الذين ما تنفك دولتهم حتى اليوم عن محاولتها للتدخل في شؤونهم الداخلية وإملاء سياساتها عليهم، وما متحف جماجم الثوار في باريس إلا أبشع دليل على وحشية هذا الاستعمار وهمجيته.
الاستقلال الأميركي رعى بذور أخطر وأبشع عنصرية عرفها العالم سواء ضد السكان الأصليين (الهنود الحمر) حيث قام بإبادة الملايين منهم، وصولاً إلى استعباد الأفارقة الذي أتى بهم من بلادهم، إلى رعاية كيان صهيوني عنصري إرهابي ودعمه وحمايته ليكون حاجزاً بشرياً يمنع قيام أيّ تواصل بين أبناء الأمّة العربية من مشرقها إلى مغربها..
فيما الاستقلال الجزائري، كان ثمرة ثورة تكاملت مع حركات التحرير في بلدان المغرب العربي وتواصلت معها، كما تفاعلت مع حركة التحرر العربي في أرجاء الوطن العربي كله، لا سيّما في مصر وسورية والعراق.. وحملت منذ انتصارها شعار «استقلال الجزائر لا يكتمل إلاّ باستقلال فلسطين».
فهل تعني لنا شيئاً هذه المقارنة؟
ألا تعني أنّ حركة التحرر في بلادنا هي حركة إنسانية المضمون، عالمية التأثير، أخلاقية السلوك، فيما تلك في الولايات المتحدة كانت عنصرية في الداخل والخارج، غطت «بحبوحتها» المالية التي بدأت تفقدها حالياً، كل ما فيها من عيوب..
وإذا كان استقلال الجزائر لا يكتمل إلا بتحرير الأمّة العربية كلها من احتلال الأرض واحتلال الإرادة، فإن الاستقلال الأميركي لن يكتمل إلا بإزالة كلّ الجذور العنصرية والاستعمارية والرأسمالية المتوحشة الكامنة في النظام الذي قام بعده..
وهذا ما نأمله اليوم في حراك الشعب الأميركي ضدّ حكام بلاده..