لا فُضَّ فوك يا سيد روحاني!
حسين شريعتمداري
كلمة الرئيس روحاني الاربعاء الماضي أمام الجمعية العامة للامم المتحدة كانت لسان حال الشعب الايراني المضحي. فبينما مزج العزة والحكمة والمصلحة فجعل هذه التوليفة يافطة امام العالمين تعكس حقيقة ما ينبغي وما لا ينبغي في طريق الثورة الاسلامية، اذ شرع حديثه، بعد ذكر الباري عزوجل، بحقانية دعوة الامام الحسين(ع) وإبائه للضيم، محييا الارواح الطاهرة "لجميع المنادين بالحق الذين جاهدوا وتحملوا الصعاب لاحقاق حقوقهم، وجميع الشهداء المظلومين الذين راحوا ضحية القصف والاعمال الارهابية في اليمن وسورية وفلسطين المحتلة وافغانستان والعراق وسائر دول العالم".
فتقدمة خطابه فيصلا واضحا بخطوطه العريضة بين معسكر ايران الاسلامية بسنينه الاربعين، ومعسكر قطاع الطرق بدءا باميركا والاشقياء الغربيين والعبريين والعرب، معرجا على الهوية اللاانسانية لاميركا وحلفائها. واضاف روحاني: "ان الادارة الاميركية ومن خلال فرض عقوبات عابرة للحدود وتهديد الدول الاخرى، كي تحرم ايران من مزايا المشاركة في الاقتصاد العالمي، وقد مارست قرصنة دولية عبر استغلال النظام المصرفي".
وضمن احصاء جرائم اميركا وحلفائها، وكان حديثا نابعا من اعماق قلوب الشعب الايراني باجمعه، اعرب وبشجاعة "ان الشعب الايراني لا ينسى مطلقا هذه الجرائم ولا يعفيه عليها". وفي اشارة الى واقع ملموس احرج القدرات العسكرية الاميركية وانزلها لمستوى الاكاذيب. حين قال: "ان اميركا وبعد 18 عاماً لم تتمكن من تقليل الاعمال الارهابية". والمح روحاني الى الحضور الاميركي في المنطقة واصفا هذا الحضور بالتدخل غير الشرعي والمسبب للجرائم وفي نفس الوقت اعتبر اميركا بالاحقر والاقل من ان تتمكن حل مشاكل المنطقة.
واستطرد الرئيس كلمته بتوجيه الاهانة لاميركا، ملمحا الى ان هذه الحكومة داعمة للارهابيين، قائلا:
"ان الامن في الخليج الفارسي والاستقرار في الشرق الاوسط يجب البحث عنه داخل الشرق الاوسط وليس خارجه. فقضايا المنطقة اكبر واهم من ان تتمكن اميركا منها. الادارة التي فشلت في حلحلة قضية افغانستان والعراق وسورية واسست للراديكالية والطالبانية والداعشية لن تستطيع ابدا حل القضايا والمعضلات الاكثر تعقيدا".
وخلال الاسابيع الماضية ولاسيما في اليومين الماضيين حيث كان السيد روحاني والوفد المرافق له يمكثون في نيويورك، طالب رؤساء الترويكا الاوروبية؛ فرنسا وبريطانيا والمانيا وزعماء دول اخرى خلال لقاءات منفصلة معروحاني طالبوا بجد واصرار ان يجلس للتفاوض مع الرئيس الاميركي ترامب ولو على مستوى لقاء خلال تجواله اروقة الامم المتحدة. ورغم تمسكنا باعتقادنا انه بعد البيان المشترك العدائي والمهين للدول الاوروبية الثلاث لم يكن لقاء السيد روحاني بهم لائقا بمستوى رئيس جمهورية ايران، وبمثابة اهانة للشعب الايراني، الا انه بحديثه في قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة برهن على ان السهم الاوروبي المسموم لم يصب هدفه وارتطم بالصخر حين خاطبهم قائلا: "يدعوننا الى التفاوض بينما يتهربون هم انفسهم من التفاوض، وكنا نتفاوض مع الادارة الاميركية الحالية على طاولة مفاوضات (5+1) لكنهم ضربوا بتعهدات سلفهم عرض الحائط ويصفتي ممثلا عن شعبي ووطني اعلن: ان ردنا على مقترح التفاوض في ظل الارهاب الاقتصادي هو الرفض. فقد صمد شعب ايران وحكومتها لمدة عام امام اقسى العقوبات ولن يفاوض ابدا مع عدو يريد دفع ايران الى الاستسلام باستخدام سلاح الفقر والضغط والعقوبات. وكما قال قائد الثورة المعظم، اذا تطلبون الرد الايجابي فان السبيل الوحيد للحوار هو العودة الى التعهدات اذا كانت لديكم حساسية تجاه اسم الاتفاق النووي، فعودوا الى روح هذا الاتفاق وتعهدوا بسياق قرار 2231 الصادر عن مجلس الامن. اوقفوا العقوبات لكي يفتح طريق الحوار".
وفي جانب آخر من كلمته اشار الرئيس روحاني تلميحا ورغم كونه حمل اوجه الا انه كان كلاما واضحا للخصم، اشار الى غلق مضيق هرمز ومبدأ "تصدير النفط من الخليج الفارسي اما يسمح للجميع او لا يسمح للجميع". اذا ان الاعتقاد الامني للجمهورية الاسلامية الايرانية هو حفظ السلام والاستقرار في الخليج الفارسي وتوفير حرية الملاحة وامنها في مضيق هرمز. فالاحداث الاخيرة عرضت وبشكل جاد هذا الامن للتهديد. فالأمن والسلام في الخليج الفارسي وبحر عمان ومضيق هرمز يمكن توفيره بمشاركة دول المنطقة، وكذلك ضمان نقل النفط وسائر مصادر الطاقة بحرية، مؤكدا:
"بشرط ان نعتبر الامن مظلة شاملة في جميع المجالات ولجميع الدول". مضيفا:
"ان تشكيل اي تحالف أمني وتحت اي عنوان في المنطقة بمحورية وقيادة القوات الاجنبية يعد مظهرا بارزا للتدخل في شؤون المنطقة. فالتوجه الامني تجاه الملاحة البحرية يتناقض مع حق حرية الملاحة وحق التنمية ويتسبب في مزيد من التصعيد وتعقيد الظروف وتعزيز اجواء عدم الثقة في المنطقة ويهدد امنها واستقرارها وسلامتها".
كما وقدم السيد روحاني في كلمته الاربعاء الماضي بيانا مقتضبا ولكن مفحماً وواضحاً عن مصير خطة العمل المشترك، يعكس احقية ايران الاسلامية قبال نكث اميركا للعهود، وعجز اوروبا واتباعها واستسلامها لاميركا حين قال: "ان نهج الادارة الاميركية الحالية تجاه الاتفاق النووي ليس انتهاكا لقرار 2231 فحسب بل يعتبر اعتداء على سيادة دول العالم كافة وعلى استقلالها السياسي والاقتصادي. فرغم انسحاب اميركا من الاتفاق النووي لم تزل الجمهورية الاسلامية في ايران ملتزمة ولمدة عام بتعهداتها النووية وفق الاتفاق النووي. فاحتراما لقرار مجلس الامن امهلنا اوروبا لتفي بتعهداتها الاحد عشر لتعويض انسحاب اميركا لكن وللاسف لم نسمع الا الكلام الجميل دون ان نرى خطوة فاعلة، اتضح اليوم للجميع ان اميركا تدير ظهرها لتعهداتها واوروبا تعجز عن الوفاء بتعهداتها.
لكننا وحتى قررنا تطبيق بندي الـ 26 و36 للاتفاق النووي اتخذنا استراتيجية الخطوة خطوة ولم نزل ملتزمين بالاتفاق النووي. إلا ان هناك حدودا لصبر ايران، فعندما لا تحترم اميركا قرار الامم المتحدة وحينما اظهرت اوروبا عجزها عن الوفاء بتعهداتها لن يبقى طريق غير التعويل على عزتنا وكبريائنا واقتدارنا الوطني".
وبالتالي فان حديث السيد روحاني (الاربعاء الماضي) يمتاز عن بعض رؤاه السابقة ونظرة لفيف من مدعي الاصلاح والبناء والعديد من مؤيديه، المبتلى بعضهم بفتنة 2009 الاميركية الاسرائيلية، امتيازا جادا ومساحة لا تنشغل مما يدلل على ان السيد روحاني قد راجع تلك المتبنيات والرؤى السابقة واغاض عنها، وهو مبعث امل، ان استمر بلطف الباري المنان وحلال العقد بهذه المنهجية كما اشاح عنها في خطابه وعمل على ابعاد بعض مستشاريه!...
وآخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين
وحقاً لا فُضَّ فوك يا سيد روحاني!