بري: المشروع المختلط لا مخيّط بإبرة ولا مضروب بدبوس
نقولا ناصيف
لا تزال امام لجنة قانون الانتخاب مهلة اسبوعين لاتخاذ موقف من اقتراح القانون المختلط. الى الآن تحصر مناقشاتها بتأكيد مواقفها من الصيغ التي اقترحتها قبل التمديد الاول، ولا تزال اياها بعد التمديد الثاني.
يصف رئيس مجلس النواب نبيه بري اقتراح القانون المختلط ــــ وهو اقتراحه ــــ المدرج بنداً وحيداً في جدول اعمال اللجنة النيابية لقانون الانتخاب، بأنه أفضل الصيغ المطروحة: "لا مخيّط بإبرة ولا مضروب بدبوس”. يضيف ان توزيع المقاعد مناصفة على التصويتين النسبي والاكثري يجعل من الصعوبة بمكان توقع نتائج الانتخابات سلفاً، خلافا للمشاريع الاخرى المتداولة التي وضعها أصحابها على قياسهم، كي يضمنوا الاكثرية النيابية. يضيف في وصف اقتراح القانون المختلط انه ينطوي على "الغموض البنّاء” الذي يحمل الكتل والاحزاب على البحث عن حلفاء متشعبي الاتجاهات والخيارات.
يعتقد رئيس المجلس ايضا بأن المشروع المختلط يعطي المسيحيين مقاعد بأصواتهم اكثر مما يعطيهم اياها اقتراح اللقاء الارثوذكسي، وهو يؤدي في الوقت نفسه الى الاهداف التي يتوخاها ذلك الاقتراح، دونما ولوج طريقته في اجراء الانتخابات، الرامية الى حصر انتخاب النواب بطوائفهم.
ويلاحظ ان اقتراحه يعدل بين الطوائف، ويجد في النسبية افضل ضمان لتمثل الجميع، من دون التخلي عن التصويت الاكثري. الامر الذي يبرر مغزى انتخاب 64 نائبا بالاقتراع النسبي و64 نائبا بالاقتراع الاكثري بغية توفير المساواة. بيد ان بري يرى الانجاز الفعلي في اقتراحه انه يعتمد النسبية للمرة الاولى في تاريخ قوانين الانتخاب اللبنانية ــــ وان جزئيا ــــ ويشقّ الطريق امام مرحلة جديدة في خوض الانتخابات النيابية، كما في بناء التحالفات.
تلقى رئيس المجلس بترحيب ملاقاة الرئيس ميشال عون اقتراح القانون المختلط، من دون تخليه حتى الآن على الاقل عن اقتراح اللقاء الارثوذكسي. وهو ما يعكسه ايضا بالقول ان تشبثه بالمناصفة الحقيقية في مجلس النواب يجعله يتمسك بالهدف، لا بآلية الوصول اليه.
على ان اعمال اللجنة النيابية لا توحي، في الظاهر في احسن الاحوال، بانها آيلة فعلا الى الاتفاق على اقتراح القانون المختلط صيغة نهائية لقانون الانتخاب، قبل انقضاء مهلة الشهر التي ناطها بها بري وتنتهي مطلع السنة الجديدة. ورغم ان الافرقاء جميعا يحرصون على المشاركة في جلساتها بلا انقطاع لاظهار سعيهم الجدي الى قانون جديد للانتخاب، بيد ان المداولات تعكس نَفَسَا مختلفاً، هو المواقف المسبقة. بذلك تصطدم اللجنة بعقبات كافية حتى الآن لتقليل حماستها على انجاز مسودة شبه نهائية لقانون الانتخاب:
اولاها، ان الرئيس سعد الحريري كان قاطعا في مقابلته التلفزيونية قبل اسبوعين، عندما اصر على ان مشروعه لقانون الانتخاب هو صيغة القانون المختلط (60 مقعدا بتصويت نسبي و68 مقعدا بتصويت اكثري) كان اتفق عليها نواب تيار المستقبل مع نواب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. لم يبدِ انفتاحا على مناقشة اقتراح سواه، واوصد الباب دون اقتراح الائتلاف.
ثانيها، خلافا للجنة النيابية التي قصرت مهمتها على اقتراح القانون المختلط، فإن قانون الانتخاب مدرج في الحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل، دونما تحديد الصيغة المقترحة للمناقشة. والحريّ ان حزب الله اقرب الى رئيس المجلس، منه الى تيار المستقبل في الموقف من مشروع القانون المختلط. لا يستفيض الحزب في الخوض فيه، ولا في سواه من الاقتراحات المطروحة. وكان تعهّد قبل سنة لرئيس تكتل التغيير والاصلاح وقوفه الى جانبه في اقتراح اللقاء الارثوذكسي لمرة واحدة فقط، ينبثق منها بعد اول انتخابات نيابية عامة تمثيل مسيحي نيابي جدي، يعيد التوازن السياسي والشعبي الى مجلس النواب، على ان يتخلى عنه لاحقا.
على نحو كهذا، من الصعوبة بمكان، تاليا، توقع خروج الحوار ــــ وهو يقتصر على فريقين اثنين فقط يتحاوران في ملف شائك يُعنى به بالقدر نفسه افرقاء سواهما ـــ بموقف موحد من قانون الانتخاب في ظل الانقسام داخل اللجنة النيايية حيال اقتراحات شتى متداولة. يبعث هذا التباعد على الاعتقاد بعجز الحوار عن ان يكون اداة ضاغطة على اجتماعات ساحة النجمة.
ثالثها، دخول اللجنة النيابية على مدى جلساتها الثلاث الاخيرة في مناقشة مسألة غير قابلة للتوافق، هي الخصوصية: الدرزية والمسيحية والسنية. كل خصوصية تريد أخذ مخاوفها وهواجسها في الاعتبار، ولا يسع الطائفة التي تمثلها موافقتها على اي صيغة اقتراح تهدار الخصوصية تلك. الا ان ذلك يعني ايضا الأخذ في الحسبان ان اي قانون للانتخاب يقتضي ان يوآلف بين الخصوصيات تلك، المتناقضة احداها مع الاخرى كونها تتركز على مصالح الطائفة اولا، ومن خلالها التيار السياسي الرئيسي الذي يمثلها.
لا يفضي تبرير الخصوصية الا الى مزيد من العراقيل في طريق التوصل الى قواسم مشتركة على قانون انتخاب واحد. ذلك ما عناه اقتراح اللقاء الارثوذكسي الذي يراعي الخصوصية المسيحية، واقتراح القانون المختلط (60 / 68) الذي يراعي خصوصيات افرقائه الثلاثة على حساب خصومهم. في هذين الاقتراحين المتنافرين ملامح خصوصيتين مسيحيتين متعارضتين، لا موقف مسيحيا جامعا على احداهما.
الا ان ما خبرته قوانين الانتخاب، ومن ثمّ نتائج الانتخابات المنبثقة منها، على مرّ دورات 1992 ـ 2005 في ظل الدور السوري وبعد جلائه، ان لا خصوصية لا تتغذى من اخرى وتفتئت عليها.