kayhan.ir

رمز الخبر: 11130
تأريخ النشر : 2014December01 - 21:29
القرون الوسطى تقرأ القرن الواحد والعشرين!

انتخابات البحرين في الإعلام السعودي

د. وفيق ابراهيم

يُصاب المتابع للإعلام السعودي الصادر في بريطانيا بصدمة عنيفة من سيل التحليلات "البدائية” التي تعالج انتخابات البحرين، فتنتحل صفة المُهْتَمّ بنتائجها والخبير بتفاصيلها والمبشّر بصدقيتها.

وقبل الدخول في "متاهة” هذه الانتخابات على المستويين السياسي والتقني، لا بدّ من الإشارة إلى نقطتين تميطان اللثام عن الخداع السعودي.

أولاً: لا يؤمن النظام السعودي بالانتخابات مطلقاً، ولا بكونها وسيلة لتكوين النظام السياسي، لأنه يتبنّى مفهوم الحكم الملكي الوراثي من أب إلى إبن إلى أخ. ويُعتبر الملك ولياً للأمر لا رادّ لإرادته. ويُساق شيوخ القبائل والمراجع لتأييده في "بيعة صورية” كالنعاج. والسعودية هي واحدة من البلدان النادرة التي تحظر الأحزاب والجمعيات وأيّ شكل من أشكال الانتخاب. وتمنع حتى تشكيل إدارات للبنايات والعمارات؟

فما أسباب تهليلها إذاً لانتخابات البحرين وحاكمها ملك يؤدّي دور ولي الأمر. ولماذا تكرّس الأدوات الإعلامية السعودية برامجها وصفحاتها لمديح انتخابات هي لا تؤمن بها ولا بدورها.

ثانياً: هذه الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي إنما تمّت برعاية أنواع عدة من الاحتلالات العسكرية التي تتحكم بمفاصل أرخبيل البحرين ومدنه وقراه، وتبدأ بالاحتلال العسكري السعودي المختبئ خلف ما يُسمّى قوات مجلس التعاون الخليجي، والإماراتي التابع له والأردني المتجسّد بالآلاف من رجال الدرك والشرطة المنتشرة في الجزيرة.

يُضاف أيضاً الاحتلال الأميركي ورمزه قاعدة ضخمة للأسطول الخامس الذي ينعم بمساحة كبيرة من الجزيرة، ويمارس دوراً سياسياً هاماً في دعم آل خليفة وأنصارهم، وهكذا تجتمع كلّ هذه القوى العسكرية لتضاعف من إحباط أهل البحرين الذين باتوا يعتقدون أنّ هموم الأرض تجثم على مناكبهم.

وهنا لا بدّ من طرح التساؤل التالي: هل هناك محاكم دولية تعتبر أنّ انتخابات جرت في ظلّ أربع احتلالات… تمتلك الصفة الشرعية والقانونية؟

ويمكن إضافة الدعم الاقتصادي السعودي لآل خليفة وبعض السكان في البحرين كرشى تؤثر في قناعات الناس وتكبح التفاعلات السياسية والاجتماعية الفعلية.

ضمن هذا الإطار فقط تجوز قراءة انتخابات البحرين بعلاقتها بالاحتلالات العسكرية من جهة، وما شابها من عناصر أخرى أدّت إلى تزوير إضافي إلغى ديناميتها وجعلها أداة لقمع معظم الناس في البحرين من مختلف المذاهب والأديان والأعراق.

وأبرز العناصر الأخرى سياسة التجنيس التي شملت باكستانيين وبلوشاً وسوريين وفلسطينيين… والمضحك أنها ضمّت سعوديين يأتون إلى البحرين وينتخبون ويعودون إلى بلادهم في اليوم نفسه، وهم بعشرات الآلاف… هذه هي ديمقراطية الأعراب المتنقلة على متن نوقٍ تقطع الجسر بين السعودية والجزيرة ذهاباً وإياباً.

ومن العناصر الأخرى التلاعب بالدوائر لتصبح على مقاس النتائج تكبيراً وتصغيراً. ونقل الأصوات من دائرة إلى أخرى وتزوير النتائج والتصويت عن الغائبين والمسافرين والأموات وربما الأحياء والعجائز والمرضى.

إنها انتخابات جرت بإشراف آل خليفة ومن دون مراقبة من أيّ نوع من المعارضات. والنتيجة أتت كمن يضحك على نفسه… مجرّد انتخابات هزلية، الهدف الوحيد منها منح دكتاتورية آل خليفة صفة شعبية للاستمرار وتصوير المعارضة كأنها حركة مذهبية تخدم السياسة الإيرانية في المنطقة.

ويقول الإعلام السعودي إنّ نسبة المشاركة بلغت 62 في المئة مقابل 68 في المئة للانتخابات السابقة. وهذا يعني بلغتهم أنّ حجم المعارضة لا يزيد عن 6 في المئة من الناخبين. ولو افترضنا أنّ عدد الناخبين ثلاث مئة ألف ناخب شارك منهم نحو مئة وتسعين ألفاً، فتكون أصوات المعارضة لا تزيد عن عشرة آلاف صوت، في حين أنّ أصغر تظاهرة تنظمها المعارضة تضمّ عشرات الألوف… وأرشيف الإعلام الغربي والعربي يؤكد هذه الحقائق التي لا يرقى إليها أيّ شك. والحقيقة أنّ الدعم الأميركي والخليجي لآل خليفة ليس إلا محاولة بدائية لكبح جماح التطور.

ولم يسبق لقوى مهما عظمت، أن استطاعت وقف حركة التاريخ… قد تشلُّه إلى حين. لكنه سرعان ما يعاود انطلاقته مستعيداً ديناميته وقوته.

هذه هي البحرين، المرصد الأميركي لمراقبة الملاحة في الخليج ومراقبة إيران أيضاً. وهي مقدم السعودية التي ترتعب من أي تغيير قد يحدث فيها لأنه قابل للانتقال إلى الشاطئ السعودي في كلّ وقت.

وفي المحصلة، فإنّ تحسّن الأوضاع في العراق واليمن وسورية كفيل بتزويد أهل البحرين بإمكانات معنوية ومادية لتغيير نظام حكم طفا على أهل الجزيرة واضعاً البلاد في خدمة الجيوبوليتيك الأميركي، ومبدياً استعداده لمصالحة "إسرائيل”، وبانتظار مقبل الأيام، تشير المعلومات إلى أنّ الصراع الشعبي مع آل خليفة طويل ولن ينتهي إلا باستعادة شعب الجزيرة لحقوقه السياسية والوطنية والاقتصادية.