الصين والولايات المتحدة..استراتيجية المواجهة
سماهر الخطيب
تأتي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مرتبة المناطق ذات الأهمية الحيوية، للولايات المتحدة الأميركية والتي تزداد أهميتها بالنسبة لمصالحها وأطماعها الجيوسياسية، مع تنامي المد الصيني من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية.
والعلاقات الصينية الأميركية التي تتراوح بين التقارب حيناً والتباعد أحياناً سمتها الأساسية «التعقيد» في العلاقات الدولية، تبعاً لاختلافات مصلحية كبيرة بينهما، لا سيّما على المدى البعيد.
وتختلف رؤية كل منهما للآخر، فالصين ترى ضرورة في إيجاد عالم متعدّد الأقطاب قائم على توازن القوى خالٍ من الهيمنة الأميركية تروّج له عبر مشروعها «حزام واحد طريق واحد» من جهة، وعبر تفعيل الدبلوماسية في العلاقات الدولية من جهة أخرى، في حين ترى الولايات المتحدة في صعود الصين تهديداً لمصالحها الحيوية وأمنها القومي ومكانتها في آسيا إن لم نقل العالمية..
وبالتالي، يمكننا القول إن الهدف الأساسي للاستراتيجية الأميركية في آسيا هو احتواء وتطويق الصين عسكرياً وسياسياً واقتصادياً..
وتحقيقاً لهذا الهدف تعمل أميركا في تطبيق استراتيجيتها على ثلاثة محاور:
من الناحية الاقتصادية..
أعلنت الولايات المتحدة حرباً تجارية ضدّ الصادرات الصينية وفرضت رسوماً جمركية على السلع الصينية في تبرير أنها تغزو الأسواق الأميركية والعالمية وتنافس البضائع الأميركية، بل وأكثر اتهمتها بسرقة التكنولوجية الأميركية، فكانت تلك العقوبات الاقتصادية على الشركات الصينية والمتعاملين معها.. والهدف الأول هو تحجيم الدور الاقتصادي للصين وتقليل نموها ووقف تعاظم دورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ولم تقف في المواجهة عند العقوبات وفرض الرسوم، بل توجّهت نحو عقد الاتفاقات والاستثمارات مع دول الجوار الصيني مستثنية منها الصين في مسار تظهر فيه المنافسة التجارية في أوجها التصاعدي كتوقيعها على اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيك TPP مع دول المنطقة استراليا، بروناي، كندا، وتشيلي، اليابان، المكسيك، بيرو، نيوزيلندا، سنغافورة، فيتنام واستثناء الصين منها، وكانت ترى الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية خريطة اقتصادية للقرن الحادي والعشرين.
وبالرغم من انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذه الاتفاقية في كانون الثاني من العام 2017، لكنه انسحاب لا يعني تخلّيه عن استراتيجية سلفه إزاء الصين، بل كما اعتاد ترامب ينسحب من الاتفاقات لتحسين الشروط والعودة إليها بما يضمن البند الأول في استراتيجيته، «أميركا أولاً»..
كما تحاول الولايات المتحدة قطع جميع الطرق التي تزوّد الصين بالنفط من خلال التعاون النفطي عبر الآسيوي والتي تصل مباشرة إلى الصين من خارج الممرات البحرية التقليدية المراقبة من جانب البحرية الأميركية.. ناهيك عما تبرّزه الولايات المتحدة من خطر صيني في الفضاء وتسعى لمواجهته..
من الناحيّة السياسية والدبلوماسية..
تسعى الولايات المتحدة إلى عقد الشراكات والتحالفات مع دول جنوب شرق آسيا، كالحوار الاستراتيجي الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان والهند الذي تسعى لجعله نواة لتحالف إقليمي جديد مناوئ للصين وتسعى لتوسيع نطاقه مستقبلاً..
كما أغنت تلك الشراكات المناوئة للصين بإثارة الاضطرابات إن كان في الدول ذات الأهمية للصين كـ»ميانمار»، أو داخل الصين نفسها من خلال دعم تظاهرات هونغ كونغ على سبيل المثال أو توجيه الاتهامات لها بممارسات غير إنسانية في إقليم كسينغ يانغ ذي الأغلبية المسلمة..
أما في هونغ كونغ التي باتت سيناريو آخر لـ»الثورات الملونة» بات لا يُخفى على أحد وجود المصلحة الأميركية والأصابع الأميركية في رسم مظاهراتها ومطالبها مترافقة مع ضغط اقتصادي ظهرت مفاعيله عقب زيادة وتيرة الحرب التجارية التي أعلنتها ضدّ الصين حكومة وشعباً..
أضف إلى ذلك، محاولة تعزيز الوجود الأميركي الدبلوماسي ومساعي ترامب لإيجاد حل الأزمة الكورية الشمالية وزيارات كبار المسؤولين الأميركيين إلى دول الجوار الصيني كاليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايوان، ومساعي واشنطن للعب دور أكبر في المنظمات الإقليمية حين استضافت منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
من الناحية الأمنية والعسكرية..
عمدت من خلاله إلى التحالف العسكري مع اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، وإبرام الاتفاقيات الدفاعية في إطار سعيها للحد من قوة الصين عبر تهديدات أميركية لها واتهاماتها المتكررة لبكين بعدم الاهتمام بأمن دول الجوار. أضف إلى ذلك اعتراضها على بناء الصين للجزر الصناعية في مياهها الإقليمية..
وفي الإطار نفسه، توثيق العلاقات العسكرية الأميركية مع تايوان، تلك الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءًا من إقليمها وامتداداً لسيادتها فيما ترى فيها الولايات المتحدة منصّة استراتيجية للعمليات العسكرية المستقبلية ضدّ الصين وضدّ أمنها في الطاقة.
أضف إلى ذلك، المناورات البحرية الكبرى التي تجريها الولايات المتحدة كل عام في بحر الصين الجنوبي، بمشاركة دول الإقليم، ما يعُد تحدياً مباشراً لسيادة الصين على محيطها الإقليمي. ناهيك عن العتاد العسكري والأسطول البحري الذي تحتفظ به الولايات المتحدة بشكل ثابت غرب المحيط الهادئ..
لا شك في أن استرتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين هي استراتيجية طويلة الأمد، خاصة أنها ترى فيها العدو الأكبر مستقبلاً، في ظل صعود التنين الصيني في المجالات كافة، فالصين في المنظور الأميركي وحدها القادرة على زعزعة وجودها في آسيا والمحيط الهندي، إن لم نقل في العالم ككل..
في حين، كما كانت استراتيجية الصين الهادئة والتي لا يتخطى عمرها الحديث الخمسة عقود قد استيقظ خلالها العملاق النائم على تطوّر في جميع المجالات وغزو فكري وثقافي واقتصادي وسياسي لجميع الدول سمته الأساسية تنموية في وقت رأت فيه الدول مَن يروي ظمأ عطشها للتنمية التي أنهكتها الحروب ومآسيها..