kayhan.ir

رمز الخبر: 110098
تأريخ النشر : 2020March01 - 19:50

لماذا يحارب الروس الأتراك في إدلب؟

د.وفيق إبراهيم

يشتدّ القتال الروسيّ – التركيّ في منطقة إدلب السورية، فتدعم روسيا بالإسناد الجوي والتدخل البري، الجيش العربي السوري. فيما تنخرط قوات الاحتلال التركيّ إلى جانب تنظيمات إرهابية محلية عالمية بالمباشر.

كان الرئيس التركي أردوغان يعتقد أن تحسّن علاقات بلاده مع روسيا، اقتصادياً يسمح له ببناء دور كبير في سورية انطلاقاً من احتلاله أراضٍِي سورية واسعة، وارتباط مجموعات ارهابية بقوات بلاده. هذا بالاضافة الى علاقاته بالاميركيين وحلف الناتو وحاجة الاوروبيين الى دوره المعادي للدولة السورية.

مع دعم غير مباشر من «اسرائيل» التي تعتقد ان الدور التركي في سورية كفيل بتفتيتها.

لذلك تسانده بشنّ غارات على الجيش السوري وحلفائه لدعم الجيش التركي في وضعه المتراجع، كما أن بلدان الخليج الفارسي المتناقضة معه لا تقبل بهزيمة في ادلب، وتفضل وضعية «ستاتيكو» كأمر واقع يبقي القتال مفتوحاً لاستنزاف سورية وتركيا في آن معاً.

أردوغان اذاً في وضع مزرٍ، فقواته التركية المنغمسة في القتال الى جانب الإرهابيين يسقط أفرادها قتلى بمعدلات غير مسبوقة منذ احتلالها أراضي سورية بدءاً من 2016، ويجد نفسه سياسياً من دون دعم غربي ملموس عسكرياً.

هذه الوضعية المتراجعة لأردوغان تشجع الروس على الاستفادة منها ومحاولة خنق الدور التركي في سورية الى معدل يسبق الموت مباشرة.

هناك أسباب مباشرة وأخرى كامنة تتحكم بهذا الإصرار الروسي على حسم القسم الأساسي من ادلب، واولها ان صعود الدور الروسي في سورية لا يكون إلا بقدرته على تدجين طموحات اردوغان السورية، وذلك للوصول إلى مجابهة الدور الأميركي النفطي والجيوسياسي في شرقي الفرات والتنف.

ويعتقد الكرملين الروسي أنه في سباق حاد مباشرة مع الأميركيين بتطبيق قانونهم المسمّى «قيصر» لخنق سورية بإلغاء كامل علاقاتها الاقتصادية في الداخل مع الخارج.

لذلك يعتبر الروس أن فتح طريقي أم 4 وأم 5 من حلب الى اللاذقية وحماة وحمص ودمشق، ضروري لمجابهة «قيصر» الترامبي، وذلك بفتح علاقات اقتصادية واجتماعية بين نحو عشرة ملايين سوري من الشمال في حلب حتى البحر المتوسط والحدود الأردنية والعراقية.

بالاضافة إلى أن هذا الإنجاز يعمق من الاستقرار السياسي للدولة السورية واضعاً كافة مدنها الأساسية في إطارسيادتها.

هناك جانب كامنٌ لا يتكلم به القيصر الروسي ويلاحظه الاميركيون عاملين على إجهاضه بكل قواهم، ويتعلق بالطموح الروسي الى العودة الى الإقليم. وهذا غير ممكن إلا بتحرير سورية من الأتراك والإرهاب، والدور الأميركي في سورية.

فعندما تتحرّر الحدود السورية الشمالية مع تركيا والشرقية والجنوبية مع الأميركيين يصبح بوسع الروس الانطلاق نحو العراق واليمن ولبنان الدول الخليجية والخليج، وامتداداتهم العربية والإسلامية، يبيعون سلاحهم يطوّرون اقتصادهم، يذهبون الى تركيب معادلة تشارك في حروب الاستحواذ على الغاز بما هو الطاقة الأساسية للعقود المقبلة وذلك انطلاقاً من كونها على رأس لائحة منتجي الغاز في العالم تليهم ايران وهي حليفة لهم. فيما تحتل قطر المرتبة الثالثة لكن الاكتشافات الجديدة قد تحدث تعديلات في هذه التراتبية، فهناك بلدان تأكد البحث العلمي وجود كميات هائلة من الغاز فيها، على رأسها سورية وليبيا والسعودية ومصر والجزائر واليمن ولبنان، وبلدان أخرى في أميركا الجنوبية.

ولأن الروس يربطون بين الصعود السياسي ذي الطبيعة الجيوبوليتيكية وبين الازدهار الاقتصادي فسارعوا الى عقد اتفاقات لتزويد الغاز الروسي لآجال طويلة مع الصين والمانيا واوكرانيا وتركيا.

لجهة أوكرانيا فلديها خطان، واحد لاستهلاكها الداخلي والثاني لأوروبا، وكذلك حال تركيا ويبدو أن الروس تحسّبوا لضغط تركيا عليهم في موضوع سورية باستخدام خطوط الغاز الروسيّة العابرة أراضيهم، فاستداروا نحو أوكرانيا لبناء خطوط غاز روسية إليها. فتشكل بديلاً لأي استثمار سياسي تركي في هذا الصدد.

لذلك تدخل روسيا حرب إدلب بوضوح لا يحتمل المراوغة التركية متأكداً من محدودية الدعم الأميركي – الأوروبي الخليجي الإسرائيلي لاردوغان، كما انها لم تعد تقبل بتهديدات تركيا بإلغاء اتفاقات سوتشي وآستانا. فالشرعيّة الوحيدة في سورية هي لدولتها فقط، اما الاتفاقات والمؤتمرات فتبقى ناقصة الى ان تعترف بها الدولة صاحبة السيادة.

وهذا ما بدأ يظهر بشكل علني عبر الخطاب الرسميّ السوري الذي يصف تركيا في سورية بالاستعمار.

بالمقابل يواصل اردوغان الضغط على الحلف الغربي لدعمه، ملاحظاً سقوط خطابه المذهبي في سورية. فعاد الى تأجيج اعلامي لا يردد الا أن تركيا تجابه سياسات التغيير الديموغرافي وميليشيات مذهبية مدعومة من محاور طائفية إقليمية (ايران).

وهذه من الوسائل التركية التقليدية لإثارة الفتن الطائفية في سورية لاستثمار مناطقها وتجزئتها.

يتبين بالاستنتاج ان لروسيا مصلحة فورية في تقليص الدور التركي لتقوية حليفتها الدولة السورية من ناحية وللعودة الى الإقليم من ناحية ثانية.

فهل يتجرأ الاتراك على الذهاب بعيداً في لعبة الحرب في إدلب؟

اذا استمر الدعم الاميركي محدوداً فلن يعدم أردوغان وسيلة لتفعيل الحوار مع موسكو على قاعدة تطبيق اتفاقيات سوتشي، وبقي أن تقتنع الدولة السورية بذلك.

لذلك فإن أردوغان البراجماتي يمتلك وسيلتين لحفظ ماء وجهه: الاستمرار بمناوشات مع الجيش السوري والحوار العميق مع روسيا للمحافظة على ما تبقى له من دور. وهنا يشمل بكل تأكيد محاولة نيل موافقة روسية على دور له في ليبيا الى جانب حليفه السراج. وهذا يشمل حسب الاعتقاد التركي حصة في الغاز في البحر الأبيض المتوسط.