العراق: الكاظمي بين فرص النجاح وتحديات الإخفاق
عادل الجبوري
لأول وهلة، ربما يؤشر مشهد تكليف رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة الى سهولة المسار الذي سوف يسلكه ويتحرك فيه لاتمام المهمة الثقيلة خلال المدة الدستورية المقررة بثلاثين يوما.
كان مشهد تكليف محمد توفيق علاوي فقيرا، فلم يكن هناك لا حضور سياسي ولا حتى بروتوكولي، رغم انه كان مرشحا من قبل عدد من القوى السياسية الرئيسية والكبيرة وغياب الاعتراض الواضح عليه. ولعل ما اثار اللغط في ذلك المشهد هو هوية الشخص الذي انعكست صورته في الواجهة الزجاجية للمكتبة الصغيرة في القاعة التي جمعت رئيس الجمهورية برهم صالح بتوفيق علاوي، وقد قيل ان ذلك الشخص هو مدير مكتب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
بينما كان مشهد تكليف عدنان الزرفي جدليا الى حد كبير، لان من حضروا فيه من السياسيين والنواب كانوا من الدرجة الثانية والثالثة، ولان موجة اعتراضات وتحفظات اثيرت على طريقة تكليف الزرفي وعلى شخصه، فإن أغلب من حضروا راحوا يبررون ذلك الحضور، ويؤكدون انه كان حضورا بروتوكوليا لا علاقة له بالموقف من خيار التكليف. في ذات الوقت صدرت تصريحات رسمية من بعض القوى التي بدت وكأنها مؤيدة وداعمة للزرفي، بأنها ليست كذلك، وبالفعل فإن الكيان السياسي الوحيد الذي افصح عن موقفه الداعم للاخير هو تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
ما اختلف في مشهد تكليف الكاظمي، هو أن الحضور النوعي كان لافتًا ومتميزًا على الصعيدين الرسمي والسياسي، فعلى الصعيد الرسمي حضر الى جانب رئيس الجمهورية، كل من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، والقاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا، وعلى الصعيد السياسي-الحزبي، حضرت مراسم التكليف شخصيات سياسية رفيعة المستوى تمثل مختلف المكونات والعناوين، كرئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس تحالف النصر حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس تحالف المحور الوطني خميس الخنجر، والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، والقيادي في حزب الدعوة الاسلامية الشيخ عبد الحليم الزهيري، ورئيس الجبهة التركمانية ارشد الصالحي، ويونادم كنا رئيس الحركة الديمقراطية الاشورية، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، فضلا عن حضور المبعوثة الاممية في العراق جينين بلاسخارت.
ولا شك ان ذلك الزخم السياسي غير المسبوق، ربما يساهم في تعبيد الطريق أمام الكاظمي لانجاز مهمة تشكيل الحكومة خلال المهلة الدستورية المحددة بثلاثين يوما، كما أن رسائل الدعم والتأييد التي جاءته من واشنطن وطهران تبدو مشجعة الى حد ما.
ففي الوقت الذي قال فيه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، "ان الكاظمي أثبت في وظائفه السابقة أنّه وطني وشخص كفوء"، وأعرب عن أمله في "أن يتمكن سريعاً من تشكيل حكومة قوية ومستقلّة"، أكد المتحدث باسم الخارجية الايرانية عباس موسوي، ان بلاده "اذ تتمنى النجاح والتوفيق لمصطفى الكاظمي، تأمل في ان ينجح بمهمته بتشكيل الحكومة الجديدة وتلبية تطلعات الشعب والمرجعية الدينية في العراق، وايجاد عراق موحد ومستقر يتبوأ مكانته المهمة على المستويين الاقليمي والدولي".
وفضلا عن ذلك فإن اوساطًا مطلعة تؤكد ان رئيس الوزراء العراقي المكلف تلقى اتصالات من أطراف عربية واقليمية ودولية عديدة تؤكد دعمها ومساندتها له.
وارتباطا بذلك، هناك من يعتقد أن الكاظمي بحكم طبيعة شخصيته وموقعه على رأس جهاز المخابرات لعدة اعوام، يمكن ان ينجح في تخفيف حدة الاحتقان وتقريب وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء الدوليين والاقليميين، وبالتالي يقلل من الانعكاسات والارتدادات السلبية للصراعات السياسية والعسكرية على العراق.
وفي مقابل الافاق الايجابية بطريق الكاظمي، فإن هناك من يرى إن المعوقات والعراقيل والمصاعب التي سيواجهها لن تكون قليلة، وهي ربما تكشف عن مدى حنكته في ادارة وتوجيه التقاطعات والتناقضات الداخلية والخارجية، بما يساعده في تنفيذ برنامجه الحكومي وترك بصمات واضحة في الملفات والقضايا الحساسة والمهمة، وكذلك امتصاص واحتواء المواقف الناقدة والرافضة له.
فهو - أي الكاظمي - اذا أراد أن يتجنب الوقوع بأخطاء وهفوات سلفيه علاوي والزرفي، فينبغي له أن يراعي حقائق الواقع السياسي ولا يقفز عليها، أو بعبارة أخرى يضع في حسبانه اشتراطات ومطالب القوى الحزبية الداعمة له من مختلف المكونات، وهذا قد يعيد انتاج الاخطاء والسلبيات التي حفلت بها المراحل السابقة من جانب، ومن جانب اخر، يبعده عن دائرة توجيهات المرجعية الدينية ومطالب ساحات التظاهر السلمي.
فهناك اليوم حديث في بعض كواليس السياسة مفاده، انه في عالم السياسة لا شيء بدون ثمن، ومن يدعم ويساند ويؤيد لا بد انه يبحث عن ثمن ولا بد ان تكون لديه اشتراطات ومطالب مباشرة أو غير مباشرة، البعض منها سيصطدم بها الكاظمي وهو يخوض عملية اختيار الاشخاص لتولي الحقائب الوزارية والمواقع المتقدمة الاخرى، والبعض الآخر منها سيواجهها بعد نيل حكومته الثقة وشروعها بالعمل، وبالتالي فإن الهيمنة الحزبية للقوى السياسية- لا سيما الكبيرة - من مختلف المكونات ستكون حاضرة، مثلما كانت حاضرة بشخوصها في مراسم التكليف، وهو ما يعني بصورة او بأخرى غياب أو تغييب أو القفز على دعوات وتوجيهات المرجعية الدينية ومطالب الحراك الجماهيري، خصوصا في ظل غياب منبر الجمعة ومعه حراك الشارع بسبب وباء كورونا.
لعل النقطة المحورية في نجاح الكاظمي بمهمته الثقيلة تتمثل في عدم الركون والخضوع لاشتراطات الاحزاب، وايلاء أكبر الاهتمام لتوجيهات المرجعية ومطالب ساحات التظاهر حتى وان غاب صوتهما لبعض الوقت.
بيد ان الامور لن تكون بهذه البساطة نظرا لتداخل وتشابك الملفات، وتفاقم المخاطر والتحديات، فالمطلوب من رئيس الوزراء المكلف ان يهيئ لانتخابات برلمانية مبكرة خلال فترة زمنية لا تتجاوز عاما واحدا، وهذا ما يبدو غير ممكن، ليس لاسباب سياسية او فنية، وانما نتيجة وباء كورونا الذي لا يعلم احد متى سيختفي وينتهي، والمطلوب منه انهاء الوجود الاجنبي من البلاد -وتحديدا الاميركي- وهذا ما لم تلح بشأنه اي بوادر في الافق، واذا اريد له ان يتحقق، فبحكم عوامل خارجة عن نطاق قدرات وامكانيات وسلطات اي رئيس حكومة، علما ان التوجه الاميركي الظاهر، يتمثل بإعادة هيكلة وانتشار التواجد العسكري بما يجنب القوات الاميركية في العراق صواريخ "المقاومة"، والأكثر من ذلك مطلوب من الكاظمي أن يقلل من الظلال والآثار الثقيلة لوباء كورونا والانخفاض الحاد بأسعار النفط على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والحياتي العام للبلاد.
وكل ذلك في حال لم يقع الكاظمي في فخ فشل مهمة التكليف، كما وقع فيه علاوي والزرفي، فالصورة وان بدت ايجابية ومتفائلة في بادئ الامر، الا ان الوانها ومعالمها وملامحها وخطوطها لم تكتمل حتى الان.