kayhan.ir

رمز الخبر: 11256
تأريخ النشر : 2014December03 - 19:58

ضربات ملتبسة” على سوريا

خليل حرب

باريس، المباعة الى قطر، لا تكف عن احتيالها في ما يتعلق بالشأن السوري. لكن البعض قد يسجل لها المثابرة الدؤوبة في ما بين "الاليزيه” والـ”كي دورسيه”، منذ ما قبل رئاسة الاشتراكي الشكل فرانسوا هولاند في ايار 2012، وخروج اليميني الديغولي نيكولا ساركوزي.

لم تجر باريس تعديلا يذكر على سياستها السورية، ونادرا ما ظهر تباين ولو شكلي في مواقف الرئاسة ووزارة الخارجية امام التعامل مع المعضلة المتمثلة بقدرة دمشق على البقاء. يستوي في ذلك كل من آلان جوبيه ولوران فابيوس. وقد اضافت باريس الان الى مناوراتها الكلامية، تعبيرا جديدا في ما يتعلق بالحرب السورية: "الضربات الملتبسة”.

من فرنسا الساركوزية التي وقفت بقوة خلف الخديعة الديبلوماسية الشهيرة في مجلس الامن الدولي وصدور القرار رقم 1973 بفرض حظر جوي فوق ليبيا تحت مسمى حماية المدنيين، لتستخدم لاحقا من اجل اسقاط النظام الليبي، الى فرنسا الاشتراكية التي تتنقل الآن من طرح الى آخر بهدف إضعاف دمشق واستغلال ما يتاح من التواء وحبائل سياسية من اجل تحقيق ذلك.

لم تتعظ باريس برغم الخيبات المتتالية والتي كان ابرزها فضيحة ايلول 2013 عندما رفض البرلمان الفرنسي اقتراح المشاركة في الهجوم العسكري على سوريا الذي اندفع اليه فرانسوا هولاند، في مزايدة سياسية هوجاء على الادارة الاميركية والحلفاء الغربيين، بعد "الهجوم الكيميائي” في الغوطة.

من الدعوة الدائمة لضرب دمشق، الى اتهام النظام السوري في نيسان 2012 بالسعي الى "محو حمص عن الخريطة”، الى التناغم مع النوايا التركية والقطرية المحمومة لانشاء ما يسمى "الممرات الانسانية” بغرض اقامة مناطق حظر جوي، وصولا الان الى طرح فكرة "الضربات الملتبسة”، يريد وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس الاستفادة من الزخم السياسي والاعلامي اقليميا ودوليا، ضد "داعش”، وحرف الحرب الجوية المعلنة عليها ـــ برغم الملاحظات الكثيرة المريبة حولها ـــ لتستهدف اضعاف الجيش السوري ومناطق سيطرته.

يقول فابيوس في حديث اذاعي قبل ايام "نقول إن لدينا خصمين، داعش بالتأكيد والقاعدة، والسيد بشار الأسد الذي يمكنني القول إنه يغتنم الوضع لتحريك قواته...نقول إنه ينبغي أن تكون هناك ضربات نطلق عليها بالمصطلح العسكري اسم ضربات ملتبسة، والتي تسمح بدفع بشار الأسد الى التراجع، وان يكون هناك في شمال سوريا مناطق آمنة ليعيش فيها الشعب السوري بسلام”.

يثير مصطلح "الضربات الملتبسة” اسئلة كثيرة، ويضع الرغبة الفرنسية هذه في تعارض واضح ـــ على الاقل حتى الان ـــ مع الهدف الاميركي المعلن كما عبر عنه رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي عندما قال قبل اسبوع، "مهمتي هي هزم داعش، وليس بناء دول أو إطاحة النظام السوري”.

وكما بدا واضحا حتى الان، فان الطلعات الجوية الاميركية والسورية تداخلت مرات عدة وتزامنت في محطات عدة في تنفيذ الهجمات سواء في ارياف حلب او دير الزور والرقة والحسكة. الا ان الرغبة الفرنسية االمتلاقية مع طموحات الاتراك والقطريين، واستطرادا الاسرائيليين، تراهن على ما هو خلاف ذلك: ان ينفذ الطيران الحربي للتحالف، ضربات على مواقع تطال مباشرة مصالح الجيش السوري ومواقعه ومناطق انتشاره وسيطرته.

بمعنى آخر، تريد فرنسا الاشتراكية حربا معلنة ـــ اوغير معلنة لا فرق - على دمشق، والمجازفة بكل ما يعنيه ذلك من خفة، بانهيار التفاهمات الاقليمية والدولية الدقيقة التي اتاحت صعود المقاتلات الاميركية بأمان الى السماء السورية لضرب "داعش” و”جبهة النصرة” وغيرهما.

وبينما قال تشاك هايغل كلمته المحرجة لادارته، قبل ايام من اجبار باراك اوباما له على التنحي من وزارة الدفاع، بان طيران التحالف يخدم بشكل او بآخر النظام السوري، فان ملامح الاستراتيجية الاميركية المبتغاة من الحرب الجوية، يطبقها كما يبدو حتى الان رئيس الاركان مارتن ديمبسي، لا أضغاث احلام فرانسوا هولاند ولا لوران فابيوس، المشاركة بلادهما بست طائرات فقط.

اما حلب التي غزاها مسلحو الخراب منذ عامين، ولم تحرك فرنسا اليمينية ولا الاشتراكية ساكنا، فان شعار حمايتها الان من "داعش والاسد”، لا يبدو أكثر من هذيان تركي ـــ فرنسي امام تقدم الطوق السوري حول المدينة... لتحريرها.

في مقصّ التحالف

د. رغداء مارديني "

إلى أين تتجه بوصلة "التحالف” الآن؟ وهل للتسوية الخليجية ـ الخليجية دور في تنفيذ الهدف الذي تركزت عينا التحالف عليه، بالذريعة نفسها: محاربة "داعش” والقضاء عليه؟

عين التحالف المزعوم الآن على ليبيا التي دمرتها فوضى "الديمقراطية الغربية”، ولكن الهدف الأهمّ هو الجزائر التي كان من المفترض, في المخطط "الاستراتيجي” التقسيمي الأميركي, أن تكون بعد سورية، لكن سورية التي أوقفت الزحف "الديمقراطي” أخّرت المخطط بما أبدته, ومازالت, من صمود أسطوري أبطاله ثالوثها: الشعب, والجيش, والقائد.

وإلا، ما معنى أن تتجه أنظار التحالف إلى شمال إفريقيا وفق خطة أميركا التي تكشف رؤيتها في الانتشار... أما كيف؟ فهو سؤال سيجيب عنه طلب أميركا وفرنسا من الجزائر، تقديم تسهيلات عسكرية للتحالف الدولي ضد "داعش” بغية القضاء عليه في ليبيا.. ولا يتعلق الأمر بالجزائر فقط، فما هو مطلوب منها مطلوب من تونس ومصر المجاورتين لليبيا، وذلك بغية فتح الأجواء أمام غارات التحالف الذي سيدخل مشروعه مرحلةً جديدةً، من مراحل السيطرة وذلك "بوضع اليد، والقواعد”وفق السيناريو الديمقراطي نفسه أيضاً, وبالذريعة نفسها أيضاً, وهي القضاء على "داعش” الذي صنعه الغرب نفسه ودرّبه، وأطلق مرتزقته إلى المنطقة، وليس أدلّ على ذلك مما كشفته وثائقهم التي ذكرنا بعضها سابقاً من أن "داعش” في المغرب العربي ما هو إلا صنيعة "إسرائيل” والسعودية.. فكيف سيتمّ القضاء عليه بالسيناريو نفسه الموظّف, دولياً وغربياً!!.

وفي البعد نفسه, وإذا ما أخذنا في الحسبان ما طلبته فرنسا من مالي أيضاً بحجة القضاء على "داعش”، نرى أن الجزائر ستقع بين فكّي كماشة التحالف وادّعائه القضاء على "داعش” في ليبيا.. انطلاقاً من الهدف غير المعلن، تحت مظلة القضاء على الإرهاب.. ولاسيما في ضوء ما تتضمنه خطة الانتشار الأميركية في شمال إفريقيا، من حيث التدخل في عدة مناطق في بعض دول المنطقة المهدّدة بالفوضى، بذريعة إجلاء الرعايا الغربيين، والسيطرة على بعض المناطق الحيوية التي يمكنها تهديد سلامة التجارة البحرية الدولية عبر البحر الأبيض المتوسط، حسبما تقول التقارير.

إذاً، انتقال المشروع إلى السيطرة على السواحل البحرية، يدخل عمقاً جديداً في مشروع أميركا "الاستراتيجي” وحلفائها، ويؤكد بلغته الحالية، تحت زعم القضاء على "داعش” في شمال إفريقيا، والانتشار فيه حيطةً وحذراً، أن المخطط يسير على نحو أسرع مما هو متوقع، وقد بدئ في تنفيذ أجندته التي لم يخفها التحليل السياسي منذ عام 2011، إذ كانت بريطانيا وفرنسا تعدّان لاتفاق مشترك قبل أشهر من اندلاع الأحداث الليبية، في حين كانت أجهزة الاستخبارات الأجنبية وقوات من دول "ناتو” والخليج الفارسي في داخل الأراضي الليبية، يقومون بالدور نفسه, والهدف من زعزعة الاستقرار في دول شمال إفريقيا، هو تحقيق المطامع الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط, مشرقها ومغربها، وهم يرون أن هذا السيناريو لابد منه لتحقيق هذه الأطماع، بوجود حمائم وصقور وعصافير، لا يهمّ، المهم هو تنفيذ الهدف الذي هو السيطرة على ثروات المنطقة وعلى منابع النفط فيها خاصة.

صحيحٌ أن مشروع أميركا وحلفائها وأدواتها أخّره الصمود السوري، ولكن.. استعجال الخطوات التالية جعل التحالف، وبالبدعة نفسها: محاربة "داعش” يتجه نحو شمال إفريقيا الذي ستحاصر فيه الجزائر، من خلال القواعد العسكرية المتوقعة التي ستقام على أراضيها بحجة محاربة "داعش”، ومن خلال مالي المستعمرة الفرنسية والمنصة المقابلة المطلّة عليها.. وها هي الصحف الفرنسية قد بدأت تضع الرئيس الجزائري وعدم الرضا عنه على صفحاتها المأجورة، بغية الترويج لما قد يحدث مستقبلاً، وتهيئة الرأي العام الغربي بالقول: لماذا الجزائر الآن؟.

الجزائر التي تملك ثروات خلاقة، لن تتركها الأطماع الاستعمارية الغربية أبداً، ولاسيما أنها جسدت النَفَس العروبي القومي بمواقفها من سورية، إذ كانت من أولى الدول التي وعت ما يجري على الأراضي السورية من مخططات ستطول دول المنطقة بأكملها، وعلى رأسها سورية.

والجزائر مدعوّة الآن إلى الحيطة والحذر، وإلى عدم الركون للنيّات المبيّتة، تحت مظلة محاربة "داعش” في ليبيا، وذلك باستخدام الأراضي والأجواء المجاورة، لأن الإرهاب الممتد الذي صنّعه الغرب، يسارع الآن ليس للقضاء عليه، وإنما لوضع قدمه على فمه، يرفعها عنه متى يشاء، ويطبقها عليه متى يشاء، خدمةً لمشروعه الاستعمار القذر المرسوم للمنطقة التي عليها أن تتجنّب مقصّ التحالف وكذبته في محاربة "داعش” والعراب المغرب بطاقمه اليهودي..!! وللجميع لهم في سورية قدوةً.