البحرين تحت الانتداب من جديد
ان تعود بريطانيا العجوز بوجهها الاستعماري القبيح الى البحرين وذلك بعد اكثر من اربعة عقود لمغادرتها لامر في غاية الغرابة والصدمة وربما هذه اول مرة في تاريخ الشعوب ان يعود الاستعمار من جديد الى بلد قد غادره سابقا ومن بوابة حكومتها لانه من غير المعقول والمنطقي وقد لا نجد له مثيلا في عالم الانسانية ان يحبذ المرء العيش تحت لواء الذل والهوان ويسلم زمام اموره بيد غيره، لكن هذا ما حدث في البحرين حيث وقع نظام آل خليفة يوم الجمعة اتفاقية لتعزيز الوجود العسكري البحري البريطاني في البحرين لكنه في الواقع هو للحماية على نظام آل خليفة.
وعادة ما تضحي الشعوب بما تملك للحصول على حريتها واستقلالها لكن هذه العائلة التي جيء بها من خارج البحرين لتعمل عكس تطلعات هذا الشعب في جلب الاستعمار ووضع البلد تحت الانتداب من جديد لاجل البقاء لفترة اطول في الحكم لكنها واهمة جدا واخطأت الحسابات فالذي فعلته هو بالتاكيد يقرب من سقوطها ويعريها امام الملأ ويحفز الشعب البحريني على التحرك من اجل مقارعة الاحتلال خاصة وانه اليوم يرزح تحت ثلاثة احتلالات بغيضة ومدمرة. فالاحتلال الاميركي باسطوله الخامس والاحتلال السعودي تحت يافطة "درع الجزيرة" واليوم جاء الاحتلال البريطاني الرسمي ليكمل المشهد الدرامي البحريني. وهذه علامة فارقة ان النظام الخليفي قد فقد شرعيته وقاعدته الداخلية وعجز عن ترتيب بيته الداخلي وهو مستمر في سياسته القمعية والاقصائية لابناء البحرين ولم يبق له شيء في الداخل يقوي به ركائزه الداخلية لذلك اضطر للتعويض عن ذلك بالاستقواء بالخارج وهذه هي طبيعة الحكومات الديكتاتورية والاستبدادية في العالم.
من البديهي ان الحكام الطغاة لا يقرأون التاريخ ولا يتعظون بعبره ودورسه ويفرطون في حساباتهم على القوة واستخدام اليد الحديدية لضرب الشعوب من اجل البقاء متناسين القدر كما يقول الشاعر التونسي:
اذا الشعب يوما اراد الحياة
فلابد ان يتسجيب القدر
لا يا آل خليفة! الى اين ذاهبون يبدو ان آخر ما في جعبتكم لمواجهة ثورة الشعب البحريني واخمادها هو تحشيد اساطيل العالم في مياه الخليج الفارسي، متناسين ان هذا العمل هو انتحار مبكر حيث سيلهب المنطقة ويزيد من توتراتها ومآزقها ويفتح الباب امام مزيد من التدخلات الاجنبية وهذا مايضاعف من حساسية دول وشعوب المنطقة من هذه التدخلات السافرة التي ستجلب بالتاكيد الويلات والعواقب الوخيمة للدول المتدخلة لانها لا تستطيع ان تكون في مأمن من ردة فعل الشعوب الغاضبة التي لها صولات وجولات مع القوات الاستعمارية والغازية في المنطقة.
ومن الافضل للطرفين الغازي والمغزو اللذين هما في غنى عن العواقب الخطيرة والتداعيات الكبيرة لهذا التدخل الاستعماري ان يعودا لاستفتاء شعبيهما ازاء مثل هذه التدخلات التي لا تخدم ايا من الطرفين ليكونا لهما فصل الخطاب في هذه القضية الحيوية والمصيرية.