kayhan.ir

رمز الخبر: 5506
تأريخ النشر : 2014August19 - 21:36

من “الدولة الرخوة” إلى “الدولة القوية”

محمد صابرين

يفاجئك مهاتير محمد وهو ينهى مذكراته التى حملت عنوان "دكتور في المنزل” بأمرين على درجة كبيرة من الأهمية، أولهما: أن الديمقراطية يجب أن تمنع "القائد السييء” من البقاء فى السلطة، وثانيهما: أن الناس بحاجة إلى "قادة أقوياء” لقيادتهم للخروج من المستنقع، والمدهش أن الأمرين ينطبقان على الحالة المصرية،

وبعقل بارد لقد أوصلنا محمد مرسي وجماعته إلى الفوضى برفض إجراء انتخابات مبكرة، وتمسكه بالحكم دون العودة إلى الشعب، (وبعدها توالت) الأمور، والثانية أن المرحلة والمنطقة وأحوال مصر تتطلب رئيسا مثل عبدالفتاح السيسي، والأرجح أن مشروع الرجل هو قيادة مصر والمنطقة من المستنقع، وبالذات فى الداخل (حيث يبدأ كل شيء) من دولة مبارك الرخوة الغارقة فى الفساد والاستبداد، إلى "الدولة القوية، ولكن بمفهوم الدولة القوية بشعبها وتلاحم الناس مع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، والأهم بدولة لا تخير مواطنيها ما بين الخبز والحرية، كما أنها دولة تتسع للجميع، وليست دولة "جزيرة معزولة من الثراء فى محيط واسع من الفقر”، إنها دولة تلهم "المحرومين” و "المهمشين” بأن أحلامهم ستتحقق قريبا، وبأنهم شركاء فى الوطن، بل إنها دولة قوية فى محيطها "تملك قرارها”، وتؤثر في عالمها، ويتطلع الآخرون إليها لأنها "دولة نموذج”، بل قصة نجاح على ضفاف النيل، دولة يتغنى بها ولها الشعراء، ويتلهف للمشاركة فيها رجال الأعمال والشركات، كما يحلم الفنانون والأدباء والرياضيون بزيارتها وتملك منزل جميل بها، إنها دولة يتحاكى الإعلام ومراكز الأبحاث عن "سر معجزتها”!!..

إذن هل هناك بديل آخر؟!.

وأغلب الظن أن أحوال مصر ليست خافية على أحد، ومن هنا فإن الضرورة تستدعى محاولة تلمس تجارب الآخرين، ومن هنا فإن عالم الدراسات الاجتماعية السويدى "جونار ميردال” فى كتابه "الدراما الآسيوية: بحث فى فقر الأمم” يحدثنا عن دور الدولة القوية القادرة على إنفاذ قراراتها من أجل تحقيق التنمية وفرض القانون والنظام، مميزا لها عن "الدولة الرخوة” التي سادت معظم البلدان الآسيوية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان حال آسيا محكوما بالفشل، وعدم التقدم من وجهة نظر ميردال، وعندما تغير حال الدولة الآسيوية نشاهد الآن نموا مطردا فى ظاهرة "النمور الآسيوية”.

وبالعودة إلى مصر فإنها عانت من مؤسسات ضعيفة، وجهاز بيروقراطي مترهل، وحكومات تمطر المواطنين بوعود وبرامج، لكنها عاجزة عن التطبيق وتحسين "جودة الحياة”، ولقد شهدنا حكومات "الأيدى المرتعشة” سنوات طوالا، وفى السنوات الأخيرة بصورة سافرة! والآن نحن نشهد صراعا ما بين "الجمود والتخلف” الذى يُعلى من مصالح "الجماعة الإرهابية” واستمرارها بتحالفاتها المريبة مع الخارج من جهة، ومشروع "استعادة الدولة” وبناء "الدولة القوية” المستقرة والمزدهرة.. إنه صراع ما بين "التقدم” والجمود.. إنه صراع لا تقدم فيه جماعة الإخوان وجماعات الإرهاب سوى مشروع "الموت” عنوانا رئيسيا، وقتل المخالفين، وعدم إفساح الحياة أمامهم، وبدلا من الدولة المنفتحة المتسامحة فإن ما يتم تصديره للعالم الآن هو "دولة قطع الرءوس”، والعودة إلى وحشية القرون الوسطي. وبعدما كانت "ديار الإسلام” هي ديار الأمان للخائنين والمضطهدين، ودار الإبداع والتسامح والاحتفاء بالتقدم، فإن "طيور الظلام” الجديدة تقدم صورة سيئة للإسلام والمسلمين، ولا تقدم مشروع "الإسلام الحضاري” الذى أسهم فى رقي البشرية وتطورها، وعمارة الأرض!.

والآن فى اللحظة التى لاتزال فيها قضية الإخوان وأخواتها تفرض نفسها على المشهد السياسى فى مصر، فإن محمد شومان يقدم رؤية جيدة لتفسير السلوك السياسى لـ "إخوان مصر”، ولعل ما يطمئن فيها أن حالة الإنكار والتشدد والإخوان حيال "خريطة الطريق” ونظام السيسي، آخذة فى التراجع، لأنها غير جاذبة لجماهير الإخوان، ولا تؤثر أصلا فى غالبية الشارع الكاره لهم، ما يؤكد ضرورة أن يراجع الإخوان حساباتهم، وأن تبادر الدولة بتقديم مخرج، أو فرص لاحتواء وإدماج المعتدلين فى صفوفهم ضمن النظام السياسي، وحصار وتهميش المتشددين.

وأغلب الظن أن حركة التاريخ تسير دائما إلى الأمام، ولقد أخذ الإخوان فرصتهم فى حكم مصر وضيعوها، والآن عليهم أن ينظروا داخلهم طويلا لمعرفة لماذا خسروا الشعب، وليس لماذا "خسروا السلطة”، أما على الجانب المقابل فإننا بحاجة لكى لا يضخم البعض من "فزاعة الإخوان”، خاصة أنهم فى حالة تراجع، و "خسارة الشارع”، وأن تتنبه الدولة وهى تبنى مشروعها الجديد، لما يحذر منه شومان من أن توضع "فزاعة الإخوان” لعودة الدولة البوليسية، ولتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، وتبرير أى فشل أو إخفاق حكومي، فالإخوان ـ بحسب الخطاب الرسمى والدعائى هم وراء كل المشكلات الحالية.

ويبقى أن الارتياح إلى تحميل القوى المناوئة بكل المشكلات والأزمات من أسهل الأمور، إلا أنه ورغم الإقرار بخطورة التهديد الإرهابى لجماعة الإخوان وأخواتها، فإن "النخبة الحاكمة” مطالبة بتقديم "البديل الناجح”.

وهنا مما يستوقف النظر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقدم "الأفعال” على الأقوال، سواء بمشروع قناة السويس الجديدة، أو تنمية منطقة القناة، أو من خلال "تقوية المحور المصرى السعودي”، والتقارب الشديد مع الإمارات والكويت والجزائر، أو "التحركات المدروسة بعناية” تجاه روسيا، واستغلال أزمة روسيا والغرب لانتهاز الفرص التى أتيحت، وتبقى الحالة المصرية مرهونة بالقدرة الى الاقتراب بسرعة من الدولة القوية، والابتعاد عن "الدولة الرخوة”، وهذا مشروع السيسي وتحديه.