هل تنجح مساعي السلام السودانية في ليبيا؟
روعة قاسم
ما زالت الأزمة في ليبيا تراوح مكانها بعد تأخر الحسم بين الجيش الليبي مدعوما من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في إطار ما سمي "عملية الكرامة"، وبين قوات فجر ليبيا التي تضم ميليشيات إخوانية وتكفيرية. والحسم يعني الإسراع بمعركة طرابلس لتخليص العاصمة ومؤسسات الدولة الرسمية من جماعة المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته وتسليمها للبرلمان الليبي المنتخب وحكومة الثني المنبثقة عنه والمرابطيْن بمدينة طبرق.
ويرى جل الخبراء والمحللين أن تأخر حفتر وجماعته في الهجوم على طرابلس مرده إلى تردد الولايات المتحدة والأوروبيين وحتى الجزائر في دعمه. فالولايات المتحدة لم تحسم موقفها بعد بشأن كيفية التدخل في ليبيا وما زالت تحتفظ بعلاقات متينة مع معارضي حفتر، والأوروبيون يحبذون تقديم المساعدة اللوجيستية على غرار تدريب قوى الجيش وعناصر الأمن والإستخبارات دون التورط مباشرة في الصراع بين فرقاء الأزمة الليبية.
الدور السوداني
كما يرى بعض المحللين أن تأخر الهجوم على طرابلس يعود إلى رغبة عبد الله الثني رئيس الحكومة الشرعية في طبرق، في التفاوض مع الطرف المقابل والإستجابة لجهود الوساطة السودانية التي دخلت على الخط في الوقت الذي كان الجميع يتطلع فيه إلى المساعي الأممية لحل الأزمة. فالثني تراجع عن شروطه للتفاوض، التي اتفق جل المراقبين على أنها تعجيزية والتي أبلغها في وقت سابق للمبعوث الأممي برنار دينو ليون وذلك في خطوة فاجأت الجميع.
وتتمثل هذه الشروط في اعتراف الطرف المقابل بشرعية البرلمان المنتخب الجديد ومحاربة الإرهاب، واحترام مبدأ التداول السلمي على السلطة وسحب المجموعات المسلحة من الشوارع وبسط نفوذ الدولة عليها. وقد رأى البعض في هذه الشروط تعجيزا للطرف المقابل وغلقا لباب الحوار قبل انطلاقه، وأيضا عرقلة لجهود الوساطة الدولية بإملاءات من الجماعات المسلحة الداعمة للثني والراغبة في الحسم العسكري.
ضغوط خارجية
وقد فسر البعض هذا اللين من قبل الثني برغبة الأخير في المحافظة على تواجده في الساحة السياسية من خلال الظهور بمظهر رجل السلام الراغب في الحوار والباحث عن التهدئة. لكن البعض الآخر يرى بالمقابل بأن الثني لا يملك قراره بيده ويتحرك بمقتضى تعليمات، وأن ما صرح به هو ترجمة لهذه التعليمات التي قد يكون مصدرها داخليا أو خارجيا.
ذلك أن أكثر من جهة خارجية ترغب في التهدئة لتجنب الحرب الأهلية والإقتتال بين الفرقاء وخاصة أن بوادر الإنشقاق داخل قوات فجر ليبيا بدأت تلوح وقد يتم الحسم دون إراقة المزيد من الدماء. ففي المنطقة الجنوبية الغربية، على سبيل المثال، أعلنت مجموعات مسلحة انشقاقها عن قوات فجر ليبيا والتحقت بالجيش النظامي وبقوات خليفة حفتر، ويتوقع أن تتواصل هذه الموجة من الإنشقاقات خلال الفترة القادمة.
علاقات جيدة
ويبدو السودان المؤهل أكثر من غيره للعب دور الوساطة في ليبيا من بين دول جوارها نظرا لعلاقاته الجيدة مع فريقي الصراع. ففي تونس يصطف رئيس الجمهورية ومعه حركة النهضة مع جماعة طرابلس، في حين يتخندق المصريون والجزائريون ضمنيا مع خليفة حفتر، حتى إن اتهامات طالت مصر تتعلق بمساهمة القاهرة في وقت سابق في عملية قصف جوي في عمق الأراضي الليبية، وهو ما نفته القاهرة في أكثر من مناسبة.
ولعل ما يميز السودان أيضا عن دول جوار ليبيا هو انتماء قادته إلى التيار الإخواني واحتفاظهم في الوقت ذاته بعلاقات وطيدة مع النظام الليبي السابق. ويرى البعض بأن السودان غير مؤهل للوساطة لحل الخلافات، فهو بلد غارق في المشاكل إلى حد النخاع ومهدد بالإنقسام إلى أربع دول إذا انفصلت دارفور والأقاليم الشرقية لتسير على خطى الجنوب. فهل ينجح السودان فيما فشل فيه جيران ليبيا الآخرون؟