kayhan.ir

رمز الخبر: 63869
تأريخ النشر : 2017September24 - 21:44

ترامب والتوطين: ماذا وراء الضغط الأميركي على لبنان؟


حمزة الخنسا

لم يأتِ خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مفاجئاً للكثير من متابعي أداء الرئيس المثير للجدل. لكن الاداء الأميركي تجاه لبنان، خصوصاً بعد انتصار الجيش والمقاومة على الإرهاب، يطرح أسئلة عمّا يريده ساكن البيت الأبيض من بلد الأرز، وفي أي سياق إقليمي يريد توظيف ضغطه المتزايد؟ في الآونة الأخيرة، سُجّل العديد من الإشارات الأميركية المُعلنة والمستترة، والتي تشي بأن في فم "العمّ سام" كلاماً جديداً. التحذيرات الأمنية المتلاحقة التي أصدرتها السفارة الأميركية في بيروت تنبّه فيها من "تهديدات مستمرّة لمواقع مختلفة في لبنان"، أعقبت كلاماً خلف الكواليس تناقله مقرّبون من الرئيس سعد الحريري، بعد انتهاء معارك الجرود وعرسال، ومفاده أن لبنان لا زال ينعم بغطاء دولي يحيّده عن أية ارتدادات أمنية.

الكلام نفسه حرص المقرّبون من دائرة بيت الوسط على إشاعته فور عودة الرئيس الحريري من زيارته الروسية، أيضاً. الحديث عن قرار دولي بتحييد لبنان عن أية هزّات أمنية أو موجات فوضى، مرتبط بترتيبات المسرح الإقليمي تحضيراً لمرحلة ما بعد داعش في سوريا والعراق. غير أن ثمة مَن بدأ يشعر على الملعب الإقليمي بأن "حاجة لبنان للغطاء" لم تعد تعطي مفعولها المعتاد لناحية "تخويف" بعض القوى المحلية، أو لناحية حثّ بعضها الآخر على استثمارها في السياسة الداخلية.

هذا الشعور تنامى بشكل تدريجي، وتصاعد في ظل موازين القوى الجديدة التي أفرزها انتصار الجيش والمقاومة على الإرهاب. الإجماع اللبناني في الردّ على خطاب ترامب في الأمم المتحدة، خفّف من وطأة "العرض" الذي قدّمه من أجل توطين النازحين في دول جوار سوريا، وعلى رأسهم لبنان الذي يستقبل العدد الأكبر منهم. العرض تضمّن توطيناً تدريجياً، وإغراءات مالية تحت بند "المساعدات".

في الترجمة الرسمية لكلام ترامب، والذي نشرته السفارة الأميركية في بيروت، يقول الرئيس الأميركي "نسعى الى اتباع نهج بالنسبة لإعادة توطين اللاجئين يهدف إلى مساعدة هؤلاء الأشخاص الذين يعاملون معاملة شنيعة، ويتيح لهم العودة في نهاية المطاف الى بلدانهم الأصلية ليكونوا جزءاً من عملية إعادة الإعمار". أضاف ترامب: "مقابل تكلفة إعادة توطين لاجئ واحد في الولايات المتحدة يمكننا تقديم المساعدة لأكثر من 10 لاجئين في منطقتهم الأصلية". المصطلح الإنكليزي الذي استخدمه ترامب للتعبير عن "إعادة التوطين" هو "resettlement"، وتترجم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "unhcr" المصطلح بـ"إعادة التوطين في دولة ثالثة، أي انتقال اللاجئين من دولة اللجوء (وليس من الدولة الأم) إلى دولة يعيشون فيها ظروفاً أفضل".

إعادة توطين النازحين السوريين صار بعد خطاب ترامب، سياسة أميركية في طور التنفيذ بعدما كانت إلى الأمس القريب، نوايا تحملها التقارير على شكل تسريبات، تعامل معها قسم من الطبقة السياسية اللبنانية بخفة، ومن زاوية "المنفعة الاقتصادية والمصلحة السياسية". اليوم، لم يعد هناك مساحة لفكّ الارتباط بين خطاب ترامب والتهوّر الأميركي في المنطقة الممتد بين إيران وكوريا الشمالية وما بينهما.

ردّ الرئيس ميشال عون، من المنبر نفسه، جاء جازماً وحاسماً. لكن حسابات إدارة ترامب تنظر إلى الأمر كسلّة واحدة. تتعاطى مع لبنان المنتصر على الإرهاب بفعل التكامل بين الجيش والمقاومة، على أنه "ساحة إيرانية متقدّمة"، وفي سياق المواجهة التي فتحتها إدارة ترامب مع إيران من بوابة الاتفاق النووي، "تُسخّن" الأجهزة الأميركية المختلفة الساحات التي تعتبرها مرتبطة بإيران. بصفته هذه، فإن الضغوط الأميركية على لبنان - بأشكالها المختلفة - مرشّحة للتزايد في هذه المرحلة. تريد الإدارة الأميركية من إيران أن تدفع الأثمان، تماماً كما جعلت السعودية تدفع مئات المليارات ثمن "الغطاء الأميركي". اليوم، ترى إدارة ترامب أن على طهران أن تدفع حساب انتصار خيارها في سوريا. تحتاج أيضاً أن تُدَفّع إيران ثمن الحفاظ على الاتفاق النووي. يتابع ترامب يومياً عشرات التقارير التي تتحدّث عن عقود تجارية واقتصادية ونفطية بمئات المليارات من الدولارات بين إيران وشركات كبرى أوروبية وآسيوية، فيما الشركات الأميركية خرجت من الاتفاق النووي كالخارج من "المولد بلا حُمّص". لبنان المنتصر على الإرهاب والمقبل على استدراج عروض استخراج ثروته النفطية، محطة متقدّمة لمقارعة إيران المنتصرة خياراتها الكبرى في سوريا والعراق واليمن، والتي تستدرج عروضاً سخية أمّنتها لها ورقة الاتفاق النووي.