ماوراء المفاوضات
حسين شريعتمداري
1- كان لامامنا الراحل "اعلى الله من مقامه" اعجاب واحترام خاص للشهيد مدرس ولطالما اعتمد على مقاطع مصيرية من مواقف الشهيد الكبير والذي تصادف هذه الايام ذكراه السنوية ومن هذه الاحداث التي اشار اليها ان لفيفا من القرويين اختصموا لدى الشهيد المدرس شاكين له ظلم الاقطاعي الذي يتحكم بمنطقتهم اذ بلغ به الامر ان ارسل مجموعة من جلاوزته لينهالوا على الاهالي ضربا وقذفا مطالبين من الشهيد الذي كان حينها احد نواب مجلس الشورى ومجتهدا معروفا ان ينظم شكوى ضد هذا الاقطاعي واعوانه. فاجابهم الشهيد مدرس حينما شاهدتم استبداد هذا الاقطاعي لم وقفتم مكتوفي الايدي وانتظرتم حتى يعتدوا عليكم جلاوزته كي تعتمدوا الان على تنظيم شكوى وكان عليكم ان تردوا الصاع صاعين وتهاجموهم كي يقوموا هم بتقديم شكوى ضدكم.
2- خلال الحرب المفروضة ارسلت اميركا بوارجها لمواجهة ايران الاسلامية، ودعم جيش صدام، الى بحر عمان والخليج الفارسي، حينها صرح سماحة الامام (ره) في جمع مسؤولي الحكومة الذين قدموا للاستئناس برأي الامام، قائلا: ان كان الامر كما اعتقده، فسافجر اول مدمرة اميركية تصل الخليج الفارسي بالصواريخ. هذا الاقتراح من سماحة الامام (ره) لم ير النور، حتى بلغ الامر ان لا مفر سوى مواجهة المدمرات الاميركية بالصواريخ...
الا ان هذه المواجهة لو عمل بها منذ البدء كما اقترح الامام، لكانت النتائج مؤثرة بشكل اكبر.
3 ــ المرحوم احسان طبري كان يقول: ان ريح قوة عظمى كالاتحاد السوفياتي سكنت حين تراجع خروشوف امام تهديدات جون كندي في حرب خليج الخنازير بكوبا، مما شجع اميركا للتقدم خطوة بعد اخرى. واستطرد طبري قائلا: الا ان سماحة الامام (ره) اجبر المبعوث الخاص لكارتر (رمزي كلارك)، وذلك بعد ان تمت السيطرة على السفارة الاميركية بطهران، وكانت قوة ايران العسكرية والاقتصادية لا تقارن باميركا، اجبر رمزي كلارك الذي ارسل للتفاوض مع ايران، لان يقفل راجعا وهو في سماء تركيا، ومنذ ذلك الوقت صودرت ادعاءات الاتحاد السوفياتي بمعاداتها للامبريالية وتحولت ايران الى دولة مناهضة للامبريالية بشكل حقيقي.
4 ـ عام 1975 حين دعي ياسر عرفات لالقاء كلمة في الجمعية العمومية الاممية، وهو يحمل بيده غصن زيتون كرمز للسلام! وفي اليد الاخرى يحمل بندقية كرمز للمقاومة، اعلى من وراء المنصة انه لاجل اخذ حق الشعب الفلسطيني لابد من تلفيق المقاومة المسلحة بالسلام ــ وبعبارة ثانية الاستسلام ــ. في تلك الايام قال سيناتور اميركي؛ حين شاهدت غصن الزيتون في يد ابي عمار، انتبهت ان بندقيته كذلك خالية من الرصاص! اذ ان فلسطين كانت محتلة من قبل الصهاينة، وان غضن الزيتون لم يعبر سوى عن استعداد ياسر عرفات لتقديم جزء آخر من ارض فلسطين للاحتلال.
5 ــ قبل عدة سنوات، حين غادر سفراء الدول الاوروبية، اثر الادعاءات التي لااساس لها لمحكمة ميكونوس، غادروها معترضين، فوجهت باهمال من قائد الثورة، اذ اعتبر حضورهم من عدمه لا اهمية له.فما كان من الدول الاوروبية الا ان اعلنت بعد اشهر، من مواقف سماحة السيد المقتدرة، اعلنوا ان سفراءهم عازمين العودة لطهران، فاكد سماحة القائد، وضمن موافقته عودة السفراء الاوروبيين، ان سفير المانيا لا يحق له العودة وينبغي ان يكون آخر سفير يسمح له بالعودة.
6 ـ في ابريل من العام الماضي، وحين كان نتنياهو يردد عبارات مهاجمة ايران عسكريا، صرح قائد الثورة قائلا: اذا صدرت اية حماقة منهم ــ أي الصهاينة ــ فسنسوي تل ايب وحيفا بالتراب. كما كان سماحته قد صرح قبل ذلك بعامين؛ "لقد تدخلنا في مجالات مناهضة اسرائيل، وكانت نتيجتها انتصارات حرب 33 يوما وحرب الــ 22 يوما، ومن بعدها نقف خلف أي شعب او مجموعة تحارب الكيان الصهيوني، وسندعمها غير مبالين بما سيترتب على ما نقوله.
7 ــ في السياسة الخارجية هنالك قضية متفق عليها، ولاقت التمحيص مرارا، بان حصة أي دولة تعطى، على المستوى الدولي، حسب اقتدارها، وان طاولة التباحث قبل ان تكون نقطة تلاقح الحوارات والرؤى هي محل تلاقي القوى والاوراق الرابحة للوفود المفاوضة، والتي تضعها كعلائم على الطاولة تعبر عن هيبة واقتدار دولها. وبالضبط لهذا السبب وجهت الانظار في الجدال النووي الذي قارب الــ 13 عاما، قبل ان تتوجه للاستدلال والوثائق التي قدمتها ايران، وجهت الانظار الى الاقتدار المعروض خارج غرفة المفاوضات، والتي تدعم الفريق المفاوض. من هنا نقولها بضرس قاطع، انه حول طاولة التفاوض النووي لبلدنا مع مجموعة 5+1 ــ وقبلها الترويكا الاوروبية ــ ظلال لتفاوض، فما النتيجة النهائية تعبر جو المفاوضات لتستقر في ساحة الوقائع على الارض، أي هنالك حيث الجانبين قد رصوا صفوفهما. واذا قبلنا بهذا الوصف لحقيقة المفاوضات النووية، سنصل باللزوم الى نتيجة مفادها، ان ادعاء اميركا وحلفاؤها بالقلق من احتمال انتاج ايران للسلاح النووي، لاقيمة ولا اهمية له، سوى كذريعة، وان القلق الحقيقي للخصم يكمن في الاقتدار المتصاعد لايران الاسلامية في المنطقة. ولذا فمن السذاجة بمكان ان نتوقع تخلي اميركا وحلفاؤها الاوروبيون، مع كل لا ادلة الفنية والحقوقية والوثائق النابعة من جولات التفتيش للوكالة بسلمية نشاطات ايران النووية، من السذاجة ان نتوقع تخليهم عن ادوات الضغط، وها نحن نشهد كما شهدنا من قبل عدم تخليهم.
8 ــ الا ان الانفراجة ينبغي ان نطلبها في موقع آخر او مواقع اخرى؛
الف: ضمن استمرار المفاوضات، وهو ما سنشير لاهميتها، ينبغي ان لا نتفاءل من نتائج المستوحاة من هذه المفاوضات. هذه الرؤية ستحول دون التغافل عن سلوك طرق اخرى او نقلل من اهميتها، بامل الخروج بنتائج طيبة من المفاوضات. فالشواهد الموجودة تعكس اصرار العدو على تحويل المفاوضات الى حرب انهيارية، وباعمال نهج منحرف، تعليق مسؤولي البلاد من خوض سيل اخرى، وهو ما فشلوا فيه.
باء: ولما كان الجدال الاساسي يدور في مجال الاقتدار، وليس خلف طاولة التفاوض، لابد ان نثق بالمكانة السامقة للاقتدار. فايران اليوم لها اليد العليا في المنطقة ــ ودوليا في موارد ــ، وان المعادلات الاقليمية تفتقر لارادة ايران لتجد سبيل الحل، وما التحولات في فلسطين، ولبنان والعراق وافغانستان وسورية واليمن والبحرين و... الا انماذج منها.
جيم: ان الخصم ولاجل ان يدفع بايران لتقديم امتيازات، اقدم على حرب نفسية عن طريق وسائل الاعلام الخارجية وعديد من المرتبطين داخليا، اذ يصف عدم التوصل الى اتفاق بالكارثة الاقتصادية! فما نشهده هذه الايام من صعود لقيمة الدولار والذي حسب محافظ البنك المركزي ووزير الاقتصاد، حرب نفسية، ولاعلاقة له بنتائج المفاوضات ــ قد ربطوه بعدم الخروج باتفاق في المفاوضات، مصرحين ومشيرين الى ان ضرورة تقديم امتيازات للخصم هو المخرج!
ومن ا لمناسب هنا، بالنظر لتزامن ذكرى شهادة الشهيد مدرس ان نشير الى هذه الحادثة. ففي عام 1919، دفع اللورد كرزن وزير خارجية بريطانيا الحكومة الايرانية في حينها ــ وثوق الدولة ــ الى التوقيع على معاهدة استعمارية تحت عنوان "المعاهدة العسكرية السياسية بين ايران وبريطانيا"، ولما كان الوزير بصدد الضغط لان يصادق مجلس الشورى الوطني على المعاهدة، ووجه بمعارضة شديدة من قبل الشهيد مدرس. وتتضمن المعاهدة والتي تعرف بمعاهدة 1919، تحويل الحكومة البريطانية جميع الشؤون المالية والعسكرية الايرانية. وبعد معارضة مدرس وفشل المشروع البريطاني، حمل البعض حركة الشهيد مدرس نتائج انتشار الفقر وسوء الاوضاع واعتبروا موقفه بالضار للشعب الايراني! ومن ثم تبين ان اساس هذه التصورات والاشاعات هي الحكومة، فيما اقر اللورد كرزن انه لاجل المصادقة على المعاهدة قد قدم رشوة قدرها 400 الف تومان بواقع 200 الف تومان لوثوق الدولة رئيس الوزراء حينها، و100 الف تومان لنصرت الدولة وزير الخارجية، و100 الف تومان لصارم الدولة وزير المالية. الجدير ذكره انه حسب الوثيقة المرقمة والمفضوحة من وزارة الخارجية البريطانية طالب ا لمسؤولون الثلاثة بكتاب ضمان من الحكومة البريطانية، مضمونها بهذا التقريب؛ 1 ــ على الحكومة البريطانية ان تعطي للمسؤولين الثلاثة لجوءا سياسيا في بريطانيا، او في احدى مستعمرات بريطانيا في المنطقة . 2 ــ وان تقدم لكل منهم خلال فترة اللجوء والتي لربما بطول اعمارهم، مبلغا يوازي ممتلكاتهم التي خسروها... فيما كان (السير برسي كوكس) الوزير البريطانيا المفوض في ايران قد وافق على هذا الطلب.
9 ــ في المقال السابق تطرقنا الى ان فريقنا المفاوض قد خرج منتصرا من المفاوضات لصموده امام مطالب الخصم الابتزازية، وهو مايستحق كل الثناء والتقدير، وان المفاوضات ينبغي ان تستمر لسببين وجيهين. الاول؛ اثبات عدم الوثوق باميركا وحلفائها، الثاني؛ انعكاس احقية الوثائق الفنية والقانونية لايران الاسلامية والتي اكدت سلمية البرنامج الايراني. وبالطبع ينبغي ان لا نتابع كسب ثقة اميركا، اذ حسب كلمة لسماحة قائد الثورة "نحن غير مكترثين للوثوق باميركا"، وبديهي اننا وخصمنا في صراع وذلك لتضاد هويتنا، ولذا فان كسب ثقة اميركا يصح حين تتخلى عن ماهيتها الحقيقية!