سياسيٌّو العراق بين جَدليَّتين رفض الاحتلال، وَعَقلَنَةِ البقاء إلاّ أنّه الأمْر الواقع !
د. سعد عبيد حسين
حينما تفقد الدولة حلقات إستراتيجيتها لمدة 17 عاماً تبدأ عناصرها بالتآكل والانهيار, و تصبح عرضة للطمع و النهب وإغراء الأقْلَمَةِ والتّدْويل للطامع دون عناء، و يكون ما يسمى ( بسيادة الدولة ) مُفْرَدة سخرية قِبالَةَ من يطلقها من رجال السياسة.
والحال أن الواقع بعد 2003 قد فرض هذه الرؤيا – لا يعني ذلك تأييد السياسات الحاكمة قبل 2003منذ نشاة الدولة العراقية الحديثة بعد القانون الأساسي 1925–, فالشعب السياسي في العراق يتبع رغماً عنه مآل أعمال وتصرفات ما ينْتَخب من الطبقة السياسية، و هنا بداية تفتّت اللُّحْمَة المجتمعية، اذ لا لَوْن لمضلةٍ سياسيةٍ – الكتلة الكبيرة لكنها حرة الإختيار- واحدة يستظل بها جميع الشعب من لَّضى حَرِّ جَوائِحِهِ -رفْع الحوائج أشد من نزول الجوائح-، و هذا لا يُمَكِّن الطبقة والسلطة السياسية الحاكمة من إشباع كل حاجات المجتمع و كل ما يتمناه الشعب السياسي الذي انتخبها، و هنا تبدأ القطيعة بين الشعب و بين الجهة و السلطة السياسية الحاكمة، أمّا عنصر الاقليم هو الآخر عرضة للخطر ( بحر, بر، جو ) فغياب إستراتيجيةِ بناءَ الجيش وقوى الأمن الداخلي, وضعف التسليح, وغياب تطورِ علوم التكنلوجيا العسكرية، يغري سياسيو الداخل قبل الخارج في التفكير بالإنسلاخ وإنشاء الأقاليم، وهي كائنات تاكل وتشرب,الاّ أنها ترقد في جيوب -عند البعض - ساسة العراقي يوقِظوها كَفِتَنِ التاريخ, وهذا ما جعل السلطة التشريعية ورئيسها– و كذا الأمر لرئيس الوزراء، ورئيس الجمهوري – ان تعيش حالة التشرذم في الرؤية السياسية بكل مناحيها لتستقر حينها كل رُؤاهم أَمامَ جدليتين, ثم إزدادَت أغْماق ألوانها بعد إستقالة عبد المهدي من رئاسة الوزراء، فالأُولى جدلية رفض الإحتلال، و الثانية جدلية البقاء، و هذا ليس من نسج الخيال بل أنه أمر واقع، ولرافضي الاحتلال حججهم، و للقابل و المؤيد لبقاء المحتل أَوْهاها, كما يعقلن هزائمه بين حين وآخر.
إن صورة بقاء المحتل هذه, قد رُسِمَتْ منذ أن سَرَقَت الولاياتُ المتحدة الأميركية و دولُ الخليج الفارسي - بمباركة ومبادرة السعودية - الثورةَ الشعبانيةَ من العراقيين خوفاً من تصدير الثورة الاسلامية في ايران اليهم واستبدلتها بمؤتمر لندن، ثم اربيل – و عَرَّابها الأخضر الابراهيمي – بعد نَيِّفٍ من السنين حتى سقوط الصنم و بداية الحكم العسكري بقيادة (جي كارنر)، ثم الحاكم المدني- عذرا للقارئ- يوريا (بول بريمر) الذي استطاع بِشَيْطَنَته أن يَزْرُق في جسم العراق هرمون التجزئة و التشَظِّي المُتَوالُدِ من خلال تأسيس مجلس الحكم، و به انتفخت أفكار-بعضهم- ساسته مما جعلها لا ترى إلاّ الطائفية, أو القومية, أو الحزب, أو الفئة, لِتَلِد وليداً غير شرعي حملته سفاحاً بطنُ خيمة سَفّان, لأن أبوها إمرءِ سَوْء كما كانت أمّها بغيا - قانون ادارة الدولة العراقية 2004- و هذا الأخير هو أُسّ دستور جمهورية العراق 2005, و لسنا بصدد نقد دستوري أو طرح تاريخي كي نُسْهب ,- فلا نريدُ نَكْأَ الجراح والدَّمامِلِ- لكن تطبيق هذا الدستور يرسخ و يؤيد تلكم الجدليتين ( رفض الاحتلال و بقائه ) فأُصيبَت خلايا جسد العراق السياسي بخلل، فهو مريض – باللهجة العراقية عَمَتْ عيني عليك, شِتْسَوّي هذَ العراقي مِعِدْتَ مَلْسَهْ بساعْ يِنْسَه-, وبذلك تحقق مُراد أعداء العراق, ورغم ذلك, فان موت العراق سياسياً يعني, قلب الأماني -للكل- رأساً على عقب, وهنا إشْرَأَبَّتِ الأعناقُ, وَحَمْلَقَتِ العيونُ, وإمْتُشِقَتِ السيوفَ, وأَشارتِ السَّبَّابَةُ الى الجدليتين- رافضي الإحتلال وحججهم, ومؤيدي بقاء الإحتلال وعقلنتهم- لكن, هل الحُجَجِ كالعقلنة؟ هذا ما سَيُتْرَك للباحث السياسي المنصف المُتَجَرّدِ.