العقيدة القتالية لمحور المقاومة.. من الذي يقتل المدنيين حقا؟
عبدالرحمن أبوسنينة
الاتهامات الموجهة لجبهة المقاومة بقتل المدنيين والأبرياء فرية، يروجها المعسكر المتصهين لطمس وهج الانجازات الكبرى للمحور المقاوم، سيما انجازه الأكبر بتقزيم كيان الصهاينة.
فمن دولة ستمتد من النيل للفرات، الى كانتونات وحارات مغلقة محاطة بالجدر والتحصينات، وفرملته كذلك لمشروع الفوضى، والتقسيم في المشرق وغرب آسيا، ومنع قيام ماهو أسوء من الدولة المتسعودة الوهابية، أي الخلافة التكفيرية الداعشية، التي كانت بالتدريج ستشرعن التموضع اليهودي الصهيوني في منطقتنا، وأمام هذا الجهد الممنهج في تزوير التاريخ، وقلب المفاهيم فإنني مجبر بما املك من قلم، كي أقاوم عملية التزييف الشرسة لسمعة المقاومين وعقيدتهم القتالية النبيلة.
تجدر الاشارة ابتداء إلى ان المحور المتهم، وجوده على الأرض هو الأصيل، وليس له سوابق ايذاء لمحيطه، بل أن جريرته الأساس رفض الخضوع لقوى الاستكبار، بل كانوا درعا لمحيطهم، وسندا لمقاومي الاحتلال الصهيوني، بينما خصومهم مجاهرون بعنصريتهم، وتقصدهم قتل المختلف معهم.
لقد آن للشباب العربي الذي لم يقرأ التاريخ قبل جيلين على الأقل، أن يدرك حقيقة المعركة المفتوحة مع العدو، وأدواته من تكفيريين وأنظمة في خدمة أمريكا واسرائيل، من هنا: فمعركة محور المقاومة في سوريا، باعتبارها ظهيرا ومقرا لمراكمة دعم المقاومين للكيان الصهيوني في كل الجبهات، كانت لحفظ ذاك الجزء المقاوم، والمعركة الدفاعية هناك على عكس دعاية الأبواق المتصهينة المتسعودة، كانت لحفظ اطفال سوريا بل كل المشرق العربي، وإدامة فرحهم وضحكهم؛ الذي شاهدناه مجددا بمواسم الأعياد، في معظم مناطق الوطن السوري، بعد أن طرد منها التلموديين التكفيرييين، شذاذ الآفاق.
ورغم قوة اعلام خصوم المقاومة، وتمركز الثروات المنهوبة بأيديهم، إلا ان تلك الدعاية فشلت، ووقع أصحابها الذين تشرذموا في شر أعمالهم، يتهمون بعضهم بعضا، ويفضحون مكرهم، واستهانتهم بحياة الانسان وبالقيم الاخلاقية التي باعوها خدمة لسيدهم الأمريكي الذي لا يرى بقاءه بلطجيا على العالم، الا بمزيد من الدمار والخراب لمنطقتنا الحضارية، والمتابع لتصريحات مسؤولي محور ايفانكا ترامب بشقيه، والقنوات المحسوبة على الخطين يدرك ما قاموا به من فظائع، وما جروه علينا من افناء للبشر والحجر، توحش راحوا يرمون به محور المقاومة الذي لم يكن الا في حالة الدفاع عن مقدرات القوة في مواجهة اسرائيل الغاصبة، والغرب المعتدي، وهم الذين عجزوا عن كسرجبهة الحق في 2006، فاستعاضوا بالوكلاء من مجاميع التكفير والارهاب العالمي لينجزوا المهمة المستحيلة.. وهيهات هيهات..
هل هناك أبرياء يسقطون؟
ان أي مواجهة عسكرية بين طرفين، لا يمكن فيها تصفير الخسائر البشرية من الأبرياء، وهنا أتذكر أمي -رحمها الله- التي كانت جريحة بشظايا مدفعية الجيش الأردني خلال احتمائها برفقة آخرين من المعارك في مدينة الزرقاء بين الجيش والتنظيمات الفلسطينية ابان سبعينيات القرن الماضي، بالاضافة الى شقيقتي التي أصيبت بتشوه مستدام في وجهها ورقبتها بسبب خطأ طبي نتج عن ظروف أحداث (أيلول الأسود) فضلا عن آخرين من المعارف الذين جرحوا أو قتلوا وهم أبرياء (أطفال وشيوخ ونساء) ومع ذلك لا أقول أن ذلك كان مقصودا، أو أن الجيش الأردني ذو العقيدة المعادية للصهاينة يقتل شعبه، أو كان يتقصد الأطفال والنساء، كما يصر المغرضون وصف جيوش جبهة المقاومة به، وهم انفسهم من كنت أسمعهم، يبرؤون الدواعش والتكفيريين، وبعضهم بمظهر البدلة الغربية الرسمية لكن روحه تعج بالدعشنة، ويرى بأولئك مؤمنون مخلصون يستسقى الغمام بهم!
إذا هل نبرر قتل المدنيين؟
حاشا بالطبع ..، ولكن أشير هنا لبعض حقائق المعركة:
تمركز الجماعات المسلحة ومقرات قيادتها في أحياء سكنية، لمنع قصف المقرات والمعسكرات التي اتخذت من البلدات والمدن مكانا لها، ومع ذلك وبحسب متابعتي الاخبارية الحثيثة كمحرر ومذيع للأخبار، لا يتم قصف تلك المقرات مالم يكن فيها اجتماع لرؤوس الارهابيين، أو المستخدمة كغرف عمليات عسكرية، والقصف يتم بالعادة بعد ان تطلق تحذيرات، ويطالب الجيش السوري على مدى أيام من جميع المدنيين اخلاء المنطقة لكي يتمكن من تحريرها، وترسل الرسائل بالموبايل، وعلى وسائل التواصل المختلفة، وتلقي المروحيات قصاصات ورقية فوق المدن والبلدات التي ستكون محور العمليات العسكرية، ويركز فيها الجيش على المدنيين يطالبهم بالابتعاد عن مقرات المسلحين، القوات النظامية كما في الحالة السورية تبذل أقصى جهدها لتجنب الاضرار بالأبرياء، وقد تؤجل عمليات عسكرية بسبب تحصن الارهابيين بين المدنيين، وتخسر قوات نظامية بسبب هذا الاحتراز.
بينما شاهدنا الطرف الآخر يلقي بقذائفه العشوائية على المدنيين، وهناك مئات التوثيقات، بل كم من الأفلام التي صورها الارهابيون أنفسهم لعملياتهم المتوحشة من قطع للرؤوس وأكل للقلوب الآدمية، واقامة لما يقولون انها حدود الشرع، ومنها على سبيل المثال ذبح "حركة نور الدين زنكي" المدعومة امريكيا وتركيا للطفل الفلسطيني عبدالله عيسى (11عاما) من مخيم حندرات في حلب، وفوق ذلك خرج من وجوه المعارضة المتأسلمة من يبرر ويوفر المعاذير للمتوحشين!
الملحمة الوطنية السورية مستمرة منذ سنوات في مواجهة مجاميع أكثر من نصفها ارهابيون باعتراف القانون الدولي، وفيها عشرات آلاف القتلة الذين دخلوا من المطارات التركية، وهم من قتلوا السوريين، وسلخوا جلودهم، ومثلوا بجثثهم، وهم الذين أصلا يستحلون قتل المدنيين والأطفال والنساء وفق فتوى قاعدة (التترس) لابن تيمية الحراني، وطبقوها في مئات من عملياتهم.
فالارهابي التكفيري ضرره ليس على ذاته وعدوه فقط، بل كذلك على حاضنته لأنه يتمترس بها، ويدفعها للقيام بأعمال تخريبية بعد تلويث افكارهم أو باجبارهم، إذن سيسقط المدنيين للأسف في الصراع مع هذه الجماعات، وإن حرص من يجابههم، و نزعهم من مواقعهم مع ما له من آثار مؤسفة في بعض الأحيان، إلا أنه افضل من بقاءهم لانهم يملكون أدوات بسط اجرامهم، كالسرطان الخبيث، ولا يمكن اجتثاث الورم دون تعريض المصاب لأضرار صحية بسبب نوع العلاج، ما يحدث أن الإعلام المسيس الخبيث يعرض مشهد الاجتثاث والكي بالنار كانه مشهد ابتدائي لا مبرر له، فيصير الطبيب مجرم، والورم الخبيث ضحية!!
والآن دعونا نقارن بين ما يحصل في (سوريا واليمن) الذي يتعرض لقصف شبه يومي ويتم بشكل فجائي، ولمدن آمنة لا مبرر لقصفها لأنها لا تعتبر خطوط تماس عسكري مباشر، ولا تعتبر ساحة معارك، ولا يتم اخطار المدنيين قبل بدء القصف.
وضرب اليمن يتم من تحالف ادعى أن هدفه هو شرعية لم يعترف هو بها، أين هي الشرعية التي قصف رجالها الشهر الماضي بطيران نفس التحالف دعما للمجلس الانفصالي في الجنوب!؟ من يدعم تمزيق اليمن بالمال والسلاح؟ واحداث الجنوب الأخيرة شاهد صارخ.
مؤخرا وباعتراف الأمم المتحدة، قصف سجن في ذمار يضم ما يقرب من مئتي سجين محسوبين على الفصائل التي تدعم التحالف السعودي، مع ذلك قصفوا خشية أن يطلق سراحهم ضمن صفقة تبادل بين حزب الاصلاح الاخواني، وحكومة صنعاء من دون موافقة سعودية، وكم مرة سنذكر بأطفال اليمن المفتوك بهم في ضحيان وطفلات المدرسة في حي سعوان؟ وغيرهم الآلاف فضلا عن أولئك الجوعى والمعاقين..
ماذا نقول عن الحصار الحقير أيضا؟ الذي يفوق باجرامه قصف المدنيين حيث يموت الآلاف بالامراض وسوء التغذية دون رحمة، تجويع بعقلية وهابية تكفيرية ضد "المشركين" من أبناء المسلمين الزيدية والصوفية والاسماعيلية كما يصرح علماء بلاط آل سعود دون خجل، وبات يتبعهم في العلن أنصاف اعلاميين كالمدعو يوسف علاونة الطائفي البغيض.
ماذا عن البحرين المنسية الممنوعة من الحرية للأسباب الطائفية ذاتها؟ وقد وصل الحد بالمتصهينين في المنامة لارسال ثياب اعدام الشباب المعارض الملفقة لهم التهم جزافا لأمهاتهم، امعانا بحرقة قلوبهن، بينما في الوقت ذاته يرقص اتباع العصابة الحاكمة مع السياح الصهاينة أنااشيدهم العنصرية في المنامة.
في الجهة المقابلة نرى عظمة أخلاق قوات صنعاء، فرغم كل جراحاتهم وعذاباتهم لم يستهدفوا مدنيي دول العدوان، وكل اهدافهم عسكرية استراتيجية منتقاة كضربة (أرامكو في البقيق الأخيرة)، لقد ضربوا أروع الامثلة في معاملة الأسرى، باعتراف الاسرى انفسهم، حتى من الجنود السعوديين المعتدين، وأتذكر انني قابلت بصفتي الصحفية أهالي الطلبة الاردنيين العائدين من صنعاء بعد العدوان السعودي، والذين تحدثوا باكبار عن تأمين أبنائهم من قبل (انصار الله) مع أن الأردن كنظام رسمي مشارك بشكل او بآخر ضمن تحالف دول العدوان على اليمن.
المقاومون عنوان الأخلاق
لا اشك أن بروباغندا التحريض ضد (رجال الله) المقاومين ليست الا انتظاماً في مشروع الحرب الكونية على جبهة المقاومة بكل أطرافها، ولا أحد اليوم يلتزم بأرفع المعايير الأخلاقية والانسانية في التعامل خلال الحرب مع العسكريين الذين يقاتلونه فضلا عن المدنيين كجنود المقاومة؟
من ينسى تصرف قوات حزب الله الأخلاقي مع أسرى دواعش جرود عرسال؟ استمرارا لنهجه عندما انتصر على الصهاينة في كل حروبه دون ان يوجه بعد انتصاره حتى ضربة كف لأحد ومنهم عملاء عدوه، واهدى انتصاراته لكل الشركاء في الوطن، وكل أحرار العالم.
وعندما استؤمن الارهابيون في مناطق سورية اخرى، ونقلتهم الباصات الخضراء الى ادلب وغيرها، الذي غدر ببعضهم رفاق ارهابهم من التكفيريين المتنوعين، بينما شاهدنا غدرهم قبل عامين يوم فجروا المهجرين المستأمنين العزل، من اهالي الفوعة وكفريا السوريتين، وخلف الهجوم يومها أكثر من 100 قتيل و300 جريح، جلهم من الأطفال والنساء، أثناء اتفاق إجلاء للمدنيين، دون ان يرثيهم أحد من العالم الظالم.
من يتحدث عن مدنيي دير الزور المستباحين على يد داعش من قبل، ويد صانعها الأمريكي حيث سقط فيها اكبر عدد من المدنيين بسلاح شبيحة الأنجلو ساكسون الذي يستنجد بهم شيوخ النيتو؟ ما يزيد القناعة بأن المعايير المزدوجة هي المتحكمة، وأن العقوبات تجري طبقا للأهواء السياسية.
لقد اطلعت على جانب من مادة الثقافة الجهادية التي تلقى على منتسبي القوات الايرانية، وتتحدث عن ضوابط الحرب وأخلاقياتها وهي بمضمونها مفخرة لكل مسلم، يدور مضمونها حول عصمة الدماء والأعراض، وبحسب هذه النشرة التي كما علمت يدرس مجاهدو حزب الله مادة شبيهة بها، فان للحرب في الاسلام ضوابط كثيرة تقيد حركة المجاهدين، وفي الموقع الرسمي للمرجع السيد السيستاني نفس المضمون تحت عنوان نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد ومن هذه الضوابط الاخلاقية: رعاية الاسير حتى المحارب استلهاما من وصايا الامام علي بحق قاتله، استثناء الاطفال والنساء والشيوخ تطبيقا لوصية رسول الله "ص" الى امراء السرايا كما جاء في الحديث عن الامام الصادق، وحرمة الغدر والفتك وقد اعطانا الامام علي مثلا اعلى في هذا المجال عندما قال: "أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس، ألا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة الا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار"، حرمة التمثيل أو التشويه لجثث القتلى خلال المعارك.
وكان لافتا ما فعله قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني عندما ترك رسالة لصاحب المنزل الذي مكث فيه خلال قيادته لمعركة السيطرة على مدينة البوكمال، وفيها اعتذر لاضطراره المكوث بالمنزل من دون إذن، مبديا استعداده لدفع ثمن أيّ ضرر لحق بالمنزل.