kayhan.ir

رمز الخبر: 100730
تأريخ النشر : 2019September11 - 19:57

التواجد الأمريكي والروسي في الشرق الأوسط.. الى أين؟


سركيس أبوزيد

ما زال الشرق في منطقة التوتر والخطر وقد يشهد تطورات ميدانية ضاغطة، من شأنها أن تدفع الوضع باتجاه المزيد من زعزعة الإستقرار في المنطقة. ترافق ذلك مع الحديث مجددًا عن صعود "داعش"، حيث أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مؤخرًا أن تنظيم "داعش" لا يزال يمثل تهديدًا. وكان معهد "دراسة الحرب" في واشنطن أصدر مؤخرًا تقريرًا حذر فيه من عودة تنظيم "داعش" مرة أخرى بشكل سريع وأكثر خطورة وقيامه بشن موجة جديدة من الهجمات في أوروبا. وأكد أن "داعش" يسعى إلى إعادة سيطرته الإقليمية في العراق وسوريا، وسينجح في ذلك إذا انسحبت الولايات المتحدة.

لذلك يقترح المعهد وقف خطط إدارة ترامب لسحب القوات الأميركية من سوريا، بالإضافة إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية وتوسيع عمليات المساعدات الإنسانية للحد من جاذبية "داعش" خاصة بين السكان الذين يعيشون في مخيمات النازحين. كما يدعو الى وضع استراتيجية أكثر قوة لهزيمة "داعش" بشكل نهائي.

ومؤخرًا، رفع 400 عضو في مجلسي النواب والشيوخ رسالة الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتبروا فيها أن الإنسحاب من سوريا خطأ، وطالبوا باستراتيجية جديدة تتضمن 3 عناصر هي:

- حق "إسرائيل" المزعوم في "الدفاع" عن النفس، وتنفيذ مذكرة التفاهم ذات العشر سنوات بين الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" والرامية إلى ضمان وصول الكيان إلى الموارد والمواد التي يحتاج إليها لـ"الدفاع" عن نفسه في وجه التهديدات التي تجابهه على طول الحدود الشمالية.

- الضغط على إيران وروسيا في سوريا، واقترحت الخطة الأولية على إدارة ترامب "العمل مع حلفائنا وشركائنا لزيادة الضغوط على إيران وروسيا بغية تقييد أنشطتهما المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة".

- زيادة الضغط على حزب لله، عبر التنفيذ الكامل والقوي لقانون منع التمويل الدولي للحزب الصادر عام 2015، ومذكرته التعديلية الصادرة عام 2018 ، فـ"العقوبات التي تستهدف حزب الله ومن يشرفون على تمويله تمكن واشنطن من الإقلال من قدراته على تهديد وتحدي "إسرائيل" والضغط على قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لتنفيذ تفويض مجلس الأمن الدولي بالتحقيق والإبلاغ عن الأسلحة والأنفاق التي يُعثر عليها عبر الحدود اللبنانية مع "إسرائيل"".

في المقابل، نجد أن هناك تناقضًا حادًا بين موسكو وواشطن حول معالجتها لهذه الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط، فبعد تسلمه السلطة وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نصب عينيه استراتيجية سياسية خارجية هدفها تغيير قواعد اللعبة وإعادة هيبة روسيا كقوة كبرى على الساحة الدولية وتواجد طويل الأمد له في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تنكفئ فيه الولايات المتحدة عن التدخل في شؤون المنطقة.

فبوتين ينظر إلى الشرق الأوسط كجزء من جوار روسيا الواسع، خصوصًا أنه يمتلك ثروة نفطية وغازية، وفرصًا لعلاقات ومشاريع تجارية بالنسبة إليه. روسيا تحتاج إلى إقامة علاقات شراكة مع دول هذه المنطقة، ودول العالم الإسلامي والعربي، لتقليل حجم التهديدات على حدودها الجنوبية. وتعتبر هذه المنطقة الخزان العالمي لمادة النفط والغاز الطبيعي ومركز الثقل لخطوط الأنابيب التي تنقله، وتعمل عليه روسيا (في تركيا والعراق ولبنان وسوريا) بهدف إنشاء جسر بري إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط وستؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز دورها كمورّد أساسي للغاز في أوروبا وستوسع نفوذها في الشرق الأوسط، مما يشكل مخاطر جسيمة على المصالح الأميركية والأوروبية. وهذا ما يجعلها مسرحًا للتجاذب الجيوسياسي الروسي - الغربي بسيناريوهات ظاهرها سياسي وباطنها اقتصادي.

لقد أدرك بوتين أن روسيا كانت على خطأ في انسحابها من المواقع التي كانت قد ورثتها من الاتحاد السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط، ويسعى الى إستعادة هيبة روسيا الدولية عبر إستغلال الإنكفاء والفراغ الأميركي بشكل أساسي، وهو الأمر الذي وفر له فرصة لسد الفراغ وبناء مناطق نفوذ جديدة ولعب دور أكثر نشاطا.

فقد أعاد بوتين صياغة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وكانت البداية في التدخل العسكري في سوريا الذي شكل إنعطافة بارزة في تاريخ السياسة الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مزيد من النفوذ الإقليمي حيث إن سوريا بوابة للمنطقة ومنصة للوجود الروسي العسكري. وتُعتبر المصالح الاقتصادية الروسية في سوريا من أهم الدوافع للدعم الروسي للنظام السوري، وتتركز على عاملين: التبادلات التجارية واستثمارات الشركات الروسية، والتعاون في قطاع الطاقة.

الأحداث التي شهدتها سوريا منذ بداية العام 2011 أعادت ترتيب الأولويات لأهداف سياسة روسيا الحديثة في الشرق الأوسط، فميناء طرطوس والذي يتم حاليًا تحويله إلى قاعدة بحرية، يعتبر موطئ قدم روسيا الوحيد على البحر المتوسط، بحيث تسعى موسكو من خلاله إلى استعادة مكانة البحرية الروسية في هذا البحر، مستكملة بذلك الخطة التي بدأتها بوضع اليد على قاعدة "سيفاستوبول" المطلَة على البحر الأسود عند ضمها لشبه جزيرة القرم في العام 2014.

لقد عرف بوتين كيف يقارب عددًا من الملفات الدولية الحساسة (الملف النووي الإيراني، شبه جزيرة القرم، سوريا...) ويواجه التحديات والعقوبات الغربية بتغيّرات استراتيجية للتأقلم مع الواقع الجديد وإبقاء سيطرته على المنظومة السياسية داخليًا وخارجيًا.

تبدو روسيا اليوم مستعدة للولوج بشكل أكبر في قضايا الشرق الأوسط وتسعى لتعزيز قبضتها وتثبيت شرعيتها في البحر الأبيض المتوسط. ونجحت الدبلوماسية الروسية في إقامة علاقات جيدة مع الدول الحليفة تقليديا مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة كالسعودية ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وتركيا، إضافة الى "إسرائيل". فقد بدأت جميع هذه الدول تخشى إلتزامًا غير كامل من الولايات المتحدة الأميركية تجاهها. وتبدو روسيا اليوم هي الحامية للوضع القائم في الشرق الأوسط حيث يُنظر إليها على أنها أكثر تماسكًا ومصداقية في سياساتها الشرق أوسطية. فلطالما حرصت روسيا على أن يكون لها مكان ودور متمّيزان في حفظ الأمن والإستقرار في مناطق العالم الحساسة لتؤكد أنها لا تزال تتمتع بمكانة خاصة على الساحة الدولية، واعتمدت خيار بناء تفاهمات متعدّدة الأطراف في وجه الهيمنة الأميركية، وروسيا اليوم ترسل مؤشرات على أنها استعادت دورها كلاعب أساسي في المنطقة واستقرت فيها كقوة يحسب لها حساب. فلقد استطاع بوتين الوقوف في وجه الهيمنة الأميركية بكسر الأحادية القطبية من خلال "منظمة شانغهاي" للتعاون في مجال الأمن، و"مجموعة البريكس" للتعاون في المجال الاقتصادي وخلق توازن في القضايا العالمية والأمنية والمالية والاقتصادية، وصولًا الى أداء دور الوسيط النزيه في تسوية الخلافات العربية والشرق أوسطية. وحافظ على وحدة الأراضي الروسية، ومكافحة الإرهاب، وحفظ الهيبة والمكانة الدوليين، وتقوية القدرات الاقتصادية وإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب.

التواجد الأميركي - الروسي في الشرق الاوسط يتجه الى المواجهة أم الى التسويات؟ سؤال جوابه في المستقبل.