المصالحة الفلسطينية.. مشهد أخير أم حلقة بمسلسل الانقسام
اسراء البحيصي
صيف 2017 كان الفلسطينيون على موعد مع ارتفاع حرارة الخلافات السياسية حتى تحول إلى صيف يغلي بالاضطرابات وصولا إلى الانقسام ومنذ ذلك الحين لم تتوقف مبادرات الصلح عن الطرح بدءا من وثيقة الأسرى مرورا بحوارات في عدد من العواصم العربية ثم اتفاق 2013 في مصر وحوارات في لبنان والقاهرة وموسكو ثم ظننا أن صفحة الانقسام قد طويت حين وقع اتفاق الشاطئ الذي أفرز حكومة وفاق وطني.
لكن ما لبثت تلك الحكومة إلا وتعثرت بلغز التمكين الذي لا زلنا ندور في فلكه حتى الان ليعود بعدها الانقسام السياسي الى سابق عهده انقسام في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ،بل تعدى الأمر أكثر من مجرد انقسام فقامت السلطة بمعاقبة غزة ماديا ،وبعد كل تلك المراحل وما بداخلها من تفاصيل مد وجزر تطل فصائل العمل الوطني الثمانية لتقدم مبادرة تستند على الأسس المتفق عليها في الاتفاقيات التي وقع عليها الطرفان سابقا ولكن المختلف فيها انها تحدد جدولا زمنيا للبدء في التنفيذ .
حركة حماس أبدت موافقة غير مشروطة على تلك المبادرة فرفعت اللوم عن نفسها وهي تدرك أن فتح لن تتعاطى بهذه السهولة مع المبادرة لاسيما وأن عددا من القيادات في السلطة الفلسطينية قد غردوا بمواقفهم سابقا أنهم ليسوا بحاجة لاتفاقيات جديدة ولا يرون أمامهم سوى اتفاق 2017 .
ولكن.. لماذا تتمسك السلطة باتفاق 2017 دون غيره ! وفي المقابل تتجنب حركة حماس الحديث عن هذا الاتفاق، وتؤكد أن اتفاق 2011 ومخرجات بيروت هي الأساس.
اتفاق 2017 الذي وقع في القاهرة يعالج جزئية التمكين بشكل أساسي وتستطيع بموجبه السلطة ممارسة مهامها، والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة، ما تعتبره حركة حماس تفردا مطلقا واقصاء لها وربما تكون حركة حماس في نواياها قد ندمت على توقيعه لاحقا ولكن مقتضى المرحلة في تلك الفترة وضغط الوسيط المصري والوضع السياسي قد ساهم في دفعها للتوقيع.
أما اتفاق 2011 فهو الذي تتمسك به حركة حماس وباقي الفصال لأنه يعالج كافة القضايا بذات المستوى من الاهتمام بالإضافة إلى أن كافة الفصائل وقعت عليه خلافا لاتفاق 2017.
وللخروج من عباءة الاتفاقين يأتي اتفاق الفصائل الثمانية في وقت حساس تهود فيه الأرض وتنقض المشاريع الأمريكية المتصهينة لتنهش ما تبقى من القضية الفلسطينية ويتراجع فيه الدعم العربي لصالح التطبيع مع الاحتلال ولهذا فالاستجابة لمبادرة الفصائل لم تعد بحكم الواقع اختيارية بل باتت واجب وطني في ظل حساسية المرحلة التي تعيشها فلسطين.
والسؤال الآن اذا كان الجميع يتفق على ضرورة اجراء انتخابات شاملة رئاسية وتنفيذية وتشريعية كما أعلن عن ذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر منبر الأمم المتحدة.
فمن الذي يعيق التنفيذ !
باختصار هي سياسة اقصاء الآخر وعدم الإيمان بالشراكة السياسية وتفصيل الديموقراطية على مقياس الكرسي الذي يجلس عليه الحاكمون ، فالخلل ليس في الاتفاقيات ولا في الصياغات ولا في الأيادي التي توقع عليها بل في القلوب التي لم تصف بعد والعقول التي لا تؤمن إلا بما ترى وتريد للكل أن يرى المشهد من ذات الزاوية .
القدس تهود والاستيطان يزداد والمؤامرة تتسع ولازال المسؤولون يهتفون لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة ، شعار لا يتعدى الشفاه التي تنطقه فعلى الأرض سلطتان تشريعيتان وقضائيتان وتنفيذيتان وأسس قيام دولتين تتحول لوقائع على الأرض .
فماذا أكلنا وشربنا من الشعارات!!!.