kayhan.ir

رمز الخبر: 99265
تأريخ النشر : 2019August13 - 19:48

ماذا تريد اسرائيل من العراق؟

نعمة العبادي

لهذا السؤال عدد من النسخ بقدر الدول التي تريد اسرائيل اقامة علاقات معها، ومن المفترض ان تتولى كل نسخة طرح السؤال والبحث في حيثياته من زاويتها، ولهذا سيقتصر البحث في النسخة العراقية.

فماذا تريد اسرائيل من العراق وهي تسعى منذ وجودها الى ان تتحول الى وجود مقبول ثم شريك نافع، وربما حتى حليف استراتيجي للعراق بحسب تصورات البعض.

لا ياتي هذا التساؤل في سياق حديث المؤامرة او كجرعة من كورس زيادة الصمود والممانعة، بل نتيجة لرصد دقيق لجهد منظم وموجه، يتحرك بخطوط متوازية، سياسية وامنية وثقافية ودينية وتجارية وحتى ترفيهية، وتعد القوة الناعمة بمظاهرها المختلفة ابرز ادواته، ويعتمد استراتيجية الألفة عبر تكثيف مشاهد الاعتياد، والتقدم بلباس الضد النوعي المكافيء للمرفوض واعني هنا ايران، وتشتغل وسائل اعلام مثل النسخة الجديدة من الحرة عراق واسرائيل تتحدث بالعربي وآلاف غيرها على خلق نوافذ للتواصل والاتصال والمقبولية عبر نوافذ مختلفة.

فماذا تطمح اسرائيل ان تكسبه من هذا التقارب والعلاقة؟

اقدم جردة بما يتم تداوله من تفسيرات مضافا الى اجابات متصورة في البين وهي الآتي:

- ان اسرائيل تعمل جاهدة على ترسيخ شرعية وجودها في المنطقة، وتحول الموقف عنها من كيان غاصب الى دولة جارة كغيرها، وان هذه الشرعية تاتي من خلال الاعتراف اللفظي او العملي بوجودها وقبولها، لذلك فان التعاطي الايجابي العراقي معها يكسر عنها آخر اطواق العزلة وينهي مقولات آخر المعترضين ويزيد من رصيد مقبولياتها.

- ان الهاجس الاكبر الذي يؤرق اسرائيل هو الامن، فهو وجود تشعر بالقلق وعداوة محيطها، وان العراق سبق وان قاد خطابا وتوجها يقوم على ازالة اسرائيل او تدمير او الحاق الاذى بها، لذا فان ضمان اخراج العراق من دائرة العداء والمواجهة لها، يوفر لها استقرارا عميقا، ويبعد عنها شبح خطر لا يستهان به، وان وصولها الى درجة المقبولية والشراكة يعني عمليا انتهاء هذا التهديد.

- اسرائيل بلد صناعي سريع التطور وهو بحاجة ماسة للطاقة بشكل يضمن وصولها له بتدفقات ثابتة وباسعار معقولة، والعراق من اهم الدول النفطية في المنطقة، فضلا عن موارده الاخرى، لذلك فان ضمانته ضمانة مصدر حيوي وآمن للطاقة، ومع علاقات مقبولة يصبح هذا التدفق متاحا لاسرائيل.

- ان العراق بلد يشهد تزايد سكاني نشط، ومعظم سكانه من الشباب وفيه رأس مال كبير وسوق سخية مفتوحة، تعتمد كليا على الاستيراد، واسرائيل من جهتها بلد صناعي تبحث عن اسواق نشطة قريبة منها ومتناسبة مع بيئتها، لذلك يعني هذا التقارب دخول اسرائيل كمنافس قوي الى السوق العراقية، ومع فارق الجودة ستكون اسرائيل في صدارة قائمة المصدرين، وهو مطلب استراتيجي لها.

- ان اليهود عموما ينظرون بنظرة خاصة الى العراق من حيث صلته بالمقدس في رؤيتهم، وهو وارضه وتاريخه يحمل لهم الكثير من الاماكن المقدسة والمواضع المهمة، لذا فان هذه العلاقة سوف تتيح لهم الوصول الى كل هذا المقدس والانتفاع به برضا وقبول العراقيين.

- تعد ايران العدو الاكثر شرا في المنظور الاسرائيلي وان وجودا اسرائيليا على شكل علاقات طوعية وتحالفات ومقبولية يضمن لاسرائيل عدم توظيف العراق الجديد بالضد منها بناء على التأثير الايراني، كما انه يتيح لها التواجد بالقرب من ايران ليوسع الجيبولتك الاسرائيلي بحيث تكون كل اراضي الدول التي تربطها بها علاقة متاحة على نحو حرية التصرف او زيادة التمكين التي تضاعف من قدراتها في التواجد الفعلي لمواجهة اعدائها.

- ان الوجود القريب لاسرائيل يتيح لها القدرة على التصرف في المشهد العراقي وتشكيله بناء على التوجهات الاسرائيلية، خصوصا وان اسرائيل تملك من امكانات وادوات واساليب التاثير في الدول الكثير الكثير.

- تحمل اسرائيل المعبر السياسي عن اليهود رؤية ثقافية كونية للعالم والحياة، والنسق الذي تطمح ان تكون عليها مسيرة الفعاليات الحياتية للناس، وان قربها من العراق يتيح لها التغلل في مجتمع صعب الممانعة وربما يصنف الاكثر تشددا ثقافيا وفكريا تجاه اسرائيل، لذلك سيتاح لها اعادة صياغة التفكير الجمعي وفقا لرؤيتها من خلال التوظيف الذكي لقوتها الناعمة.

- ان اسرائيل الدينية والثقافية تحمل في ذاكرتها ووعيها المعرفي ادارك عن خطر حقيقي على وجودها يظهر من العراق، وان هذا الظهور مؤكدا. دقيقا، لذا فإن وجودها من قرب العراق يضمن له مواجهة هذا الخطر، وربما تفكر في شق القاعدة التي سيعتمد عليها هذا الخطر المحتمل ومحاولة ممارسة التحصين الوقائي ضد ما يحمله العراق من تهديد وجودي واعني هنا فكرة المهدي المنتظر عج.

- ان التقارب الاسرائيلي هو في حقيقته محاولة منظمة لتدمير الوجود العراقي دولة وشعبا من خلال عمليات الهدم التي سيتم تحفيزها من الداخل وفي كل قطاعات الحياة عبر خطط وبرامج معدة سلفا، وان هذا التدمير امر ضروري لتحقيق نبوءة اسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل الى الفرات.

اتمنى ان ينال هذا الرصد متابعة ونقاش النخبة وان نصل الى بلورة اجابات واعية يتم تشكيل الرأي العام على اساسها، لان بعض دعوات وتحركات التقارب تكاد تتحول الى فتنة تسحب اكبر مساحة ممكنة من الجمهور الى فلكها.