عملية مخلب النسر الفاشلة: لم يتعلم الأميركيون كثيراً من صحراء طبس
* مراقب
تأمّل السيد علي خامنئي منظر الطائرات الأميركية المحترقة التي تناثر حطامها في الصحراء، ثم التفت إلى رفيقه الشيخ رفسنجاني، وقال له: «بعض الناس يستخفّون بمشيئة الله سبحانه وتعالى وقوّته. ويستهزئون إذا حدّثتهم عن معجزاته وقدرته. ويقولون إنّه لا سلطان إلّا للقوة المادية، وأمّا قوى الغيب فهي محض خرافة. ليتهم ينظرون في هذا الجبروت المحطّم؟! ويسألون أنفسهم سؤالاً: من هو الذي أسقط طائرات أميركا وأحرقها، وقهر جنودها وأذلّهم؟!». ابتسم وزير الدفاع الإيراني مصطفى شمران، وكان بجانب خامنئي يسمع حديثه، وقال: «سبحان الله! لم يتطلّب إسقاط الطائرات الأميركية صاروخاً واحداً، ولم يحتج جنودُ كارتر، لكي يموتوا، إلى أن يطلق عليهم الإيرانيون رصاصة!». أجابه خامنئي قائلاً: «فلم تقتُلوهم ولكنّ اللهَ قتلَهم، وما رميتَ إذ رميت ولكنّ اللهَ رمى. ذلكم وأنّ اللهَ موهنٌ كيدَ الكافرين».
إنّ ما جرى في طبس قصّة لا يحبّ أكثر الإعلام العربي أن يذكرها، لذلك فهو يضرب عليها ستاراً كثيفاً من النسيان والإهمال. وليس الانقباض من تذكّر نكسة الأميركيين في طبس شأناً جديداً، فالإعلام العربي يصيبه الذعر والبكم كلّما تعرّضت أميركا أو «إسرائيل» لنكسة في بلادنا. ويشتد حنقه وغيظه إذا تعلّق الأمر بعمل من أعمال المقاومة في أوطاننا. ويعتريه الضيق والنفور من كلّ حديث ذي صلة بالذين قاوموا الاحتلال، في يوم من الأيام، في أيّ مكان من الوطن العربي، أو في العالم. لكأنّ استحضار بطولات المقاومين أو هزائم الأعداء معرّة تقلّل من قدر ذلك «الإعلام»، أو مهانة شخصية تلحق بزمر المستكتِبين، فلا يجرؤ أحد منهم على أن يخوض مثل هذا الحديث أبداً. هل وجدت اليوم واحداً منهم كتب كلمة، أو نشر صورة في ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي؟! - لا، لن تجد! على أنك سترى هؤلاء، بعد أيام قليلة، لا ينسى أحدهم ميعاد هزيمة حزيران. فإحياء تلك الذكرى فريضة واجبة، في كل عام. وإنك ستراهم يتسابقون، إذا هلّ شهر حزيران، فتحسب أنهم في تسابقهم يحيُون ركضة طويريج!
ولأنّ ذكرى طبس، أو عمليّة «مخلب النسر»، كما سمّاها الأميركيون، من الذكريات غير السارّة للأعداء وأتباعهم، فإنّ الأمثولة فيها تستحق أن تُستحضر وتستذكر. وأوّل الدروس في منظر الطائرات الأميركية المحطّمة في صحراء خراسان الإيرانية، والعِبر في مشهد جثث الجنود الأميركيين المتفحمة، هو أنّ جيش العدو، على ضخامته وتجهيزه، لا يخلو من مواطن الضعف، من رأسه المفكر الى قبضته الضاربة. ولقد طال الفشل والعجز في تنفيذ عملية الإغارة على طهران جميع المشاركين فيها، من الرئيس ومستشاريه، إلى كبار الجنرالات، إلى أصغر الجنود. هل يتصوّر أحد أنّ العملية التي تابع تفاصيلها الرئيس الأميركي كارتر بنفسه، وقادها الجنرال ديفيد جونز رئيس هيئة الأركان المشتركة، ونفّذها الجنرال جيمس فوت مدير هيئة العمليات والتعبئة، وتواصل إعدادها في البنتاغون خمسة شهور كاملة... ثمّ بعد كل ذلك فشلت المهمّة فشلاً ذريعاً، لأنّ المخطِّطين نسوا - ضمن ما نسوه- البحث في حالة الطقس في يوم الإغارة المشهودة؟! إنّ مجرّد عاصفة ترابية غير متوقعة أطاحت بكل تخطيط البيت الأبيض، و«البنتاغون»، و«السي آي إيه» دفعة واحدة. وأحبطت جهود عشرات الطيّارين في سلاح الجو، ومئات من جنود «المارينز»، وقوات الكوماندوس في وحدتي «دلتا» و«رينجرز»، وآلاف البحارة العاملين في حاملة الطائرات «نيميتز»، والمدمّرات والطرّادات المواكبة لها. وفوق كلّ ذلك أفسدت عاصفة التراب الإيرانية حملة جيمي كارتر من أجل نيل ولاية رئاسية ثانية.
مات الجنود الأمريكيون وتحطمت طائراتهم وسقط كبريائهم
واعز الله المؤمنين بنصرة وقوته.