هزيمة نتنياهو في الانتخابات مرجّحة إذا صوّت الناخبون العرب والروس ضدّه؟
د. عصام نعمان
حكمان ينتظرهما بنيامين نتنياهو: حكم الرأي العام في الانتخابات المقرّرة في 17/9/2019، وحكم القضاء في قضايا اتهامه وزوجته بالرشوة والإحتيال وخيانة الامانة. أيٌّ من هذين الحكمين كفيل بالقضاء عليه سياسياً. لذا يسعى بلا كلل لتفادي حكم الرأي العام بحجب الثقة عن حزبه وحلفائه في الانتخابات لأنّ بقاءه في رئاسة الحكومة يساعده على تفادي حكم قضائي بإيداعه السجن.
استماتته للبقاء على قيد الحياة سياسياً قادته إلى القيام بعدّة أعمال وأنشطة كان أبرزها مقابلة الرئيس الروسي في منتجع سوتشي على البحر الأسود بعدما انتظره ثلاث ساعات في غرفة جانبيه ! بوتين لم يتردّد في تفسير سبب مسارعة نتنياهو الى مقابلته قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات بقوله إن لا أقلّ من 1,5 مليون شخص يتحدّرون من الاتحاد السوفياتي السابق يعيشون وينتخبون في «إسرائيل».
نتنياهو طامع بنيل حصة وافرة من أصوات الناخبين الروس. هل بإمكان بوتين حملهم على التصويت له ولحلفائه؟ وإذا كان في وسعه ذلك، ما الثمن الذي سيقدّمه له نتنياهو في المقابل؟
الحقيقة أنّ ثمة خصماً قوياً ينافس نتنياهو على أصوات هؤلاء وعلى أصوات سواهم. إنه زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان الذي يتحدّر هو الآخر من جمهورية مولدوفا التي كانت أيضاً ضمن الاتحاد السوفياتي. ليبرمان كان المسؤول الرئيس عن تفشيل جهود نتنياهو لبناء ائتلاف حكومي بعد الانتخابات الأخيرة، وهو يسعى الآن الى تحقيق الغاية نفسها بالتركيز على الناخبين الروس الإسرائيليين الذين يتعاطف معظمهم مع دعوة ليبرمان الى إلغاء امتيازاتٍ يحظى بها الحريديم اليهود المتشدّدون حلفاء نتنياهو أبرزها إعفاؤهم من الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على سائر مستوطني الكيان الصهيوني.
لم يتضح بعد المقابل الذي تقاضاه بوتين لقاء استقباله رئيس حكومةٍ قد لا يفوز في الانتخابات بعد أيام معدودة. بعض المراقبين يرجّح أن يكون المقابل وعداً من نتنياهو بألا يضرب جيشه ما يعتبره قواعد لإيران في سورية موجودة على مقربة من قاعدة بحرية لروسيا في طرطوس وأخرى جوية في مطار حميميم بالقرب من اللاذقية. الدليل؟ تصريح نتنياهو بعد المقابلة بأنّ الاتصالات مع بوتين «سمحت بتفادي حصول ايّ احتكاك او تصادم بين عسكريينا».
غير انّ ثمة فئة أخرى من الناخبين تُقلق نتنياهو أكثر من موقف الناخبين الروس. إنها أكثرية الناخبين العرب الذين تمكّن زعماؤهم، بعد اختلافات وتجاذبات شتى، من توحيد أحزابهم في قائمة مشتركة. مؤسّسات استطلاع ومراقبون متعدّدون يقدّرون أنه إذا وصلت نسبة تصويت الناخبين العرب الى 65 في المئة فإنّ تحالف أحزاب اليمين والحريديم الذي يؤيد نتنياهو سيصاب بهزيمة تحول دون احتفاظه برئاسة الحكومة.
نتنياهو حاول ترهيب الناخبين العرب بحمل الحكومة على إقرار مشروع قانون يقضي بنصب كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع خلال الانتخابات. غير انّ معارضة أكثرية الأحزاب الأخرى، وفي مقدّمهم كتلة النواب العرب، أسقطت المشروع في الكنيست.
نتنياهو أدرك حراجة وضعه الانتخابي فاحتاط لردود الفعل السلبية المتوقعة من خصومه الكثر بتنظيم حملة علاقات عامة حملته الى أوكرانيا لمقابلة رئيسها الجديد، وإلى بريطانيا لمقابلة رئيس حكومتها الجديد أيضاً. كلّ ذلك للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بأنه رجل دولة على مستوى عالمي ما يؤدي الى توطيد مكانة «إسرائيل» وأمنها.
لم يكتفِ نتنياهو بجولاته الخارجية بل شفع ذلك بإطلاق تصريحات من شأنها التأثير في إدارة ترامب من جهة واجتذاب المتطرفين، وما أكثرهم بين الإسرائيليين، من جهة أخرى. فما ان شعر بأنّ ترامب بدأ يتجاوب مع الرئيس الفرنسي ماكرون في سعيه الى جمعه مع الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني حتى قام بعقد مؤتمر صحافي أعلن فيه انّ «إسرائيل» عثرت على منشآت إضافية جرى استخدمها في المشروع النووي الإيراني، داعياً المجتمع الدولي إلى الانضمام الى الولايات المتحدة و«إسرائيل» في مواجهة إيران.
المفارقة انه بعد ساعات معدودات من تصريح نتنياهو قام ترامب بالإعلان عن استعداده للإجتماع الى روحاني، بل هو ذهب الى أبعد من ذلك بإعلانه إقالة مستشاره للأمن القومي جون بولتون، العنصر الأكثر صقرية في دعم «إسرائيل» ومعاداة إيران!
إلى ذلك، قام نتنياهو بعقد مؤتمر صحافي خاص في تل أبيب تعهّد فيه بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في حال إعادة انتخابه رئيساً للحكومة.
تعهّدُ نتنياهو هذا أثار ردود فعل متباينة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. ففي حين رحّب به مجلس المستوطنات في الضفة الغربية معتبراً خطوته مهمة للغاية، قالت أحزاب المعارضة بقيادة تحالف «أزرق أبيض» إنها ترفض ان يكون غور الأردن جزءاً من دعاية نتنياهو الانتخابية. اما تحالف «المعسكر الديمقراطي» فأكد انّ أيّ عملية أحادية الجانب من شأنها تهديد أمن «إسرائيل» ومنع استئناف المفاوضات، وانه من المستغرَب انّ المشتبه فيه بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة تذكّر خطوة دراماتيكية كهذه قبل أقل من أسبوع من الانتخابات! المحلل السياسي بن كسبيت قال في صحيفة «معاريف» 2019/9/11 اليمينية انّ تعهّد نتنياهو مناورة رخيصة لأنه كان قادراً على ضمّ غور الأردن لكنه اكتفى بإعلانٍ غير مهمّ.
إلى أين من هنا؟
لا مغالاة في القول إنّ مصير نتنياهو السياسي بات رهن وجهة تصويت الناخبين المتحدّرين من أصل روسي كما الناخبين العرب، لا سيما حجم النسبة المئوية لتصويت هؤلاء. صحيح انّ النواب العرب يميلون تقليدياً الى عدم المشاركة في أية حكومة إسرائيلية سواء يمينية او يسارية، لكن دورهم شديد الأهمية لكونهم قادرين على الإسهام في عدم تمكين أيٍّ من التكتلات البرلمانية من تكوين أكثرية في الكنيست تمكّنها من تأليف الحكومة المقبلة.
هل يفعلها الناخبون العرب في 17 ايلول/ سبتمبر؟