النظام المصري كمن يقفز على رجل واحدة وسط حقل ألغام معقد
حسام مطر
يحاول النظام المصري "الجديد” خلال الآونة الأخيرة تنشيط دوره الخارجي، عبر الجولات الدولية، وحضور المؤتمرات، والمبادرات الدبلوماسية، وعقد القمم، وبناء التحالفات. من الأسئلة التي تثيرها هذه "الفورة” الخارجية، هل يمكن لدولة مرتهنة إقتصادياً أن تبني سياسة خارجية مستقلة؟، ما حدود هامش الإستقلالية لهذا الدور الخارجي؟، إلاّ أن السؤال الاساس هو حول علاقة هذا الدور بالواقع الداخلي المصري، كيف يخدم الدور الخارجي في الداخل المصري؟
من البديهي القول، أن المنطقة تفتقد لدور مصري، وأن هذا الدور من ضرورات التوازن الإقليمي، أو كما قال دبلوماسي أميركي كبير في عهد عبد الناصر: "اللعبة الإقليمية لم تكتمل إلاّ بحضور عبد الناصر على الطاولة”. إنكفاء مصر بعد عبد الناصر ترك فراغاً لقوى رجعية وتكفيرية كان لها بالغ الأثر في إنحطاط العرب. تقويم واقع العرب أو التنبؤ بمستقبلهم لا يمكن إلاّ أن يكون نقاشاً بواقع عواصم عربية ثلاث، القاهرة، بغداد ودمشق، إن صعدوا صعدت العروبة وإن أفلوا أفلت.
الحديث عن السياسة الخارجية المصرية هو حديث عن الخيارات الخارجية لنظام السيسي. ما هي إحتياجات ومصالح هذا النظام؟، هذه حال أغلب دول المنطقة، السياسة الخارجية هي سياسة النخبة الحاكمة وليست بالضرورة سياسة "الدولة”. لا يمكن فهم وتفسير هذه "الفورة” في السياسة الخارجية لنظام السيسي بعيداً عن الإشتباك الداخلي الذي يميل بثبات لصالحه. التحدي الأساس لنظام السيسي يكمن في تثبيت دعائم حكمه عبر عزل المعارضة التي يتصدرها "الإخوان المسلمون”. تنبثق قوة جماعة "الإخوان” من كونها قوة إجتماعية مؤدلجة وشديدة التنظيم ذات رعاية خارجية من كل من تركيا وقطر. الإستراتيجية المضادة للنظام المصري يجب أن ترتكر بالمقابل على إحتواء عناصر القوة هذه وإفراغها من فعاليتها، وهذه بالتحديد هي مهمة السياسة الخارجية المصرية حالياً.
يدرك الرئيس السيسي أن إحياء الشعور القومي والإفتخار الوطني هو مفتاح شد العصب الشعبي حول النظام. لطالما كانت السياسة الخارجية هي مفتاح بناء حس قومي مبالغ فيه بهدف التغطية على مشاكل الداخل. يتلهف المصريون بالتحديد الى أمجاد الماضي، الى دورهم وإرثهم التاريخي في الإقليم، ومتعطشون للشعور بالمكانة والحضور في محيط أنكرهم خلال العقود الأخيرة. يُدرك الرئيس السيسي، كما يظهر من خطبه، أن لا حلول عاجلة لمشاكل مصر الداخلية بالتالي يجب إشغال هذا الفراغ بتوسيع النشاط الخارجي وبناء أيديولوجية للدولة وبثها في الداخل لمحاصرة جماعة كالإخوان. صورة مصر القوية الفاعلة في الخارج تعزز من صورة النظام كلاعب مستقل وسيادي ينبغي الإلتفاف حوله سعياً لرفعة مصر وأهلها.
من ناحية ثانية، يجد النظام أنه بحاجة لدور خارجي لتحقيق توازن بوجه داعمي "الإخوان” أي قطر وتركيا. وقد بدأ السيسي بقطف ثمار هذا الدور من خلال المصالحة الخليجية مع قطر والتي ستنعكس على إخراج قطر تدريجياً من الإشتباك مع مصر. وفي الحالة التركية، يصطف النظام المصري مع السعودية في بناء تحالف لمحاصرة "الآخر” التركي وعزله عن المدى العربي. كما كان لافتاً القمة المصرية – القبرصية – اليونانية الموجهة بوضوح للخصم التركي الذي يواجه عزلة خارجية هي الأقسى منذ وصول حزب "العدالة والتنمية” الى الحكم.
في الختام يعود السؤال حول مدى إستقلالية النظام المصري في سلوكه الخارجي؟، مثلاً مدى قدرته على الإنفتاح على إيران وسوريا وروسيا؟. يعمل النظام المصري حالياً وفق "نظام تحالف هرمي” تسعى السعودية لبنائه، ولكن ذلك لا يعني أن علاقة مصر بالسعودية هي علاقة تبعية، إلاّ أنها ليست ندية. يسعى الرئيس السيسي الى إستكشاف المناطق التي تقع خارج "التحريم السعودي”، اي مناطق "الواجب، المستحب والمباح” للعمل فيها. مثلاً الدور المصري في خصوص المبادرة الروسية لجمع النظام السوري مع بعض المعارضة يقع ضمن منطق "المباح” السعودي الذي قد ينقلب تحريماً. إن نمو الدور المصري ضمن هذه القواعد يراه السعوديون أنه يقضم من نفوذ الأتراك بالدرجة الأولى، ويراكم لهم عناصر قوة بوجه الحلف الإيراني بالوقت ذاته. بالمحصلة، يبدو النظام المصري كمن يقفز على رجل واحدة وسط حقل ألغام معقد، فهل يعبر؟.