„المقاومة الإسلامية: تهديد واضح للرأسمالية العالمية المستبدة„
إياد الإمارة
شَهِدَ القرن السابع عشر الميلادي ظهوراً أول لما عُرفَ "بالنظام الدولي" بعد أن تشكلت شراكة تنافسية بين بعض دول أوروبا لإستعمار عددٍ من بلدان العالم، ومر هذا النظام بمراحلَ وتطوراتٍ مختلفة حتى الحربين العالميتين الأولى والثانية والدخول في مرحلة الحرب الباردة وظهور معسكرين شرقيّ وغربيّ وحلفين عسكريين هما وارشو والناتو.
استمر هذا النظام قائماً هرماً حتى العام (١٩٩٠) إذ بدأت تكتملُ في هذا العام ملامح واضحة لما أصبح يُعرف "بالنظام العالمي الجديد" على أنقاض "النظام الدولي" بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وتوقف الحرب الباردة والمضي قُدماً في إعتماد النظام الرأسمالي الغربي لإدارة العالم وهو يهدف إلى هيمنة: إقتصادية، سياسية، ثقافية، عسكرية، على العالم.
الرأسمالية الكبرى "النظام العالمي الجديد" حاولت بنفس أدوات النظام الدولي السابق -التي أصبحت أكثر فتكاً بفعل تطور التكنلوجيا- فرض هيمنتها على العالم وبالأخص المنطقتين العربية والإسلامية "خواصر الثروة الرخوة"، فكانت حرب الخليج الفارسي الثانية عام (١٩٩١) وهي الحدث الأهم والأول في تثبيت أركان النظام العالمي الجديد، وتُوِجَ هذا التثبيت عام (٢٠٠٣) في حرب الخليج الفارسي الثالثة "غزو العراق" وما رافق هذا الغزو من أحداث أستمرت إلى ما قبل جائحة فيروس كورونا الحالية..
كان النظام العالمي الجديد يواجه عقبة (قوة إيران الإسلامية التي تحولت إلى دولة عظمى في المنطقة) لا أعتقد أنه كان يتوقعها بالقوة التي تستطيع إيقاف مشروعه الدولي المتمترس بما لديه من مقومات إقتصادية وعسكرية وإعلامية جبارة بقدر خشيته من "التنين" الصيني الذي ينخر جسد الراسمالية بطريقة ناعمة جداً منذ السنوات الأخيرة للقرن الماضي، الرأسمالية بنظامها العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا توقعت أنها ستتمكن من إخضاع إيران وليّ أذرعها التي لن تصمد كثيراً أمام حرب قد تكون سهلة على أكثر من محور، سوف تستطيع أن تُمزق سورية وتُدمر حزب الله وتقضي على الحوثيين والطريق أمامها أسهل في العراق إذ لم تستطع قواه السياسية -الشيعية خصوصاً- المتفرقة من ضبط إيقاع شعبه الذي أصبح ناقماً ومستعداً للإنفجار بالإتجاه الذي تريده الرأسمالية، وبذلك يكون قد حقق أمناً أكبر لإسرائيل وعزز من قواعد مواجهة مباشرة مع الصينيين .. لكن ذلك لم يتحقق بالمرة إذ تمكنت إيران وبمهارة تُحسبُ لها من تأسيس قوة مقاومة إسلامية متمكنة جداً عابرة للحدود إستطاعت إفشال مخططات مهمة في برنامج النظام العالمي الجديد، حزب الله يمسك بالارض ويحقق إنتصارات كُبرى والأسدُ في عرينه صامداً والحوثيون يهددون مستودعات نفط كُبرى في العالم أما في العراق فلا يبدو أن المشهدَ رأسمالي بالمطلق...، ولا يزال الصراعُ مستمراً حتى الساعة وجائحة كورونا تفتك بالكثير من الخطط والبرامج في توقيت حرج جداً لاكثر من طرف في دوائر صراع متعددة في مناطق مختلفة من العالم، وبالعودة إلى ما يراه كيسنجر وغيره من منظري ومحللي السياسة الدولية، فقد نكون حتماً أمام وضع جديد يُلغي النظام العالمي "الجديد" ويجعله أثراً من بعد عين ويصبح قديماً أمام إطروحات تتحدث علناً وبوضوح تام عن فشل الرأسمالية التي أرادها النظام العالمي الجديد إدارة "جديدة" تعني هيمنة على الإقتصاد والسياسة والإعلام والعسكر.
هكذا قد نقرأ الفاتحة "بالعبرية الفصحى" على النظام الراسمالي الجديد وسيشهد الناجون من الجائحة نظاماً آخر تحدده موازين قوى ما بعد الجائحة.