الأميركيّون يَتعسّرونَ مجدّداً في الشرق الأوسط
د. وفيق إبراهيم
محاولات الأميركيين لترميم تراجعاتهم في الشرق الأوسط تصطدم بعقبات حادة جداً، تدفع بهم نحو مزيد من الخسائر وسط ترقبين صيني وروسي يتحيّنان الفرص للاستثمار.
كما أنّ إيران تواصل اختراقاتها للنفوذ الأميركي فتذهب أكثر نحو وضعية الدولة الإقليمية الأساسية، وتدعم بذلك التقدم الروسي –الصيني.
لذلك فإنّ عالماً متعدد القطب يتسلل من خلال رائحة البارود في الشرق الأوسط والصراعات المتفاقمة في معظم دوله.
كيف يحاول الأميركيون ترميم تراجعهم؟
يبدو واضحاً أنهم يعملون على إعادة إحياء معارك جديدة في معظم البلدان التي كان الإيرانيون قد بنوا فيها مواقع تحالفات هامة.
فبدأوا باستخدام شعارات متشابهة في العراق ولبنان بواسطة تحالفاتهم في هذين البلدين.
هذا التشابه استند إلى وجود سلاح خارج إطار الدولة في البلدين، أيّ الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
فهل من باب المصادفات أن تفتح القوى العراقية المؤيدة للأميركيين داخل حكومة الكاظمي وأحزاب الوسط وكردستان وبعض الأطراف الجنوبية ملف سلاح الحشد الشعبي وضرورة وجود سلاح شرعي واحد خاص بالدولة؟
وهل من باب الحرص على الأمن العراقي، الهجوم الذي شنته المخابرات العراقية مدعومة من الجيش على مكاتب «حزب الله العراق» بذريعة أنه يهاجم المنطقة الخضراء في بغداد، حيث تمركزت قوات أميركية؟ وسرعان ما ترتفع أصوات بضرورة تجريد الحشد الشعبي من سلاحه؟
للتنبيه فإنّ هذا الحشد هو الذي قضى على الإرهاب القاعدي والداعشي الذي كان مدعوماً منذ 2016 من تركيا وأميركا. ولم يكتفِ الحشد بالدفاع عن المناطق الشيعية بل حرر الموصل والمناطق الوسطى وكركوك مانعاً سقوط العاصمة بغداد وكردستان في الشمال.
أما العنصر الإضافي فهو أنّ الجيش العراقي لم يتمكن من إعادة بناء قواه وألويته بسبب الممانعة الأميركية الواضحة.
هذا يعني أنّ الأميركيين يمنعون تشكل قوة عسكرية مركزية، لإبقاء العراق ممزّقاً بين جهات ثلاث، وبالتالي سياسات ثلاث إلى أن تحين مرحلة تشكّل ثلاث دول على أنقاض العراق الواحد.
هذا الموضوع جرى نسخه في لبنان أيضاً.
فبدأ السياسيون الأميركيون في واشنطن بالمطالبة بتجريد حزب الله من سلاحه وحصره بالدولة اللبنانية. فانتقل الأمر إلى السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا التي بدأت بإطلاق تصريحات تربط بين تجريد السلاح من أيدي حزب الله والمساعدات المالية للبنان من الأميركيين وصندوق النقد الدولي.
ولم تكتفِ بهذا القدر، بل حرّضت تحالفاتها اللبنانية على استهداف سلاح حزب الله بشكل يوميّ، وكادت أن تدفع الأوضاع الداخلية اللبنانية إلى احتراب داخلي خطير. وتبيّن في غضون الشهر الأخير أنّ هناك عودة ملحوظة لتنظيمات إرهابية من داعش والنصرة إلى شرقي سورية وأنبار العراق ووسطه متواكباً مع رفض أميركي في مجلس الأمن الدولي على رفض وضع منظمة حراس الدين المتفرّعة من القاعدة على لائحة الإرهاب الدولي.
فاتضح على الفور أن الأميركيين يراهنون على حراس الدين الذين يمتلكون نحو ألفي مسلح في منطقة إدلب السورية، لوقف تقدم الجيش السوري مع فتح الباب مجدداً لآلاف المقاتلين من داعش والنصرة للعودة العسكرية الفاعلة إلى البادية السورية والمناطق المحاذية لآبار النفط في شرقي سورية.
أما لجهة إيران فنظم الأميركيّون عقوبات جديدة عليها، متجهين لدعم هجمات سعوديّة على شمالي اليمن ومُحرّضينَ تحالفاتهم على اقتسام الجنوب.
ما هي نتائج هذا التحرك الأميركي الجديد؟
على مستوى العراق أعاد «الحشد الشعبي» تنظيم قواه ووحدة تنظيماته، دافعاً نحو الإفراج عن مقاتلي «حزب الله العراق» الذين اعتقلتهم حكومة الكاظمي.
بذلك تمكن هذا الحشد من الكشف عن «أميركيّة الكاظمي»، وهذا لن يتأخر في إحراق مزاعمه بالوسطية والدور المتوازن داخل العراق، واعتباره هدفاً رديفاً للاحتلال الأميركي فيه، أي أن الأميركيين خسروا ورقة كادت أن تنجح بإيهام العراقيين بإدارتها المتوازنة.
هنا يجب التنبه إلى أن العراق عاد إلى أداء دور ميدان مفتوح الصراع بين الحشد الشعبي وتحالفاته وبين الأميركيين المحتلين وتحالفاتهم، وذلك بعد هدنة لم تزد عن أقل من شهرين.
لجهة لبنان، طوّق حزب الله وتحالفاته الهجمات المطالبة بتجريده من سلاحه، مستثيراً أجواء تأييد شعبية، تمكنت من تطويق حركة السفيرة الأميركية وتحالفاتها الداخلية، على قاعدة أن لسلاح حزب الله دوراً وطنياً متواصلاً بمواكبة استمرار المخاطر الإسرائيلية على لبنان من جهة والإرهاب الإسلامي من جهة أخرى.
أما اليمن، فنجح باستيعاب هجمات جوية سعودية، معيداً إطلاق صورايخ ومسيّرات أصابت وزارة الدفاع السعودية في الرياض وإدارة المخابرات وقواعد عسكرية عدة، كما نجح بتحرير مديرية ردمان بالكامل.
ولم تتأثر إيران بالعقوبات الأميركية الإضافية التي مرت من دون أي ضرر يذكر.
هذه الخيبات شجعت الأميركيين على تشجيع منظمة «قسد» الكردية على سرقة غلال السوريين الزراعية في الشرق والسكك الحديدية والإقدام على عمليات قتل وسرقة وخطف لنشر الفوضى.
يتبين أن محاولات الترميم الأميركية أصيبت بخسارة جديدة قد لا ترمي بها خارج الشرق الأوسط، لكنها تضعها في مأزق جديد وتحشرها في صراعات جديدة لن تكون لها فيها الريادة والسيادة. ما يعني أن الورقة الأميركية الأخيرة هي حرب إسرائيلية على لبنان بمواكبة هجمات أميركية في شرق سورية وإدلب والعراق فهل هذا ممكن؟
إذا حدثت هذه الحرب، فلن تكون أكثر من إعلان عن انتهاء العصر الأميركي في الشرق الأوسط أو ولادة نظام متعدّد القطب تشارك فيه إيران على مستوى العالم الإسلامي.