kayhan.ir

رمز الخبر: 128187
تأريخ النشر : 2021March08 - 20:10

الامام الكاظم (عليه السلام) المبدأ، الفكر والتضحية


يمثل الامام الكاظم (عليه السلام) مدرسة متكاملة في دنيا الانسان في العلم والمعرفة، والصبر، وجهاد النفس والكلمة.

لقد كان عصره زاخرا بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية، والاجتهادات الفقهية، ومدارس التفسير والرواية.

كانت تلك الفترة التي عاشها الامام الكاظم (عليه السلام) من اخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد والزندقة، ونشأ الغلو، وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وافكار اعتقادية شتى، وتعددت مذاهب الفقه، ودخلت علوم عديدة في استنباط الاحكام واستخراجها، كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة.

وحابى بعض الفقهاء والقضاة الحكام باستنباطهم الاحكام وقضاتهم، ورويت الاحاديث المدسوسة والاخبار المزيفة، فكانت الفترة الزمنية فترة خطرة في وجود الاسلام العقائدي والتشريعي.

وعلى الرغم من صعوبة الظرف السياسي وحراجته، وتضييق الحكام العباسيين على الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) الا انه لم يترك مسؤوليته الشرعية والعلمية لتصحيح المسار الاسلامي الخاطئ، بمل ما يملك من معارف إلهية.

*التصدي الى تيار الالحاد والزندقة:

تصدى الامام الكاظم (عليه السلام) لتيارات الالحاد والزندقة، كما هو حال الامامين الصادق والباقر (عليهما السلام) في التصدي لتثبيت اركان التوحيد، وتنقية مدارس العقيدة من الشوائب الفكرية والعقائدية الضارة، وايجاد رؤية عقائدية اصيلة تشع بروح التوحيد، وتثبت في اعماق النفس والعقل، بالاضافة الى ذلك، فانه (عليه السلام) اغنى مدرسة الفقه بحديثه ورواياته وتفسيره.

*دور الامام الكاظم (عليه السلام) التربوي :

قام الامام (عليه السلام) بدوره ومسؤوليته الالهية ، رغم ظروفه السياسية الصعبة من الحصار والتضييق عليه ، بتربية جيل من العلماء والرواة للحديث ،وساهم مساهمة فعالة في ايقاف الانحراف الذي حملته بعض التيارات الفلسفية والعقائدية والكلامية المتأثرة بالغزو الفكري والعقائدي الخارجي .

فقد روى المؤرخون ان بعض العلماء وبعض اصحبه وتلامذته كان يتصل به سرا في السجن ، ويسأله عن المسائل والقضايا والاحكام وكان يراسلهم ويجيبهم .

كان الامام (عليه السلام) واضحا في كفاحه على جميع المستويات وخاصة الجهاد السياسي ، فجسد هذا الجانب في حياته الشريفة ، الذي كان ثمن ذلك القتل بالسم .

*اعتقالات وسجون:

في خلافة محمد المهدي تعرض الامام الكاظم (عليه السلام) للمضايقة والاعتقال بعد ان طلب الحاكم العباسي من واليه على المدينة ان يرسل الامام (عليه السلام) الى بغداد وبعد وصول الامام (عليه السلام) امر المهدي بزجه في السجن.

لكن العناية الالهية اكبر من كيد الظالمين ، فقد حدثت كرامة غيبية للامام موسى بن جعفر (عليه السلام) حيث رأى المهدي في المنام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وهو يقول له :

( يا محمد هل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم ) . فزع المهدي وقام من نومه ، وامر باطلاق سراح الامام (عليه السلام) وارجاعه الى مدينة جده (صلى الله عليه واله) ليواصل مهامه ومسؤولياته الالهية .

وفي خلافة موسى الهادي وبعد انهاء الثورة والقضاء عليها تحرك ضد الامام (عليه السلام) وقرر اعتقاله وسجنه ، الا ان ذلك لم يتحقق . عيون اخبار الرضا: الصدوق : ج١ص٦٥

*اتخاذ السجن مسجدا:

ان رحلة التقرب الى الله والوصول الى معرفته لا تختلف من مكان الى مكان ، ولا تتغير من حال الى حال ، بل كلما ضاقت الحياة وعظمة الشدائد وتراكمت المحن ازداد الانسان قربا الى الله تعالى ، واستعان بالصبر والصلاة .

لقد اتخذ الامام الكاظم (عليه السلام) من السجن مسجدا ، ومن وحشة الحبس ووحدته معتكفا ومأنسا بذكر الله وقربه سبحانه ، فنهاره صيام وليله منجاة وقيام .

فقد روى احد الذين كلفوا بمراقبة الامام (عليه السلام) في سجن عيسى بن جعفر في البصرة انه سمع الامام يقول :

( اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك وقد فعلت ذلك فلك الحمد ) .

ولما رأى عيسى بن جعفر ذلك من الامام كتب الى هارون الرشيد قائلا ، بعد ان قضى الامام (عليه السلام) عنده في السجن سنة :

( خذه مني ، وسلمه الى من شئت والا خليت سبيله ، فقد اجتهدت ان آخذ عليه حجة فما اقدر على ذلك ، حتى اني لأتسمع عليه اذا دعا لعله يدعو علي او عليك ، فما اسمعه يدعو الا لنفسه ، ويسأل الله الرحمة والمغفرة ) . مقاتل الطالبين : ص٥٠٢ .

*التضحية ويوم الشهادة :

لقد قرر هارون الرشيد على تصفية الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) جسديا ، وطلب من عيسى بن جعفر والي البصرة قتل الامام ، واستعفى الرشيد من ذلك . وطلب نقله من سجنه ، فنقله الى سجن الفضل بن الربيع ، فأثرت شخصية الامام (عليه السلام) في نفسه ، ورفض قتل الامام . فلم يجد الرشيد بدا من نقله الى الفضل بن يحيى ، فاستلمه الفضل بن يحيى ، وطلب منه الرشيد ان ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض .

ولم يجد هارون الرشيد في انصاره وحاشيته افضل من مدير شرطة بغداد ، السندي بن شاهك ، وكان فظا غليظا قاسيا ، حيث وضع الامام (عليه السلام) في سجنه وعامله معاملة خشنة وقاسية وارهقه بالسلاسل والقيود .

تشاور هارون الرشيد مع وزيره يحيى بن خالد في قتل الامام الكاظم (عليه السلام) فتوجه يحيى الى بغداد حتى اجتمع بالسندي بن شاهك ، وقدم له صورة المخطط وكيفية تنفيذ الاغتيال ، بواسطة دس السم في الرطب وتقديمه للامام (عليه السلام) فتناول الامام الطعام ، واحس بالسم يسري في جسده الطاهر ، وبقي ثلاثة ايام يقاوم السم ، حتى فاضت روحه الطاهرة في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة ، فانا لله وانا اليه راجعون .

رحل من سجنه شامخا معطاء في المبدأ والفكر والارادة لا يدانيه احد .

*ما قيل في حق الامام:

نذكر على سبيل المثال بعض اقوال العلماء في حقه (عليه السلام) وهم من الذين لا يوالونه ولا يعتقدون بإمامته ، ولكن مع ذلك اثرت هذه الانوار الربانية في نفوسهم فنطقت السنتهم بمدح مثل الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، منها :

قال ابو علي الخلال شيخ الحنابلة :

( ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به ، الا سهل الله عز وجل لي ما احبه ) . تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي : ج١ص١٢٣.

الكاتب: السيد زكي الموسوي