المساعدات الأميركية للبنان: الحجم والأهداف
د. علي مطر
تعد المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، أحد أخطر الملفات التي تسعى واشنطن عبرها للسيطرة في لبنان، وجعله أداة طيعة لها، لتستطيع من خلال نفوذها داخل المؤسسة العسكرية تحقيق أهداف عدة، على رأسها حفظ أمن كيان العدو الإسرائيلي، فضلاً عن تحقيق أجندات داخلية تتعلق في إدخال الجيش اللبناني بمواجهة مع المقاومة، ومن ثم العمل شيئاً فشيئاً على نزع سلاحها. ولا يخفى على أحد المآرب الأميركية المتعددة من سياساتها في لبنان، خاصةً أن هذا التسليح لا يحول الجيش اللبناني إلى جيش قوي كما هو مطلوب للوقوف في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، بصرف النظر عما يتمتع به هذا الجيش من عقيدة وطنية لا يمكن التشكيك بها، وهو لطالما أثبت من خلال ضباطه وعناصره ارادة الوقوف ولو بالسلاح الفردي في مواجهة دبابات العدو الإسرائيلي.
لقد صرفت الولايات المتحدة الأميركية نظرها عن دعم جميع القطاعات اللبنانية الاقتصادية والتجارية والخدماتية التي تحتاج الى الدعم وركزّت على تقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وذلك لتحقيق مصالح معينة من خلالها، مع العلم أن القطاعات المذكورة هي بأمسّ الحاجة للدعم، ولكن أغفلت واشنطن عينها عنها لأنها لديها خطّة بديلة لتحقيق فيها أهداف أخرى.
ويظن فريق سياسي داخلي مؤيد لواشنطن، أن المساعدة الأميركية المقدمة إلى الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ستؤدي إلى تنظيم جيش كامل التسلح والتجهيزات تضعه بمصاف الجيوش القوية على الأقل في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يصبح قادراً على ردع العدو الإسرائيلي، ولكن من خلال البحث في المساعدات الأميركية العسكرية للجيش اللبناني بطريقة أكثر دقة، سنجد أن الأمر مختلف تماماً إذ إن واشنطن لن تدعم الجيش اللبناني بدبابات ابراهامز، ولا بطائرات اف18 أو 16، ولا بهليكوبترات أباتشي وكوبرا، أو بصواريخ كروز توماهوك الذكية التوجيه، لأنه في هذه الحالة سوف يهدد أمن "إسرائيل"، فالإدارة الأميركية عندما تسلح الجيش اللبناني تسلحه بشكل لا يكون قادراً فيه على مواجهة اسرائيل، فضلاً عن تحويله جيش داخلي يضبط حدوده، ويقوم بالإشراف على مراقبة الشريط الحدودي اللبناني- السوري.
أولاً: قيمة ونوع المساعدات الأميركية المقدمة للجيش اللبناني
بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية بين العامين 2006 و2016 حوالي مليار ومائتي مليون دولار أميركي، شملت: أسلحة، معدات، صيانة، قطع بدل وتدريب وفق دراسة نشرها "مركز الاتحاد للأبحاث"، يذكر فيها أن الولايات المتحدّة الأميركية تقدم نوعين من المساعدات للجيش اللبناني.
*الأول يشمل مساعدات تقدّم من خلال برامج سنوية.
*الثاني يشمل مساعدات ظرفيّة.
كما تشير الدراسة إلى أن الجيش لا يتلقّى عادةً مساعدات ماديّة بشكل مباشر، باستثناء ما يقدّمه برنامج FMS Foreign Military Sales وهو كناية عن مبلغ سنوي تراوح قيمته بين 70 و150 مليون دولار أميركي، تخصّصه الولايات المتحدة الأميركية للجيش اللبناني بهدف تزويده بالأعتدة والتدريب.
وهناك برامج مساعدات أميركية أخرى منها ما هو سنوي كبرنامج (2282)، الذي يقوم باختيار نوعيّة الأسلحة والمعدات المطلوبة، بعد دراسات تحدّد حاجة الجيش اللبناني بموافقة من الولايات المتحدة الأميركية بعد إجراء استطلاع رأي ميداني في القطع والوحدات.
إلى ذلك، هناك برنامج IMET International Military Education and training السنوي، المخصّص للتدريب. ويتمّ التحضير حاليًا للبرنامج 1226 الذي يهدف إلى دعم الوحدات المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، بالغذاء والألبسة وتصليح الآليات، إضافة إلى تحصين المراكز ومصروف المحروقات وغيرها.
وتقارن الدراسة بين المساعدات التي تدعي أميركا تسليمها للجيش اللبناني وبين المساعدات التي وصلت له على الشكل التالي:
1: لم تصل المساعدات الى مبلغ مليار ومائتي مليون دولار أميركي، فالمبلغ لم يتعد 10 ملايين دولار خلال 10 سنوات ومن الممكن أن يكون المبلغ مبالغا فيه أيضًا.
2: لم يصل للجيش اللبناني سوى الأسلحة الخفيفة، معدات بسيطة ورمزية، قطع بدل لا قيمة لها.
3: لم يحصل على تدريب عالٍ بل قدّمت أميركا تدريبا عينيا لم يطوّر شيئا في قدرات الجيش اللبناني.
ثانياً: الأهدف الأميركية
تسعى واشنطن من خلال تقديم المساعدات المادية والعسكرية للجيش اللبناني إلى تحقيق الأهداف التالية:
1-اكتساب النفوذ داخل المؤسسات السياسية والأمنية في لبنان.
2-إقامة وجود عسكري أميريكي دائم داخل لبنان.
3-احراج لبنان عبر المساعدات في تمرير صفقات في مجال الطاقة ومصالح اقتصادية أخرى.
4-منع روسيا وايران والصين من تقديم المساعدات المادية والعسكرية للبنان (تعتبر الولايات المتحدّة الأميركية أنه لا يمكن للجيش اللبناني الحصول على مساعدات من دول أخرى وأميركية في آن واحد).
5-إعداد العدة والميدان والظروف الموضوعية والعمل الدؤوب لتحقيق ما أمكن من تابعية في لبنان.
6-التمهيد لاستغلال المتغيرات في الساحة اللبنانية تتيح المواجهة وفرض الإرادة الأميركية كاملة على لبنان.
7-افتعال حرب أهلية من خلال الصدام بين الجيش والمقاومة.
8-دفع الجيش اللبناني الى ممارسة دور الحارس للحدود الإسرائيلية مع لبنان.
9-تهيئة جيش لبناني يلعب دور قوات الـيونيفيل حاليًا في جنوب لبنان، بشكل كامل إذا تمّ سحب كامل القوات من الحدود اللبنانية.
ثالثاً: الإجراءات التي تقوم بها أميركا لخلق فتنة بين حزب الله والجيش اللبناني:
قامت الولايات المتحدّة الأميركية بتعليق مساعدات الجيش اللبناني كأداة ضغط على الجيش لمواجهة حزب الله وخصوصًا أثناء الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، أي غض النظر عن إقفال الطرقات، وأعمال الشغب وغيره وذلك لتحقيق هدفهم بإقالة حكومة حسان دياب، وتشير دراسة مركز "الاتحاد" إلى النقاط التالية:
1-قامت ادارة ترامب بعد تعيين حسان دياب رئيسًا للحكومة اللبنانية بوقف المساعدات العسكرية والمادية حيث اعتبر ترامب أن الحكومة أصبحت تحت سيطرة حزب الله وبالتالي تقديم المساعدات له يساهم في تقوية نفوذ حزب الله في لبنان المصنف على أنه "منظمة إرهابية أجنبية".
2-طرح مجلس النواب الأميريكي ملف المساعدات للجيش اللبناني في سياق دراسة اقتراح قانون يسمى "مكافحة حزب الله في التشريع (القانون) العسكري الخاص بلبنان Countering Hezbollah in Lebanon’s Military Act .
*الاقتراح يرد فيه إلزام الإدارة الأميركية بتقديم تقرير إلى الكونغرس يتناول علاقات الجيش اللبناني بحزب الله.
*إن أظهر التقرير فشل الحكومة اللبنانية في تقليص نفوذ حزب الله داخل الجيش، فستلغى 20 في المئة من المساعدات الأميركية المخصصة للبنان.
رابعاً: مصير المساعدات الأميركية المقدّمة للجيش اللبناني
يدور نقاش أميركي دائم حول وقف المساعدات للجيش اللبناني، واستخدام ذلك كورقة ضغط وتخويف ضد لبنان، وهناك اختلافات في وجهات النظر داخل الإدارة الأميركية أيضاً، فقد أكد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في تشرين الثاني 2020، خلال زيارته للكيان الإسرائيلي، أن لا حجب للمساعدة، بل هي تمرّ فقط بمسار دراسة ومراجعة، لافتاً إلى أن قطع المساعدات من شأنه أن يدفع الجيش إلى حزب الله وإيران. كما اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب إليوت إنغل (نيويورك)، والنائب تيد ديوتش (فلوريدا) الذي يرأس لجنة فرعية معنية بالشرق الأوسط المؤيدان لـ"إسرائيل" أن المساعدة ضرورية لتمكين الحكومة اللبنانية من المحافظة على الأمن والاستقرار، بما في ذلك محاربة الإرهاب وأمن الحدود وتنفيذ القرار الأممي 1701.
ويقول نيد برايس، مسؤول الأمن القومي السابق في إدارة أوباما في حديث لموقع بيزنس إنسايدر، إن إضعاف الجيش اللبناني "هو دعوة لحزب الله، وإيران، وروسيا، لتعميق نفوذها داخل المجتمع اللبناني". ويرى برايس، أنه "من غير الطبيعي، وغير القانوني.. أن يتم حجب الأموال التي أقرها الكونغرس"، وأعتبر أن ذلك "يشكل خطراً فائقاً على لبنان" ويضر بالسمعة الأميركية.
وفق ما تقدم يمكن القول بناء على ما تقدمه الدراسة التي أشرنا إليها، أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتخلى عن "علاقاتها” بالمؤسسة العسكرية اللبنانية. قد تكون هذه واحدة من الثوابت التي تجمع عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة، حيث إن الحديث الإسرائيلي المتواصل عن خلافات بين تل أبيب وواشنطن إزاء المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، وعن تجاذب داخل الإدارة وصولاً إلى تجميد مساعدة لوجستية هنا أو هناك، لا يغير من الاستراتيجيات الأميركية الموضوعة للجيش اللبناني والآمال المعقودة عليه بمواجهة حزب الله وإن كان لاحقًا. وقد ناقش جيفري فيلتمان، والذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في لبنان من 2004 إلى 2008، أهمية استمرار تزويد الجيش اللبناني بالمساعدات.
وتظن الإدارة الأميركية أن عملية مساعدة الجيش اللبناني التي تتضمن تقديم بعض الأسلحة الخفيفة له، سوف تضمن بقدر أكبر إعادة بناء العقيدة العسكرية والقتالية للجيش اللبناني على النحو الذي يجعله يخوض حرباً داخلية باسم الشرعية اللبنانية وبالوكالة عن إسرائيل وأميركا ضد المقاومة، على النحو الذي يحقق الحماية بـالوكالة لأمن الحدود المستوطنات الإسرائيلية الموجودة على الحدود مع فلسطين المحتلة. لكن لم تستطع واشنطن أن تحقق هذا الهدف، وهو بعيد المنال عليها، إذ لا تزال عقيدة الجيش اللبناني تصنف "اسرائيل" عدوًا ولم تنجح المحاولات الأميركية لتغيير تلك العقيدة.
إن المساعدات التي تقدمها واشنطن للجيش اللبناني لا تساوي شيئًا مقابل أهداف السيطرة التي تطمح أميركا لها في لبنان، والتي تعتبر هذه المساعدات إحدى السياسات التي تريد اميركا تعزيز سيطرتها من خلالها وذلك بتكاليف زهيدة، لكن حتى الان فشلت واشنطن في تغيير الاستراتيجية الوطنية للجيش اللبناني، ولم تتمكن من أن تحوله إلى أداة لقمع الشعب وإدخال لبنان في حرب أهلية، فالعقيدة الوطنية التي يتمتع بها الجيش اللبناني تجلعه حصناً للوطن إلى جانب الشعب والمقاومة.