kayhan.ir

رمز الخبر: 88505
تأريخ النشر : 2019January09 - 20:10

لماذا تشاءم السيد خامنئي من الاتفاق النووي؟


صالح القزويني

عندما أبدى قائد الثورة الاسلامية في ايران آية الله السيد علي خامنئي تشاؤمه من الاتفاق النووي بعد التوقيع عليه في عام 2015، تفاجأ الذين روجوا للاتفاق على أنه العصا السحرية التي تحل مشاكل البلاد من موقف السيد خامنئي، ويبدو انهم ما كانوا يظنون أن يعلن المرشد الأعلى للثورة عن موقفه بهذه الصراحة.

سأخوض في أسباب تشاءم المرشد من الاتفاق النووي، ولكن قبل ذلك أود الاشارة الى حقائق ربما غابت عن بعض المحللين السياسيين..

الأولى: وهي الأهم، أن موقف السيد خامنئي بيّن بشكل واضح زيف المزاعم والادعاءات التي تقول انه الآمر الناهي الوحيد في ايران ولا يحق لأحد الاعتراض عليه أو العمل بخلاف موقفه ورأيه.

أعداء الثورة الايرانية طالما زيفوا الحقائق ولكي يشوهوا صورتها في اذهان الجميع وجهوا شتى الاتهامات لها ومن بين الطعنات التي وجهوها لها انهم وصفوا قائدها بالديكتاتور والمستبد، بينما هذا الموقف ومواقف أخرى تبين أنه أحيانا لديه رأي مغاير لرأي السلطة التنفيذية أو سائر الأجهزة التنفيذية والتشريعية ولكن مع ذلك يسمح بتنفيذ القرار الذي توصلت اليه، رغم يقينه أن قرارها غير مثمر ولن يؤدي الى شيء.

الثانية: أن ايران دولة مؤسسات وليست حكومة الفرد والقرارات الفردية، ومثل قضية السيد خامنئي تجاه الاتفاق النووي وقعت قضية أخرى في عهد الامام الخميني، فيقال أنه خلال الحرب العراقية-الايرانية طلب استهداف أول سفينة حربية أميركية قدمت الى مياه الخليج الفارسي، غير أن بعض المسؤولين الايرانيين آنذاك لم ينفذوا هذا الطلب، وفيما بعد كشف مسؤول أميركي حيثيات الموضوع وقال، إن ادارة البيت الأبيض قررت ارسال هذه السفينة لتجس نبض الايرانيين، فاذا استهدفوها فلن يرسلوا بعدها أية سفينة، واذا لم يستهدفوها فانهم سيرسلون المزيد من السفن الحربية الى المياه الخليجية.

وتجدر الاشارة هنا الى أن الدستور الايراني خول قائد الثورة اتخاذ القرارات السيادية، فاذا اتخذ قرارا سياديا فعلى كافة الأجهزة الحكومية المعنية تنفيذه، لذلك ينبغي التمييز بين القرار السيادي والنصيحة وغير ذلك.

الثالثة: إن موقف المرشد بيّن مدى شجاعته في الاعلان عن آرائه، وهذه من أبرز الصفات التي ينبغي على كل قائد أن يتمتع بها، ففي الوقت الذي كان فيه عدد كبير من المسؤولين الايرانيين يدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن الاتفاق النووي واستطاعوا بدفاعهم هذا ايجاد موجة تأييد شعبية واسعة له؛ فان ابداء موقف آخر معاكس لهذه الموجة يتطلب شجاعة كبيرة.

الرابعة: هذا الموقف بيّن مدى بعد النظر الذي يتمتع به المرشد الأعلى، فعلاوة على شجاعته في الاعلان عن توقعات ربما لن تقع بتاتا أو يقع المغاير لها؛ فان هذا الموقف يبين مدى بعد النظر الذي يتمتع به.

وفيما يتعلق بالسؤال الذي توّجت به المقال، فان القدرات النووية الايرانية كانت ولازالت مجرد ذريعة للضغط على ايران من أجل تحقيق غايات وأهداف أخرى، وطالما أعلن المسؤولون الاميركيون والأوروبيون عن مآخذهم على طهران وطلبوا منها الانصياع لما يريدون، ولما رأووا انها لا تستجيب وجدوا في القدرات النووية خير ذريعة لارغامها على الاستجابة لما يريدون، ففي الوقت الذي يسمحون فيه لايران بابقاء برنامجها النووي فانهم سيطالبوها بالاستجابة لمطالبهم.

طهران كانت تدرك ماذا يريد الغرب وخاصة واشنطن منها لذلك خيرتهم بين أمرين، هما أن يتفاوض الغرب مع ايران بشأن كل القضايا موضع الخلاف أو التفاوض بخصوص البرنامج النووي دون غيره، آنذاك قدم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي حزمة كاملة لمواقف ايران من كافة القضايا وبدأت المفاوضات على هذا الأساس ولكن عندما رأى المفاوض الغربي أنه لا يمكن أن يستجيب لمطالب ايران خاصة أنها تتعلق بالكثير من القضايا ومن بينها الاحتلال الاسرائيلي لذلك فانها فشلت ولم تحقق أي شيء.

عندما وصل الرئيس روحاني للسلطة بدأ الحديث من جديد عن المفاوضات وتوسطت سلطنة عمان في الموضوع، غير أن طهران حددت استراتيجيتها تجاه المفاوضات فرفضت منذ البداية ربط أية قضية أخرى ببرنامجها النووي، وعندما تعهد الغرب بعدم بحث اية قضية أخرى الى جانب الاتفاق النووي وافقت طهران على التفاوض بهذا الشأن، وانتهت المفاوضات بالتوقيع على الاتفاق النووي.

طهران كانت منذ البداية واضحة، بينما الغرب كان منقسما فجزء منه كان صادقا واعتبر الاتفاق النووي قد حقق ما يريده وهو تقييد القدرات النووية الايرانية، اما الجزء الآخر والذي اصطف الى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب فانه يعتبر الاتفاق النووي لا يحقق ما يريده.

أميركا والدول التي تصطف الى جانبها تريد من طهران الانصياع الكامل لما تريده بما في ذلك تغيير سياستها تجاه اسرائيل وتجاه بعض دول المنطقة والحد من قدراتها العسكرية وخاصة القدرة الصاروخية.

قائد الثورة الاسلامية طالما أعلن أن الاستكبار العالمي لن يتوقف عن ممارسة الضغوط على ايران حتى تغير من سياستها خاصة تجاه اسرائيل وما القدرات النووية الايرانية وحقوق الانسان والقدرات الصاروخية إلا مجرد ذرائع لتحقيق تلك الغاية الكبرى وهي تركيع ايران.