kayhan.ir

رمز الخبر: 35486
تأريخ النشر : 2016March05 - 20:03

خطايا” حزب الله الكونية .. جعلته ” إرهابياً ” !


حسن شقير

إذا كان فعل حزب الله المركزي في إنجاز تحرير العام ٢٠٠٠ في لبنان ، قد اعتُبر لدى الكثير من الأنظمة العربية الرجعية ، أنموذجٌ ومؤشر سلبي ، والذي كان له وقع التعرية على سياساتها واستراتيجياتها المخادعة في الممانعة تجاه القضية الفلسطينية ، فضلا ً عن صراعها الصوري مع الكيان الصهيوني … ، فإن انتصار الحزب وصموده في الحرب الصهيونية التي شنت على لبنان في العام ٢٠٠٦ ، والتي كانت من نتائجها ، قد قضت على ما تبقى من حلم ٍ لتلك الأنظمة ذاتها ، في غسل أدرانها التي علقت بها من ذاك العام التحريري .. لا بل أن هذه المحطة الثانية أيضاً ، إنتقلت بالحزب ، من حزب – النموذج ، إلى حزب – ” المغامر ” والمنتصر في أن ٍ واحد.. بحيث أضحت تلك ” المغامرة ” – بحسب التوصيف السعودي لها في حينه – ، مثالاً أعلى ، ودروساً وعبر ، لدى الكثير من الشعوب والمقاومات ، وحتى الجيوش في معظم بلدان المنطقة ، وصولا ً إلى أن بعض من الأكاديميات العسكرية الدولية ، اتخذت من هذه التجربة العسكرية للمقاومة ، مدرسةً قائمةً بحد ذاتها … الأمر الذي جعل من مأزومي – النموذج أنفسهم ، يتحسسون خطراً استراتيجياً فعلياً وواقعياً على نماذجهم المعرّاة منذ العام ٢٠٠٠ .

تدحرجت كرة الثلج المقاوِمة منذ ذاك التاريخ الثاني ، إلى ذاك السابع عشر من أذار من العام ٢٠١١ ، تاريخ بدء المؤامرة على سوريا ، ومن خلفها وأمامها أيضاْ على ذاك الأنموذج – المقاوم ، والذي لا بد آن نعترف ، بآن ذاك التاريخ ، لم يُشكّل فقط ، عاملا ْ مفرملا ً له ، إنما كان أيضاً – وبفعل حجم الإنتقام الكبير منه – كان قد شكّل رافعة صلبة لتلك النماذج البالية ، ومن ثم لتتكامل هذه الأخيرة ، مع أجندات إقليمية ، دولية وحتى إرهابية ، في الإستثمار بالحرب على سوريا ، لجعل هذه الدولة ، مفتاحاً لرسم خارطة العالم من جديد ، وبالصورة التي تتقاطع عندها أهداف كل هذه الأجندات للأطراف السالفة الذكر

لنعد إلى تلك التواريخ المفصلية ، وتأسيساً على القطب المخفية التي بدأت تظهر كإفرازات لذاك السابع عشر من أذار ، إندفع حزب الله إلى تلك الحرب السورية في ربيع العام ٢٠١٣، وتحديداً من معركة القصير المفصلية ، واضعاً نصب عينيه فرملة تلك الإفرازات التي بدأت تطفو على سطح تلك الحرب ، الأمر الذي جعله يرتكب ” الخطيئة الكبرى ، والذنب الأعظم ” في مسيرته الجهادية ، كون هذا التاريخ ، لم يكن كسابقيه ، إنما كان محطة ً محورية في في ضرب وإحياء – وعلى حد سواء – لاستراتيجيات كبرى ، في هذا العالم ..فكيف ذلك ؟

"الخطيئة ” الأولى :

لم نكن في جميع الكتابات المتصلة بالشأن الأمريكي ، من المعتقدين بأن أمريكا ، هي في طور التخلي طوعاً عن نظام الأحادية القطبية في العالم ، وذلك بفعل ضعفٍ أصاب أمريكا نفسها من جهة ، وصعود قوى دولية وإقليمية منافسة من جهة ثانية ، وبناءً عليه فإن أية استراتيجية امريكية للأمن القومي ، لا تلحظ ذاك الإعتقاد أعلاه ، إنما كانت ترتكز دائماً على التكيّف مع الآوضاع المستجدة داخل وخارج أمريكا على حد سواء ، وذلك في سبيل الحفاظ على الهدف ” الآسمى ” أعلاه ، فيما خص االقيادة الأحادية للعالم ، وإن من الخلف كما هي الحال مع المرحلة الأوبامية الحالية ، وعليه ، فإن من يراجع الفقرات المتعلقة بسوريا ، والواردة في تلك الإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي الأخيرة ( شباط ٢٠١٥ ) ، والتي لخصتها في نقطتين أساسيتين ” إعتماد الحل السياسي الدائم للنزاع المدمر فيها ” و ” مواصلة العمل مع الشركاء ، لتدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة ، لتوازن قوة الإرهابيين ، ووحشية الآسد ، على حد سواء

هاتان الفقرتان ، تصبان تماما ً في خدمة مشروع أمريكا الحثيث ل ” سوريا المسالمة "، وذلك على ما يكرره نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ، عند حديثه عن وحدة سوريا الجغرافية ، وعليه فإن دخول حزب أولا ً إلى سوريا ، ومن ثم تكامله وتكافله مع الجيش السوري ، مظللا ً لاحقاً بالمظلة الروسية ، زعزع البنيان الرئيس لما رسمه البيت الآبيض ل ” سوريا الجديدة ” من جهة ، وضرب مشروع التوازن العسكري في الجغرافيا السورية ، وصولا ً إلى الفرض على هذه الإستراتيجة ، تبدلا ً جوهرياً على أمريكا ومعها تحالفها المزعوم ضد الإرهاب ، وذلك بالإنتقال بها من رحلة الإستثمار بالإرهاب ، إلى مرحلة وراثة الإرهاب – غير المتوازنة – مع ما يمكن أن يقابل ذلك لدى روسيا وحلفائها من جهة ثانية ، وحتى أنني أشرت في مقالة سابقة إلى أن هذه التطورات الميدانية في سوريا لصالح محور الممانعة ، قد بدّل ، وبشكل قسري ” عقيدتي ” أمريكا والإرهابيين على حد سواء ، وذلك في غير صالحهما معاً ( المقالة بعنوان : روسيا وإيران .. وزمن قلب العقائد بالإكراه ، نُشرت في 09 ديسمبر من العام 2015 )

بكلمات معدودة ، لقد شكلت التطورات الأخيرة في سوريا( قطب الرحى في الشرق الأوسط ) ، ولمساهمة حزب الله الجوهرية في ذلك ، فرملةً وتعقيداً حقيقياً لمشروع أمريكا الأم في الحفاظ على نظام الأحادية القطبية لصالحها ، وإن بألياتٍ جديدة .

الخطيئة ” الثانية :

منذ دخول حزب الله إلى سوريا ،ومن بوابة تلك المعركة في القصير في العام ٢٠١٣ ، ما زلنا نكرر مقولة وزير ” الدفاع ” الصهيوني موشيه يعلون ، في صيف ذاك العام ، وبحضور الرئيس السابق لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال ديمبسي ، في فلسطين المحتلة ، بآنه ” ممنوع على محور الشر ، الممتد من طهران إلى دمشق ، الإنتصار في سوريا ” ، ولتكر بعده سبحة منظري الكيان الصهيوني ، من كتّاب وباحثين بضرورة الإسثمار بالحرب على الإرهاب ، لتحسين وتطوير علاقات الكيان مع دول العالم ، فضلا ً عن ضرورة إبقاء معركة الممانعين مع الإرهابين ، مديدةً في المدى الزمني ، وبوجوب ألا تصل معركة الإرهاب في سوريا ، إلى ” المربع الثاني ” ( الكيان الصهيوني ) ، ووجوب حصرها ب ” المربع الأول ” ( مربع المقاومة ) ، وإغراق الجميع في مربع الاستنزاف المديد ، وبشكل بعيد عنها

لقد عطلت المقاومة – وباعتراف الجميع – في البداية ، مشروع اسقاط الدولة السورية ، فكان المسمار الأول في الصورة التي رسمتها مراكز البحث الصهيوني لسوريا الجديدة وللمنطقة برمتها ، ومن ثم بترت الأيدي الإرهابية ، ومنعتها – لغاية اليوم – من العبث الكبير في الساحة الخلفية للمقاومة ( لبنان ) ، فكان المسمار الثاني في تلك الصورة ، ومن ثم تدحرجت أحلام الصهاينة في استغلال الإرهابيين في تهديد خاصرة لبنان الجنوبية أو حتى الشمالية ، وذلك للإنقضاض الصهيوني اللاحق على المقاومة ، لا بل أن بعضاً من الخطوط الحمراء التي رسمها نتنياهو للمقاومة في سوريا ، قد أضحت خلفها ( الإعتراف الصهيوني بانتقال أسلحة كاسرة للتوازن إلى أيدي المقاومة ، وكان أخرها الحديث عن منظومة الردارات ، فضلا ً عن الصواريخ ).

لم يتوقف الهلع الصهيوني من إنقلاب المشهد في سوريا عند هذا الحد ، لا بل أنهم بدأو يتحسسون بأن إمكانية إنتصار الدولة السورية قد أصبح واقعاً ملموساً ، وأن فرض قرار اجتثاث الإرهاب التي استثمرته فيها ، قد شارف على نهايته ، دون أن يكون ذلك على حساب محور الممانعة فيها ، مما جعل من مخاوف الصهاينة في ارتداد بعضٍ من هذا الإرهاب الأسود عليهم ، قد أضحى في طور الامكان .

وبكلمات مختصرة أيضاً ، لقد كان لبصمة حزب الله في سوريا ، بصمةً غير محمودةٍ أبداً لدى العقل الإستراتيجي الصهيوني البارع في تطويع الإرهاب والإستثمار به .

الخطيئة ” الثالثة :

لقد اشرت في مقالة نشرتها بتاريخ 14-08-2013، والتي كانت بعنوان ( حزب الله .. وما لم يبح به ) ، إلى أن خروج حزب الله من سوريا ، لهو ضربٌ من المستحيل ، وذلك بأن هناك خمسٌ من الموانع الأساسية ( عقيدية – ثقافية – سيادية – دينية – وجدانية ) ، تحتم عليه البقاء فيها حتى تحقيقها ، كونها تتصل بمكانته وصورته المقاومة لدى كثرٌ من مريديه في المنطقة والعالم على حد سواء ، وبناءً عليه فإن الإجراءات التي تتتدرج في التضييق على حزب الله في العالم ، ومن ثم الإنتقال إلى وضعه على لوائح الإرهاب الخليجية ومعظم العربية ، ربما تندرج في إطار ما وصلت إليه متغيرات الحرب السورية لغير صالح بعض من الدول الإقليمية ، وتحديداً السعودية منها ، فلقد جعلت من تلك الموانع الخمس ، دافعاً مركزياً في لصق تهم الإرهاب بالمقارمة ، الأمر الذي جعل من رافعة حزب الله في سوريا ، إيذاناً بإحباط أهدافها ومشاريعها الإقليمية على حد سواء ..

السؤال الأساس : هل ترى السعودية نفسها اليوم ، بأنها تقترب من كونها ذاك الخاسر ، الذي ينتظر طوق نجاة المنتصر ، والذي كاد أو هو يكاد أن يحقق أهدافه العليا ، والتي وردت في تلك الموانع الخمس ؟

لأجل هذه ” الخطايا ” كلها وأكثر ، فلقد جعلوا من حزب الله ، تنظيماً ” إرهابيا” ! ، فلربما كانت جملة السيد نصرالله الشهيرة، بأن ” سوريا لن تكون أمريكية ، ولا صهيونية ، ولا سعودية ولا حتى تركية ” كانت قد وعتها السعودية ، وبشكل جيد هذه المرة .