الحياد كمين قاتل لشعوب المنطقة
جهاد حيدر
يتجاهل بعض الزعماء اللبنانيين، واتباعهم، حقيقة أن الحياد الذي يروِّجون له، هو في مقابل تيارات تكفيرية ترى أن أهدافها الاستراتيجية تمر من خلال استئصال الجماعات والطوائف والمذاهب المغايرة لها. ويقفز مروجو الحياد فوق حقيقة أخرى وهي : أن ما حال ويحول حتى الان دون تحقيق الاستئصال ، يتصل بشكل أساسي بالقدرة والتمكين والتوقيت .
وحتى يكون الحياد فعليا وحقيقيا، ينبغي ان تتوفر مجموعة شروط منها :ان يتم تبنيه من الطرفين المعنيين وليس من جهة دون اخرى كما ينبغي ان لا يكون ظرفيا ومؤقتا وجزء من تكتيك يتبعه احد اطراف الصراع. لأنه في هذه الحالة يصبح اداة من ادواته بهدف تحييد هذه الجماعة كي يتفرغ الى أخرى، على أن يعود اليها في وقت لاحق.
الحياد تجاه التكفيريين كمين وغباء
فما هو موقف التكفيريين من الاخر. بمن فيهم الطوائف والمذاهب المختلفة ؟
رغم أن سلوك هذه الجماعات أصدق إنباء وأبلغ حجة، لكن يبدو أن بعض الجهات باتت تحتاج ايضا الى نصوص مباشرة وصريحة صادرة عن الجماعات التكفيرية. ومن حسن الحظ أن هذا الامر متوفر خاصة وان منظريهم يجاهرون ويفتخرون به، وتورده مواقعهم الالكترونية المعبرة عن افكارهم.
ففي دراسة موسعة بعنوان "المذكرة الاستراتيجية" (صادرة عن مؤسسة المأسدة الاعلامية/ موقع منبر التوحيد والجهاد)، تناولت الخط الفكري والسياسي للقاعدة وفروعها، بقلم أحد منظريها. وردت مجموعة من الرؤى والتقديرات والمواقف من ضمنها ما يتصل بمصير الاقليات الدينية والنظرة اليها. وتعكس هذه الدراسة المسار الذي ينتظر شعوب المنطقة في حال تمكن هؤلاء من امتلاك القدرة على تحقيق اهدافهم.
حدَّدت الدراسة بشكل صريح ومباشر، الموقف العملاني ممن أسمتهم المشركين في بلاد الشام. ورأت أن إخراجهم منها "ضرورة فرضها الواقع السياسي والعسكري والثقافي الذي رسمته القوى العظمى وسنت له القوانين بحيت يجعل أولئك الأقليات مفاتيح للدخول إلى المنطقة وللتدخل في شؤونها الداخلية".
لكن من هم هؤلاء المشركون بنظر التكفيريين؟ تجيب الدراسة بالنص الصريح أنه "من الواجب علينا بعد أو قبل اعلان دولة الخلافة بحسب الظرف أن نعمل على طرد اليهود وتهجير النصارى والدروز والنصيرية والبهائية بالاضافة الى الشيعة وعبدة الشيطان وغيرهم من المشركين من كافة الاراضي التابعة لمنطقة الشام..". وللمناسبة لا علاقة لمنظري هذا النهج، ولا لناشري الدراسة، بتنظيم داعش. بل ينتمون الى تنظيم القاعدة التي تعتبر جبهة النصرة امتداده في بلاد الشام.
وفي سياق الاستدلال على صحة وضرورة هذا الخيار رأت الدراسة ايضا أن "من يقرأ في التاريخ يرى أن الإضطرابات الداخلية في أي دولة غالبا ما تنشأ عن ذلك وهذا ما كان يمارسه السفراء الأجانب في الدولة العثمانية بالتعاون مع الأقليات في الدولة والتي نجحوا أيما نجاح في العمل من خلالها لتفكيك الدولة الأم "،
وبلغ التأصيل لخيار إخراج "المشركين" حد، وضعه في سياق استراتيجي بالقول "لا يمكن لنا سياسيا أن نشعر بالإستقرار في ظل وجود مثل هذه الثغرات... ولايمكن لنا عسكريا أن نقاتل العدو الخارجي في ظل عدو داخلي ينتظر تسديد طعنات لنا في الظهر إن مالت الكفة العسكرية علينا أو حين يطلب منه ذلك في الوقت المناسب !".
أما بخصوص التوقيت الملائم لتنفيذ عملية اخراج كل هذه الجماعات، وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
توضح الدراسة أن "أفضل مناخ لتنفيذ هذا المخطط يأتي في حالة من الحرب وليس في حالة من السلم أي أنه من السهل علينا اتخاذ مثل هذا الإجراء قبيل إنتهاء العمليات العسكرية الخاصة بتمهيد إعلان الخلافة". وتبرر ذلك بالقول "أفضل سياسة للتعامل مع ملف الأقليات وما يحمله من مخاطر هو بفرض واقع جديد خالي من تلك الأقليات وأفضل توقيت لهذا الإخلاء هو في ظل نهاية العمليات العسكرية الكبرى كما كانت تفعل الجيوش الحديثة عندما تضاعف عملياتها الحركية والعسكرية في اللحظات الأخيرة قبل إنتهاء المعركة لفرض واقع جديد يستطيع السياسيون التفاوض بموجبه!".
وهكذا يبدو جلياً أن ما ينتظر شعوب المنطقة ممن يخالف التكفيريون، في ضوء هذا النمط من الفكر والاداء، خيار من اثنين: إما الموت أو الرحيل. ويشمل الخطر ايضا أكثر اتباع مذهب أهل السنة، بحكم مخالفتهم لتوجهات التكفيريين على المستويين الفكري والفقهي،
مع ذلك، قد يستهوي شعار الحياد الكثيرين، وصولا الى رسم سيناريوهات مفترضة تحاول الجمع بين إبعاد الخطر، وفي الوقت نفسه تجنب تقديم اثمان وتضحيات مؤلمة. لكن هؤلاء يتجاهلون حقيقة أن الواقع اشد تعقيداً من كل الاماني، وأن من يبني خططه وتقديراته لمسارات المستقبل وفق هذا المبنى، يكون قد وضع مصيره، ومصير من يفترض أنه يحمل أمانة حمايتهم والدفاع عنهم، على سكة المصير المشؤوم. إن قُدِّر لهذه الجماعات التمكن والحصول على القدرات الكافية.
أمام هذه الوقائع، يتراوح وصف خيار الحياد، في مقابل التكفيريين، بين حدين.
الاول، وهو الحد الادنى، بالخيار "الغبي".
والثاني، وهو الاكثر تعبيراً عن واقعه، بالكمين القاتل الذي تنصبه الشعوب لنفسها، إما لسوء تقديراتها أو لاتباعها زعامات لها حساباتها الضيقة في مواقفها رغم أن القضية مصيرية.