تركيا في وحل الشمال السوري.. هل تنجح في الخروج؟
شارل ابي نادر
لا يمكن للرئيس التركي رجب طيب اردوغان اليوم، مهما صرَّح أو "صرَّخ"، ومهما هدَّد وحذَّر وحدَّد مهلًا وتوقيتات، ومهما ادعى مهاجمته لمواقع للجيش العربي السوري، أن يخفي أو يتجاوز الورطة التي أوجد نفسه فيها في شمال سوريا، والتي عليه أن يعمل في الميدان وفي السياسة والديبلوماسية، ليخرج منها بأقل قدر من الخسائر.
هذه الورطة التي يتخبط فيها الاتراك اليوم في سوريا، والتي يمكن أيضًا أن ترتبط بالملف الليبي، حيث سعى الرئيس اردوغان بنفسه لربطها، من خلال نقل مجموعة غير محددة من ارهابيي الشمال السوري الى العاصمة الليبية - طرابلس، يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
بداية، لقدتجاوز عدد قتلى الجنود والضباط الأتراك في منطقة ادلب الخمسين، اضافة الى عدد موازٍ من المصابين باصابات خطرة، كونهم استهدفوا بصورايخ القاذفات الجوية، والتي تكون عادة اصاباتها غير بسيطة، وتوزع هؤلاء القتلى بين الضربة الأخيرة في بليون التابعة لريف ادلب الجنوبي الغربي، وبين الذين سقطوا سابقا في محيط سراقب والنيرب وتفتناز خلال معارك تحرير ريف ادلب الشرقي. وهذه الخسارة الموجعة لم تحصل للجيش التركي في تاريخه الحديث، وهو الجيش الثاني بالقدرة العسكرية في حلف شمال الاطلسي بعد الولايات المتحدة الاميركية، والحساس في الموضوع أن هذه الاصابات سقطت في اشتباك مع الجيش العربي السوري، وليس خلال أعمال أمنية أو ارهابية تعرضت لها الوحدات التركية داخل تركيا أو على حدودها في العراق أو في الشرق السوري.
هذه الورطة لم تقتصر على الخسائر في جنود تركيا فقط، ولكن هذه الخسائر خلقت في الداخل التركي حالة من الغليان والغضب لا يمكن تجاوزها بسهولة. وكانت في الفترة الأخيرة قد تصاعدت حدة مواقف المعارضة لسياسة العدالة والتنمية، على خلفية التردد في العلاقة بين واشنطن وموسكو، وما نتج عنها من تدهور في العملة والاقتصاد، أو على خلفية التورط في الملف الليبي، حيث ظهرت تركيا وبشكل واضح ونافر في موقع المعتدي والمخالف للقانون الدولي. جاء موضوع التورط التركي في الشمال السوري وما نتج عنه من خسائر دموية، ليزيد من غضب الداخل، لدى المعارضة طبعًا، وربما لدى الموالاة أيضًا، الأمر الذي سوف يؤثر حكمًا على موقع اردوغان السياسي.
الأخطر أيضًا في تداعيات الورطة التركية في سوريا، أنها كشفت وعرّت وزعزَعت العلاقة بين انقرة وموسكو، فوصل الأمر حدّ تغاضي وتجاهل الرئيس بوتين الرد على طلبات الاجتماع به من قبل الرئيس اردوغان اكثر من مرة، وتوّج هذا التجاهل بضربة جوية (روسية او سورية كانت فهذا غير مهم، لانها تحمل نفس المضمون في الحالتين) لوحدات تركية أوقعت هذا العدد الكبير في صفوفها، فهذا يعتبر تدحرجًا خطيرًا في العلاقة الروسية - التركية، والتي تطورت في الفترة الأخيرة وكانت موضع تصويب واستهداف أميركي - أوروبي واسع.
ايضًا، لم تظهر مؤخرًا العلاقة الأميركية أو الاوروبية مع تركيا بأفضل حال منها مع موسكو. وقد تُرجِم هذا التأزم في العلاقة، بتجاهل واشنطن لجوء انقرة اليها طالبة دعمًا أو مساندة في ورطتها المذكورة، رغم الكلام الاميركي المعسول كالعادة، بالاضافة ايضا لموقف اوروبي بارد ردا على طلب انقرة دعم "الناتو" لدولة عضو فيها، حيث قارب "الناتو" الموضوع من ناحية أن الورطة التركية لا تدخل ضمن مفهوم المساندة، حيث لا تتعرض سيادة تركيا لخطر، بل عمليًا يمكن القول إن الأخيرة تعتدي على سيادة دولة أخرى، ومن خلال دعم مجموعات ارهابية بتعريف "الناتو" وواشنطن وروسيا وتركيا نفسها حتى.
انطلاقًا من هذه المعطيات المتعلقة بموقف تركيا الحرج والحساس، أولًا في الميدان السوري حيث فهمت أخيرًا وبعد استهداف جنودها أن موسكو لن تتهاون في دعم الجيش العربي السوري في مواجهة الارهابيين المدعومين من أنقرة، وثانيًا في العلاقة مع الحلفاء (المفترضين) أي دول "الناتو"، حيث أفهموها أيضًا أن عليها دفع اثمان كبيرة قبل حصولها على دعمهم الفعلي، ليس أقلها تخفيف مستوى العلاقة مع موسكو والانسحاب من حضنها، أو ضبط حدودها بفعالية منعا لتدفق اللاجئين السوريين نحو اوروبا،لم يبق لأنقرة الا أن تعود الى مربع التسويات والتفاهمات مع موسكو وطهران، عبر تطبيق اتفاقي استانة وسوتشي بالكامل وتسهيل سلوك التسوية السياسيةتمهيدًا لانهاء الحالة الارهابية في سوريا الى غير رجعة.