kayhan.ir

رمز الخبر: 114823
تأريخ النشر : 2020June29 - 20:45

الضمّ بين رهانات نتنياهو ونصيحة دينيس روس


رامز مصطفى

على مسافة أيام من قرار ضمّ أراضّ في الضفة الغربية وغور الأردن، لا يزال رئيس حكومة ما تسمّى بـ «الوحدة» في كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، عند إصراره في تنفيذ عمليات الضمّ على الرغم من كل الأصوات والمواقف المُهددة والشاجبة والمُحذّرة من تلك الخطوة، حتى من قيادات أمنية وعسكرية وحتى حزبية من داخل الكيان، والولايات المتحدة الأميركية، ومن المُقرّبين والذين عملوا طيلة حياتهم السياسية لمصلحة الكيان وأطماعه التوسعيّة، على حساب الحقوق الفلسطينيّة.

تعنُّت نتنياهو في تنفيذ قرار الضمّ سواء كان على مراحل أو بالتدريج، يستند في رهانه على جملة من الوقائع التي يضعها نتنياهو في حسبانه، على أنّ ردود الأفعال لن تتعدّى بيانات الشجب والاستنكار، من دون اتخاذ أية خطوات عملية في مواجهة قرار الضمّ إذا ما نفّذ بالجملة أو خطوة خطوة. فنتنياهو يجد وفق تلك الوقائع أنها الفرصة التاريخيّة التي لن تتكرّر إذا ما تردّد أو تراجع. وقدوته في ذلك دافيد بن غوريون، الذي يُعتبر مؤسّس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في العام 1948، وأول شخصية صهيونية توقع على ما أسموها بـ «وثيقة الاستقلال»، وقائد حربها بوصفه رئيس الوزراء والدفاع، في مواجهة الجيوش العربية التي دخلت فلسطين بهدف تحريرها.

ومنطق نتنياهو في الإصرار على تنفيذ قراره أنّ بن غوريون، ورغم كلّ التحذيرات ومحاولات منعه من إعلان «وثيقة الاستقلال»، إلاّ أنه لم يأخذ بكلّ تلك التحذيرات ومضى في قراره، لأنه وحسب نتنياهو، أنّ بن غوريون لو لم يفعل ذلك لأصبح حلم الحركة الصهيونية في إقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين، في خبر كان. وهذا فحوى الحوار الذي دار بين اليهودي الصهيوني دينيس روس وبنيامين نتنياهو، خلال مفاوضات ما عُرِف بـ «بروتوكول الخليل». عندما أبلغ الأخير دينيس روس، وهو المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، وهو مؤلف مشارك لكتاب «كن قوياً وشجاعاً: كيف شكّل أهمّ قادة إسرائيل مصيرها»، أنه سيفعل ما فعله بن غوريون.

في السياق ذاته دينيس روس أرسل في منتصف أيار الماضي لنتنياهو مُحذِراً «أنصحك بعدم ضمّ الضفة لإسرائيل»، قائلاً: «أعتقد أنّ كافة عمليات الضمّ الأحادية الجانب هي خطأ ونأمل في أنْ يمتنع رئيس الوزراء عن القيام بها. وأنْ يُدرك على الأقلّ الفرق بين ضمّ مناطق الكتل الاستيطانية المحدّدة مقابل ضمّ كافة المستوطنات، وكذلك غور الأردن. فالخيار الأول لن يغلق الباب أمام حلّ الدولتين، في حين سيحتّم الخيار الثاني أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية تغيّر هويتها بشكل جوهريّ، ونأمل في أنْ يستخلص رئيس الوزراء عبرةً من أبرز أسلافه ويختار إرثاً جديراً بالتقدير، ذلك الذي يضمن استمرار الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل لأجيال قادمة». كلام روس ليس مردّه الحفاظ على مسارات التسوية ومتطلباتها واستحقاقاتها وحمايتها من الانهيار، بقدر ما هو خوف على مستقبل الكيان واستمرار طابعه اليهوديّ.

وفي ما يستند إليه نتنياهو من وقائع على ردود الفعل التهويلية والإنشائية:

1 ـ عندما أُحرِق المسجد الأقصى في 21 آب من العام 1969، قالت غولدا مائير: «لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كلّ مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أنّ باستطاعتنا أن نفعل أيّ شيء نريده. نحن أمام أمة نائمة».

2 ـ قطاع غزة تعرّض لثلاثة حروب عدوانية تسبّبت بدمار كبير، وسقوط الآلاف من الشهداء والجرحى. وهو لا يزال يتعرّض لاعتداءات متواصلة مع حصار خانق منذ ما يزيد على عشر سنوات، وليس هناك من رادع عربي رسمي لتلك الجرائم الصهيونية ليس على القطاع وحده، إنما في الضفة الغربية، بل كان هناك من يُحرّض على استمرار العدوان.

3 ـ في كانون الثاني 2017، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يعترف بالقدس الموحّدة عاصمة لكيان الاحتلال، وينقل سفارة بلاده إليها. وفي آذار 2019، الرئيس ترامب أيضاً يعترف بسيادة كيان الاحتلال الصهيوني على الجولان السوري. وفي الحالتين لم تُحرّك أيٌّ من الدول العربية ساكناً، سوى الشجب والاستنكار ليس إلاً. بل تتمّ مكافأة الكيان بمزيد من تشريع الأبواب أمام علاقات التطبيع معه.

4 ـ يعتبر نتنياهو تهديدات رئيس السلطة السيد محمود عباس، بوقف أشكال التعاون بما فيها الأمنية، مجرد تهديدات جوفاء، من خلفية أن الكيان ومن خلال التنسيق الأمني إنما يوفّر الحماية للسلطة ورئيسها من حركة حماس. وبالتالي يعتقد أيّ نتنياهو، أنّ رئيس السلطة وأركانه، ليسا في وارد حلّ السلطة.

لعلّ نتنياهو مُحقّ بالاستناد لتلك الوقائع، ولكن لم يضع في حساباته أنّ تلك الوقائع قد لا تصلح في زماننا رغمّ سوئه، وقد يفتح الحساب دفعة واحدة وبأثرٍ رجعي ولعقود طويلة. خصوصاً أنّ دينيس روس قد بيّن لنتنياهو مجموعة من المخاطر، وإلى ما ستؤول إليه الأوضاع في حال تنفيذه خطوة الضمّ. وأشار عليه أن يُقصر نطاق عملية الضمّ فقط على مناطق الكتل الاستيطانية التي يُرجَّح أن تكون جزءاً من الكيان في أي عملية تسوية سلمية واقعية، ويستطيع إعلانه أنه يقوم بذلك لإعطاء الفلسطينيين فرصةً للتفاوض قبل اتّخاذ أي خطوات إضافية، بحسب قول روس. مضافاً لذلك على نتنياهو أن يأخذ تهديدات قوى المقاومة الفلسطينية على محمل الجدّ، بأنّ عملية الضمّ هي عمل عدواني يستلزم الردّ. وبهذا المعنى عليه أن يُسقط رهانه، أنّ ما غزة يعني غزة، وما في الضفة يعني الضفة، من خلفيّة أنّ الانقسام لا يزال سيد المشهد بين حماس وفتح.