الثقة بالمقاومة... واللاثقة بالدولة!
ناصر قنديل
حدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن مسألة الثقة كأساس لتقبّل الشعب لبذل التضحيات، بالأموال وصولاً للأوراح، مقدما تجربة المقاومة نموذجاً، وداعياً الدولة إلى استعادة ثقة مواطنيها كواحدة من مرتكزات السعي لأي مواجهة جدية للأزمة الاقتصادية والمالية، سواء استدعى الأمر طلب مشاركة الشعب بالتضحيات، أو مساندة السياسات الحكومية بالتفاعل معها إيجاباً، ومنحها الوقت اللازم لتثمر. وتجربة المقاومة كما قال السيد نصر الله ماثلة أمامنا حتى اليوم، ومحورها الثقة، فالناس لا تبخل على مقاومتها بالغالي والنفيس وتبذل أرواحها إن تطلب الأمر وتتحمّل سقوط الأبناء والأحبة شهداء، وتتحمل الملاحقة بالعقوبات والأرزاق في لبنان وخارجه، والتفسير الوحيد هو الثقة، وهي ثقة مؤسسة على المصداقية.
المقارنة التي طرحها السيد نصرالله جديرة بالتوقف أمامها، في رؤية الفوارق بين حال المقاومة وحال الدولة، وسر الثقة هنا واللاثقة هناك، وهو ما قد يحتمل الكثير في المقارنات، حول مصير ما تقدمه الناس للمقاومة وكيف يعود إنجازات بالتحرير والنصر والكرامة، وما تقدمه الناس للدولة وهي تراه بأعينها عرضة للنهب والتقاسم، أو عن مصير وعود المقاومة المشفوعة بالصدق حتى صار اسمها مقاومة الوعد الصادق، ووعود الدولة العرقوبية بالكهرباء والرخاء والحلول الآتية على بساط الريح، وفرص العمل بالآلاف، وسواها الكثير الكثير والتي لم تتكشف إلا عن إحباط، بات معها كل وعد جديد مجرد كذبة جديدة للتخدير، ومنع المساءلة.
المقارنة الأدق أبعد من ذلك، وتجعل تمنيات السيد نصر الله صعبة المنال، فجوهر ثقة الناس بالمقاومة سابق لوعودها الصادقة، ولإنجازاتها، وهو سبب من أسباب كلتيهما. والتدقيق سيكشف كم هو مرتبط بالفوارق التي ترسمها الناس في وجدانها بين قيادات الدولة الآتية من الأحزاب والتكتلات الكبرى من جهة وقائد المقاومة. والمقارنة هنا هي بين قائد متنسك للقضية التي محضه الناس ثقة التفوق على ذاته والآخرين في وهبها كل شيء من حياته، بالرضا والقبول والفرح بالاختيار لمغادرة رفاه العيش إلى شظفه، والتخلي عن التمتع بكل مهابة وجاه القوة، وهو المتربّع على عرش أقوى قوة في المنطقة، إلى قبول الحياة المنضبطة بمعايير الأمن اللازمة لمواصلة المسيرة، والإصرار على بقاء كل مَن يرتبط باسمه بصلة قربى عفيفاً مترفعاً عن كل مكاسب يمكن أن تنسب لمكانة المقاومة، سكناً ومالاً ومهنة وشروط حياة معنوية ومادية، وفي الطليعة ارتضاؤه بكل فخر أن يكون بتواضعه شاكراً لله انضمامه إلى أسر الشهداء، ونحن في مثل هذه الأيام نحيي ذكرى استشهاد نجله البكر البطل هادي نصر الله.
بالمقابل يرى الناس مسؤولي الدولة يرفلون بنعم العيش وشعبهم جائع، ويتباهون بعدد السيارات وحجم المرافقات والقصور، وزينتها، وحدائقها، والخدم والحشم، والأبناء الذي يولدون وفي أفواههم ملاعق الذهب، وآخر من يتصل برابطة القربى بهم يهدد الناس بانتسابه لهذا الزعيم أو الوزير أو المدير، وأبسط الكلام، «أعرف حالك مع مين عم تحكي»، والكهرباء في قصورهم 24/24، وقد جاء بعضهم من البيئات الفقيرة وثرواته اليوم لا تكفي للحديث عنها الأصفار الستة بالعملات الأجنبية، فعندما يطلبون التضحية من الناس، لن يكونوا أفضل من أن يحاضر فاقد العفة بأهميتها.
الناس تقول للسيد: أعطنا قادة مثلك في الدولة وخذ ما تشاء من الصبر والثقة والتضحيات!