الحل في دمشق.. لماذا يتجنب اردوغان الطريق الأقصر لحل ازمته؟
تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين لكي يتدفقوا إلى أوروبا في حال لم تحصل بلاده على مساعدات كافية، ودعم أوروبي وأمريكي لإقامة "منطقة امنة" في شمال سوريا، هذا التهديد يعكس حجم الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تتعرض لها حكومته من جراء تواجد حوالي 4 ملايين لاجئ سوري.
أزمة اللاجئين السوريين في تركيا باتت أحد أبرز نقاط ضعف الرئيس أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه، وتتاكل شعبيته بسببها، وتصاعد ملحوظ في المقابل لشعبية التحالف المعارض الذي يتزعمه الحزب الجمهوري، خاصة بعد فوز مرشحه أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول قبل بضعة أشهر، وصعود نجمه كمنافس قوي للرئيس أردوغان شخصيا.
الحكومة التركية حاولت تخفيف حدة هذه الأزمة من خلال ترحيل الالاف من اللاجئين السوريين المقيمين في مدن كبرى مثل إسطنبول، وافتتحوا أعمالا تجارية فيها، إلى المدن التركية التي جاءوا منها، ويحملون بطاقات إقامة صادرة عن الأمن فيها، ولكن هذه الخطوة لم تحقق أغراضها في امتصاص حالة الغضب في أوساط الأحزاب والجماعات التركية اليمينية العنصرية المتشددة التي دفعت بعض خلاياها للاعتداء على بعض هؤلاء اللاجئين.
ما يقلق الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم حاليا عدة أمور أساسية:
الأول: مخاوفه من تدفق حوالي مليوني لاجئ سوري وغير سوري، من منطقة إدلب إلى الحدود التركية واختراقها بالقوة في ظل القرار الروسي السوري المشترك باقتحام المدينة والقضاء على الجماعات المسلحة المصنفة إرهابيا، الأمر الذي سيشكل صداعا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا للحكومة التركية، خاصة أن بعض "المتشددين" ربما يندسوا بين هؤلاء اللاجئين، واحتمال نزوعهم، أو بعضهم للانتقام من الحكومة التركية لتخليها عنهم.
الثاني: تلكؤ الولايات المتحدة في تطبيق اتفاقها مع الرئيس أردوغان الذي ينص على إقامة "منطقة امنة" بعمق عشرة كيلومترات على الأقل داخل الحدود السورية الشمالية، الأمر الذي يبدد خطط الرئيس التركي في توطين مليون لاجئ سوري فيها على الأقل.
الثالث: رفض الاتحاد الأوروبي تقديم أي مساعدات مالية جديدة إلى الحكومة التركية لتخفيف أعباء اللاجئين القدامى، والجدد، على كاهلها، فقد أكدت السيدة ناتاشا بيرتود، المتحدثة باسم الاتحاد يوم الخميس أنه جرى تقديم 6 مليارات دولار إلى تركيا تنفيذا لاتفاق جرى التوصل إليه في هذا الصدد، ولا توجد أي خطط لتقديم مبالغ جديدة.
فتح الحدود التركية إمام اللاجئين للهجرة إلى أوروبا ربما يؤدي إلى تأزيم العلاقات الأوروبية التركية المتوترة حاليا، فالأوروبيون ربما يتخذون إجراءات مشددة كرد على هذا التهديد، من بينها عقوبات اقتصادية، وإغلاق الحدود تماما مثلما فعلت الحكومة التركية بإغلاقها لحدودها في منطقة إدلب، ومعبر باب الهوى.
هناك حلول بديلة أخرى أكثر نجاعة لهذه الأزمة، ولكن الرئيس أردوغان لا يريدها، لسبب بسيط، لأن أقصر الطرق للوصول إليها هو التفاوض مع الجانب السوري، والتوصل إلى اتفاقات لإعادة توطين هؤلاء في مدنهم وقراهم، والانخراط في عملية إعادة الإعمار في سوريا.
حتى يغير الرئيس أردوغان موقفه، ويقيم قناة اتصال مع دمشق عبر الحليف الروسي المشترك، فإن أزمة اللاجئين السوريين في تركيا ستزداد تضخما وخطورة، وربما تؤدي إلى تناقص حظوظ حزب العدالة والتنمية في البقاء في السلطة، بشقيها التشريعي والرئاسي، خاصة أن تركيا تقف على أعتاب انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون عامين أو أكثر قليلا، ويواجه هذا الحزب انقسامات وانشقاقات داخلية.
إقامة "منطقة امنة" في شمال سوريا لن تحل مشكلة اللاجئين، بل ستزيدها تعقيدا، وستعرض أمن تركيا القومي لمخاطر كبيرة، لأن الجانبين السوري والروسي لن يقبلا بها وسيقاومانها باعتبارها انتهاكا لسيادة الدولة السورية.
إعادة إحياء اتفاق أضنة الموقع بين سوريا وتركيا عام 1998 هو الحل الأمثل لحل مشاكل تركيا الأمنية، فمن يقنع الرئيس أردوغان بحكمة هذه المعادلة وصوابها؟
"رأي اليوم”