kayhan.ir

رمز الخبر: 6151
تأريخ النشر : 2014August31 - 20:34
حزب الله في تطرفه واعتداله

أزمة الخطاب الطائفي المعاصر

هادي قبيسي

أخرج حزب الله الوضع العربي من احباطه المديد بانتصاره على اسرائيل وتحرير جنوب لبنان. غير أنه لم يستثمر هذا الإنجاز التاريخي بالمدى والسعة الممكنة، لاعتبارات يراها ذات أولوية، تتعلق بالتوازن اللبناني واستحكام النظام العربي القائم على أساس نظرية الهزيمة الحتمية.

يعد ذلك وجهاً من وجوه التطرف، حيث ذهب الحزب إلى الحد الأقصى في التنازل لصالح التركيبتين اللبنانية والعربية، دون الأخذ بعين الاعتبار مخاطر هذا الإحجام عن الاستثمار في ثقافة المقاومة.

خصوم وأعداء منطق المقاومة، من غربيين وعرب، استشعروا الخطر نتيجة هذا التطرف، الذي لم يترك فرصة لزرع الشقاق بين المقاومة من جهة واللبنانيين والعرب من جهة أخرى. يعتبر البعض أن المقاومة لم ترتكب أي خطيئة تبرر قدوم الإرهاب التكفيري إلى سوريا لمحاصرتها، لم تستفز أحداً ولم تحاول الاستيلاء على لبنان، لكن خفي عنهم أن مناقبيتها وتعاليها منشأ الخطر في عين الخصوم والأعداء.

مشكلتهم تكمن في الصورة الإنسانية للمقاومة، في تعاليها عن الطعنات الآتية من الخلف، كما في 13 أيلول 1993 مثلاً، عندما قتل نساؤها ورجالها المعتصمون ضد اتفاقية بيع فلسطين، مشكلتهم في نزاهتها وتخليها عن المكاسب السلطوية والمالية التي عرضت عليها مقابل التخلي عن الهدف. الصورة هذه عندما توضع قبالة صورة الأنظمة العربية الخائبة والتابعة، ومقابل الحركات الوصولية، ستشكل تهديداً لشرعيتها وجدواها، لذلك كان لا بد من استقدام القوى المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي وتفعيلها بعناوين طائفية، بالاستفادة من الأزمة العراقية 2003 واغتيال الحريري 2005، لدفع حزب الله إلى الاستفزاز الأقصى، لكنه حافظ على توازنه.

شكلت لحظة المتغيرات الكبرى وسقوط الأنظمة فرصة لتفعيل أكثر سعة وعمقاً لحركات التطرف، إلا أن كل ما حصل منذ ثلاث سنوات حتى الآن لم ينجح في الخروج بخطاب طائفي واحد من منبر المقاومة. الخطاب الوحدوي للمقاومة في هذه الظروف يعتبر الأكثر خطراً، وأي لغة يمكن أن تجمع أشتات المجتمعات العربية والإسلامية تحت راية المقاومة، يتعامل معها العرب والغرب على أنها تهديد استراتيجي ينبغي مواجهته بأي وسيلة.

لا ينبغي أن نفاجأ من حجم الخطاب التحريضي ضد المقاومة رغم صمتها وصبرها وهدوئها، ففي هذا الهدوء والتواضع والترفع يكمن كل الخطر على منظومة الهزيمة الحتمية، وكل ما زاد هدوء المقاومة زاد الخطاب التحريضي ايغالاً وتوتراً.

تفعيل حركات التطرف أعاد المحور الغربي – العربي إلى نقطة الصفر، فهذه الحركات الهمجية التي جعلت من المقاومة خصماً لها وعدواً، أظهرت تمايز الأخيرة وتعاليها في مقابل وحشية الوهابية ولا إنسانيتها، وهذا ما سيعيدنا إلى نقطة الصفر.