دول الخليج الفارسي يريد دوراً في سورية
د.وفيق إبراهيم
نوعان متناقضان من المعلومات يتسللان من الداخل السياسي السوري، بشكل تبدو فيه روسيا ساعية الى حل سياسي بإضافة قوى خليجية الى جانبها مع تركيا وإيران.
فيما يلهث الأميركيون لإعادة تسليح المنظمات الإرهابية جنوبي سورية وشرقها ويواصل الأتراك دعم الارهاب الموالي لهم في الشمال الغربي السوري، مقابل تصعيد في الغارات الاسرائيلية التي تستهدف مواقع في سورية لكل من حزب الله والدولة السورية.
ما هو الجديد في هذه المعلومات؟
يبدو الوضع مشابهاً لما كان عليه قبل تفشي جائحة الكورونا في العالم، لكن هناك استثناء وحيد يتعلق بادوار جديدة لدول خليجية، فتحت روسيا عليها خطوط اتصال، وهي دولة الإمارات التي تفاوض الروس وتتعهد في حالة التوصل الى قواسم مشترك باقناع السعودية اولاً والأميركيين في مراحل لاحقة.
لذلك بدت زيارة وزير الخارجية الايراني ظريف الى دمشق منذ عدة ايام مبررة بضرورات تنسيق هذه الجهود الروسية بين دمشق وطهران وبين ايران وروسيا.
لا بد من الاشارة الى الإحباط الخليجي من سقوط أدواره في الميدان السوري لمصلحة طرفين، احدهما شرعي وهو الدولة السورية التي حررت 65% من اراضيها والأتراك الذين تعاونوا مع المنظمات الارهابية للتمدد في الشمال الغربي وبعض الشرق متمكنين من الإمساك بالمعارضة السورية المزعومة على حساب تراجع الدورين السعودي والإماراتي.
هذا ما استدعى تحرك دول الخليج الفارسي الذي يعتبر الدور السياسي التركي أكثر خطورة عليه من الدولة السورية، يكفي أن الاخوان المسلمين حلفاء تركيا يعملون لتأسيس خلافة إسلامية لا تؤمن بالأنظمة الملكية والأميرية على طريقة السعودية والإمارات، وبإمكانها التسلل الى الخليج من خلال الكثير من المنظمات الإسلامية المتطرفة التي لا تزال موجودة في شبه جزيرة العرب ولا تقبل حتى بالوهابية مذهباً إسلامياً شبيهاً بها يمكن الاجتماع حوله.
لذلك لم يتأخر ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بالتجاوب مع محاولات روسية لفتح حوار معه حول إعادة الاتفاق على دولة سورية بإمكانها التصدي لهذه الطموحات التركية. للإشارة هنا فإن الإمارات اعادت فتح سفارتها في دمشق كحركة تحدٍّ للدور التركي، ومنذ أشهر عدة.
بأي حال، تقترح روسيا توسيع إطار آستانة من ثلاثة اعضاء الى أربعة تضم ممثلاً مقبولاً من السعودية والإمارات على ان يستبق الوسطاء الإماراتيون هذا الإعلان بإقناع الأميركيين ان الحل السياسي في سورية، هو الحل الممكن على ان تكون قاعدته الاساسية الدولة السورية ورئيسها بشار الاسد، مقابل وعود روسية بمفاوضات في اللجنة الدستورية المنبثقة من سوتشي وآستانة لوضع تعديلات دستورية تسمح للمؤسسات السورية باستيعاب المعارضات المعتدلة. بالمقابل، استشعرت تركيا هذه التطورات، فعملت على تحريك الإرهاب في إدلب وراوغت لعدم انسحابه من خط حلب ـ اللاذقية كما دعمته لتنفيذ عمليات ضد الجيش السوري، والطريف أنها اتهمت الدولة السورية بعدم تنفيذ اتفاق ادلب.
من جهتهم، أراد الأميركيون رفع سعرهم في «البازار الاماراتي» فأرسلوا شحنات اسلحة الى الارهابيين قرب مخيم الركبان وقاعدة التنف، وتبين أنها اسلحة نوعية تضم صواريخ تاو وقاذفات مضادة للمدرعات وذخائر من كل الأنواع.
فاستشعر الإرهابيون بهذه التغطية الأميركية منفذين بسرعة كميناً في أرياف درعا سقط فيه العديد من الشهداء في صفوف الجيش السوري، كما هاجموا في مناطق أخرى.
هذا لا يعني أن الأميركيين يعترضون على المبادرة الإماراتية، بل يريدون تحقيق مكاسب كبيرة لم يتمكنوا من تحقيقها في الخمس سنوات المتتالية. هنا شعرت «اسرائيل» أن ما أرادته من تدمير للدولة السورية منذ اندلاع أزمتها في 2011 يكاد ينتهي بإعادة تأسيس دولة سورية أقوى من سابقتها وأكثر مناعة على المستويين الداخلي والعربي مع تحالفات إقليمية وازنة مع إيران ودولية مع روسيا، واستكانة خليجية الى موازنات القوى.
لذلك عادت «اسرائيل» الى اسلوب «غارات جوية» لها اصداء أعلامية اكثر من المفعول العسكري الحقيقي وذلك بهدف تعطيل المساعي الروسية ـ الإماراتية الجديدة.
على مستوى إيران، فإنها تفضل من دون أدنى شك حلاً سورياً خليجياً تشارك فيه لأنه ينهي الاستعداء الخليجي لها الذي يستعمله الأميركيون لتطويقها وفرض عقوبات عليها.
لكنها وأزاء ما تجده سورية مصلحة لها، لا تعترض إيران على الدور الإماراتي لأنها تعرف ان استقرار سورية، يعيد لها دوراً عربياً لا يقبل بمعاداة إيران لأسباب أميركية ـ اسرائيلية صرفة.
هناك اهتمام آخر لإيران ترعاه الدولة السورية وهو حزب الله في لبنان والمقاومة في قطاع غزة. وهذه مسائل استراتيجية لم تتركها سورية حتى في عز أزماتها والدليل على ذلك الدعم السوري المفتوح لحزب الله في حروبه ضد «اسرائيل» منذ 1982 حتى 2000 و2006 وتأمين خلفية سورية له يستعملها في الضرورات ـ كذلك فإن دمشق لا تزال العاصمة العربية الوحيدة التي تستضيف مكاتب لمنظمات المقاومة الفلسطينية.
على مستوى الإرهاب، فتجب الإشارة الهامة، إلى أنه انتهى كمشروع سياسي يريد دولة خلافة، متحولاً إلى آليات يستعملها الأميركيون والاتراك في خدمة مشاريعهم لتفكيك الدولة السورية، كما يريد الأميركيون، أو اقتطاع أجزاء منها كما يشتهي اردوغان العثماني. وهذا ينطبق ايضاً على الاكراد في شرقي الفرات الذين يتمسكون بفكرة دولة مستقلة في شرقي سورية مدعومة أميركياً واسرائيلياً على الرغم من كل المؤشرات المتتابعة التي تكشف ان المشروع الأميركي الأساسي انتهى الى غير رجعة بما يجب ان يشجعهم على العودة الى الدولة السورية على اساس ادارة ذاتية ضمن الكيان الدستوري الواحد.
يتبين ان المشروع الإماراتي صعب التحقيق، لكنه يمهد على الأقل لوقف الدعم الخليجي للإرهاب والانسحاب من التآمر على سورية وإعادة افتتاح سفاراتهم في عاصمتها، لا سيما ان كورونا أضعف الأدوار الأميركية في كل مكان وخصوصاً في الشرق الأوسط الذي تتراجع اهمياته وبمواكبة الانهيار الكبير في أسعار النفط.
وتبقى سورية هي الحصن القادر على استيعاب الجوار الإقليمي وتشكيل حلف مع العراق لإعادة بناء نظام عربي بوسعه استيعاب معظم أزمات المنطقة.