kayhan.ir

رمز الخبر: 186600
تأريخ النشر : 2024April23 - 20:30

تضليل وحقائق… كيف تُدار الحروب إعلامياً؟ 

 

د.حسن مرهج

 د. حسن مرهج

لا شك بأنّ الإعلام يُعدّ قوة عظمة وسلاحاً ذو تأثير وفاعلية، ولا يمكن في هذا الإطار الاستهانة بالإعلام كـ سلاح تُدار به الحروب، ويتمّ توجيهها بما يناسب القوى العظمى، وهذا ما ترجمته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت حين قالت بأنّ شبكة «سي أن أن» الأميركية هي العضو السادس دائم العضوية في مجلس الأمن، لما لها من تأثير على إنتاج المعلومات ونوعيتها وطريقة عرضها وتوقيت عرضها. نتيجة لذلك فإنّ من يمتلك المعلومة يمتلك سلاحاً نافذاً، ومن يمتلك الإعلام يمتلك قوة التأثير، لذا غالباً ما تسعى القوى الثورية في أي دولة للسيطرة على مباني الإذاعة والتلفزيون؛ كأولوية للثوار لتغيير نظام الحكم وفرض السيطرة على عملية تدفق المعلومات.

كثيرة هي الحروب التي أُديرت إعلامياً، كـ الحرب في العراق إبان الغزو الأميركي، وتالياً الربيع العربي، ومن ثم الحرب على سورية، إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وصولاً إلى حرب غزة، فالقاسم المشترك بين كل تلك الحروب، أنها أُديرت إعلامياً من قبل كبرى المؤسسات الإعلامية، وبعضها نجح إلى حدّ ما في تغيّر المعطيات العسكرية كالحرب في العراق، لكن الحرب الروسية في أوكرانيا والحرب في سورية، فقد تمّ التصدي للإعلام الغربي وحتى بعض الإعلام العربي بشتى الطرق، وتمّ تشكيل رأي عام لطبيعة الحدث في سورية أو الحرب في أوكرانيا، واليوم فإنّ الحرب في غزة، تُميط اللثام عن سلاحاً خطيراً قادراً على تغيّر الحقائق وقلب المعطيات، فضلاً عن إمكانية هذا السلاح في التأثير على الرأي العام، وتصوير الضحية على أنها الجلاد، والعكس صحيح.

الحرب على غزة كان الإعلام الغربي هو المارد المسيطر على مصادر المعلومات ونوعيتها وتوقيت عرضها، وهنا علينا الحذر أو حتى التساؤل حول مدى مصداقية المعلومات المطروحة من قبل الإعلام الغربي، لا سيما أنّ تدفق المعلومات في العالم تسيطر عليه أربع وكالات أنباء غربية، إذ تنتج نحو 85 في المائة من مجموع المواد الإعلامية المتدفقة للعالم، فوكالة أسوشيتد برس الأميركية تنتج 17 مليون كلمة في اليوم الواحد، ووكالة يونايتد برس الأميركية تنتج 11 مليون كلمة يومياً، ووكالة رويترز البريطانية تنتج 10.5 مليون كلمة يومياً، ووكالة الصحافة الفرنسية تنتج 3 ملايين كلمة يومياً، لكن في مقابل ذلك فإنّ كل الإعلام العربي والخليجي لا يكاد ينتج بضع كلمات تتعلق بالحرب على غزة كـ مثال، وهذا الأمر يعدّ نجاحاً للغرب وللصورة «الإسرائيلية»، وفشلاً لحماس، لكن التساؤل هل الإعلام العربي لا يمتلك أدوات التأثير في تلك الحرب؟ وهل الاعتماد على صورة الفلسطيني الأعزل والجائع قادرة على استعطاف الشعوب الغربية؟

بناء على ذلك فإنّ للإعلام قوة للتأثير، ولديه قوة للتضليل وتزييف الوقائع والتلاعب بالعقول، وهنا يمكننا تسمية هذا الأمر بـ عمليات نصب معنوي على الرأي العام أو جمهور المتلقين، لتمرير عبارات ومصطلحات ومضامين فكرية تكرِّس لمصالح معينة، كما يحدث تماماً في الحرب على غزة، عبر تشويه صورة الفلسطيني، وقلب الصورة عبر وضع الإسرائيلي في موضع البريء، وهنا بكلّ تأكيد فإننا نتعاطف مع كلّ المدنيين، لكن لا بدّ أيضاً من إظهار الحقائق بسياقها الرئيسي دون تضليل، لكن ما يحدث في الإعلام الغربي وبعض العربي منه تجاه الحرب في غزة، هو نوع من أنواع بيع الوهم في ما يتعلق بتوزيع الأخبار ونشر الأفلام الدعائية التي تخدم مصالح محددة.

وفي سياق الحرب على غزة، وانتشار النار في بعض دول الإقليم الداعمة للفلسطينين، ومع تمدّد الحرب بين إيران و»إسرائيل»، فإنّ ما حدث لجهة الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، والردّ الإيراني في العمق الإسرائيلي، ليأتي لاحقاً الردّ الإسرائيلي في العمق الإيراني، بحسب ما أُذيع، فإنّ كلّ ذلك كان يُدار من قبل وحدة التأثير الاستراتيجي التي أُنشئت أميركياً، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية، وذلك لإمداد بعض الصحافيين في الشرق الأوسط برسائل محددة ومعلومات تتوافق مع سياستهم، وبينما تبدو هذه المعلومات محايدة لكنها نتاج أجندة محددة تستخدمها العقول المستهلكة للمعلومات. ولأنها تركز على أمور معينة وتتجاهل أخرى وتشوه ثالثة فقد تعمل كأسلحة تضليل شامل.

الحدث الأبرز في الشرق الأوسط في هذا التوقيت، والذي من خلاله تدار معركة إعلامية تكاد تكون بأهمية العمليات العسكرية، هي الحرب في غزة وما يرتبط بها من دعم إيراني سوري يمني عراقي لبناني، وربطاً بذلك فإنّ الإعلام بكلّ منافذه، الإذاعة والتلفزيون والصحف ووكالات الأنباء ووكالات العلاقات العامة وشركات الدعاية والإعلان، يقف من ضمن أدوات وأسلحة السيطرة جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية والحرب، وعليه فإنّ التغطيات الإعلامية التي رافقت هذه الحرب على مدى الشهور الماضية، نجحت إلى حدّ ما في قلب الحقائق، لكنها لم تنجح في تغيير المعطيات، بمعنى أنه تمّ التصدي للإعلام الغربي، عبر نُخبة من كُتاب الرأي والتحليل السياسي لايضاح الحقائق، وتالياً كان هناك دور للصحف والمواقع التابعة لمحور المقاومة، والتي بدورها تصدت باقتدار لمحاولات الإعلام الغربي بتشويه الحدث الفلسطيني، ليأتي بعد ذلك دور الصورة ونقلها عبر القنوات الإعلامية والتلفزيون وحتى القنوات التي تتعاطف مع الحدث الفلسطيني، وعليه فإنّ كلّ ما سبق مجتمعاً كان له الدور الأبرز في تفنيد الحقائق، ودعم الشعب الفلسطيني في إيصال صورة معاناته الحقيقية إلى شعوب العالم.