“إسرائيل” ومصائر حزب العمل
علي بدوان
منذ عقدين من الزمن، مازالت الأزمات الداخلية تضرب دواخل حزب العمل "الإسرائيلي”، الحزب الصهيوني (المؤرب)، والمؤسس للدولة الصهيونية على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
الأزمات التي ضربت ومازالت تضرب هذا الحزب التاريخي في حياة "إسرائيل”، والمحسوب على مجموعة أحزاب "اليسار الصهيوني”، دفعت حتى المحسوبين على تيار "يسار الوسط” في الحزب، مثل إبراهام بورغ وكذلك شلومو بن عامي وغيرهما للإنسحاب من الحزب منذ عدة سنوات وتشكيل كتلة سياسية مشتركة، وكل ذلك في سياق التحولات والإنشقاقات والتصدعات المتتالية التي وقعت داخل حزب العمل خلال العقدين الأخيرين من الزمن، وهي الإنشقاقات والتصدعات التي أضعفت الحزب وقذفت به إلى الخلف بعد أن كان الحزب المؤسس للدولة الصهيونية، والقائد الرئي”سي للحروب التي شنتها "إسرائيل” على الدول العربية خصوصاً حرب العام 1967 بقيادة ليفي اشكول رئيس الوزراء وزعيم الحزب آنذاك.
إن حزب العمل، هو الحزب المؤسس للدولة الصهيونية على أرض فلسطين التاريخية، والقائد الرئيسي للحروب التي شنتها "إسرائيل” على الدول العربية منذ العام 1948 والعام 1956، وخصوصاً حرب العام 1967 بقيادة ليفي اشكول رئيس الوزراء وزعيم الحزب آنذاك. فحزب العمل "الإسرائيلي” تأسس في ثلاثينات القرن الماضي تحت إسم حزب (الماباي: الأحرف الأولى لعبارة (حزب عمال أرض إسرائيل) وكان القوة المسيطرة في السياسة "الإسرائيلية” وتحالف مع مجموعة قوى (الماباي، المابام، أحدوت هعفوداه، رافي) في إطار تجمع أطلق عليه مسمى (المعراخ : معناها التجمع بالعربية) أواسط ستينات القرن العشرين. وقد كان الحزب هو الحزب المالك للأغلبية البرلمانية وبالتالي رئاسة الحكومة في "إسرائيل” بين الأعوام (1948 ـــ 1977) وبين الأعوام (1992 ــــ 1996) وبين الأعوام (1999 ــــ 2001)، كما كان جزءاً من حكومة إئتلافية مع حزب الليكود بين العامين (1984 ــــ1990).
ففي حقيقة الأمر إن حزب العمل "الإسرائيلي” بات منذ وقت طويل يضم المتناقضين في المواقف السياسية، وقد تحوّل إلى ثلاث مجموعات في العقد الأخير : مجموعة انشقت وصنعت حزب كاديما (الى الأمام). ومجموعة ثانية تقاعدت من الحزب وتبعثرت بين الأحزاب المحسوبة على "اليسار الصهيوني”. والثالثة بقيت تُشكّل حزب العمل.
إن أزمات حزب العمل بدأت تَطُلُ بنفسها منذ نحو عقدين من الزمن، مع وفاة غالبية قياداته من تيار المؤسسين الذين أسسوا الدولة الصهيونية واقتصادها وجيشها وخاضوا حروبها التوسعية ضد الشعب الفلسطيني والبلدان العربية ومنهم الجنرال إسحاق رابين وإسحاق شامير ومن قبلهما ديفيد بن جوريون وليفي إشكول وجولدا مايير والجنرال موشيه دايان… إلخ. ووقوع الانشقاقات والتصدعات المتتالية داخل صفوفه خلال العقد الأخير من الزمن، وهي الانشقاقات والتصدعات التي أضعفت الحزب وقذفت به إلى الخلف وقد تحوّل إلى ثلاث مجموعات كما أسلفنا.
إن الانشقاقات والتصدعات التي هزت وضربت حزب العمل من جذوره لم تأت من فراغ، بل جاءت في سياقات واضحة تماماً، وفي مؤشر هام يدل على أن المجتمع "الإسرائيلي” حتى في أوج انزياحاته اليمينية والمتطرفه، مُنقسم على ذاته في عدد من الأمور، ليس إلى اتجاهين اثنين فحسب، وإنما إلى اتجاهات عدّة. فحالة الإصطفافات الحزبية في "إسرائيل”، تقول بأن الدولة الصهيونية وحكومة نتنياهو بقيادة الثنائي (حزب الليكود – وحزب إسرائيل بيتنا) باتت تتموضع أكثر فأكثر في حضن اليمين واليمين المتطرف، حيث وجود عدد وافر من المتشددين المؤيدين للمستوطنين وسياسات الإستيطان في الضفة الغربية والقدس في التشكيلة الوزارية الجديدة التي تضم (23) وزيراً.
لقد تراجع حضور حزب العمل في "المجتمع الإسرائيلي” خلال العقدين الأخيرين بعد فشله في تقديم العديد من الأجوبة على التساؤلات التي باتت منذ عقدين من الزمن تطرق بقوة أبواب المجتمع "الإسرائيلي”، وهي تساؤلات نتجت بشكل رئيسي بعد التحولات الكبرى التي صنعها الكفاح الوطني الفلسطيني، وانتقال القضية الفلسطينية والمطالب العادلة للشعب الفلسطيني من طور النسيان والإهمال إلى طور الحضور على طاولة وأجندة المجتمع الدولي.
لقد أعلن في أوقات سابقة، العديد من القادة التاريخيين في حزب العمل عن انسحابهما من الحياة السياسية "الإسرائيلية” في عملية بعيدة عن الإقصاء أو الانشقاق، وكانوا قد لعبوا دوراً مهماً في صياغة وتشريع العديد من القوانين ذات المحتوى الإجتماعي في "إسرائيل”، وقد اعتزلوا الحياة السياسة بسبب ما أسماه بعضهم "خيبة الأمل” من المستقبل السياسي المكفهر لـ "إسرائيل”،بعد الأزمات الفكرية والسياسية القاسية التي باتت سمة من سمات الحزب المؤسس للدولة، وهي أزمات حولته من حزب معارضة علمانية قوية نسبياً إلى حزب ذيلي نتيجة عجزه في تقديم الإجابات على المسائل المطروحة في الساحة السياسية "الإسرائيلية” الغارقة في تجنحها اليميني واليميني المتطرف.
إن كل تلك العوامل المجتمعة دَفَعَت نحو تراجع حضور حزب العمل في الشارع وبالتالي في الإنتخابات التشريعية العامة (إنتخابات الكنيست) مقابل صعود قوى اليمين الصهيوني بشقيه القومي العقائدي والتوراتي. وقد جاءت نتائج الإنتخابات التشريعية الأخيرة للكنيست التاسعة عشرة، والتي جرت في "إسرائيل” في الشهر الأول من العام 2013 لتعطي حزب العمل حظوظاً عادية جداً مع حصول الحزب على كتلة محدودة (15 مقعداً) من أصل (120) مقعداً من المقاعدة الكلية للكنيست، أما أحزاب (يمين الوسط + يسار الوسط + اليسار العمالي الصهيوني) فقد حصدت (28) مقعداً كانت كما يلي (ستة مقاعد لحزب الحركة برئاسة تسيبي ليفني، مقعدان لحزب كاديما + 19 مقعداً لحزب يوجد مستقبل برئاسة مائير لبيد).
وفي هذا السياق، إن الصراعات الحزبية في "إسرائيل” المختفية وراء العديد من الأزمات والتحولات التي فرضت نفسها على أرض الواقع، زاد منسوبها بشكل تدريجي مع تصاعد الكفاح الوطني الفلسطيني من جهة، ومع تعمق الأزمات التي واجهت ومازالت توجه الكيان الصهيوني من جهة ثانية مع تدني مستويات الهجرة الإستيطانية الاجلائية إلى التحولات الديمغرافية داخل المناطق المحتلة عام 1948، إلى بروز ظاهرة الإندماج والتماثل في التجمعات اليهودية في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
وعلى المقلب الآخر من الحياة السياسية "الإسرائيلية” الداخلية، إن الثنائي في الحكومة الحالية (نتنياهو ـ ليبرمان) وفي تحالفهما مع حزب يائير لبيد (يوجد مستقبل)، يصرّان على برنامجهما ورؤيتهما السياسية، فقد بقيت خيارات (نتنياهو - ليبرمان) السياسية كما هي دون رتوش، لينتقل نتنياهو مرة ثانية بحزب الليكود إلى (موديل 2013) على النسق ذاته، بعد أن كان قد انتقل بحزب الليكود من موديل 2006 الذي حاول فيه نتنياهو في حينها تهذيب خطاب حزبه السياسي إلى الليكود موديل 2009 في عودة إلى الأصول كحزب يميني/متطرف/ديني/حريدي وإشكنازي، ليصل الآن إلى موديل العام 2013 بحزب الليكود بالمضمون السياسي ذاته لكن بالتحالف مع قوة ليبرالية هي قوة حزب (يوجد مستقبل).