kayhan.ir

رمز الخبر: 30850
تأريخ النشر : 2015December14 - 19:24

ازدواجية المؤتمرات والإرهاب

وفاء نزار سلطان

تبدو الأزمة السورية إعلاميا ًفي طريقها للانفراج فاجتماعات "فيينا” الأخيرة آتَتْ أُكُلَهَا وما هي إلا خطوة أولى لمرحلة التغير لبدء عملية الانتقال السياسي ، فالحوار مفتوح بين جميع الأطراف الدولية للوصول لحل سلمي يرضي الشعب السوري ويروض نار الحرب المستعرة ، في حين أن الواقع الجيوسياسي معاكس تماماً للتسويات ، فالبالونات الإعلامية توشك على الانفجار كلما لاح في الأفق طريق مسدود أمام المتآمرين ، والوضع الحقيقي هو المراوحة في المكان بانتظار فرض القوة العسكرية لكلمة الفصل حيث لا يزال القطبان العالميان يتصارعان في "سوريا” لتقوية مناطق سلطتهما ونفوذهما بعيداً عن اعتبارات الجنون السعودي الذي ما فتئ يبث سمومه الوهابية متوهماً قدرته على زعزعة الدول الصاعدة في وجه القطبية الواحدة.

ولذا اجتمع أولو الإرهاب في "الرياض” و ترنحت المعارضة السورية بحثاً عن الكراسي والمناصب ، وارتفعت وتيرة المناقشات والمفاوضات حول أفضل الطرق لتناول اللحم البشري ،والأسلوب الأمثل لجز الأعناق والفتوى الشرعية المناسبة لتبرير السفاح النكاحي ، وأهمية تشكيل حلقة ضغط على الحكومة السورية لشرعنة أساليبهم الإجرامية المدعومة من قبل الحكومات الغربية وبرامج الترهات الديمقراطية ، وقد استلهمت الجماعات المعارضة منطقها الفكري والتعبوي والسياسي من أم الديمقراطيات والتنوير الوطني في الخليج العبري "السعودية” .

فخرج علينا الإنسان الأسمى في المملكة الوهابية القادم من عصفورية القاعدة "محمد بن نايف” ليخبرنا أن "السعودية” ماضية في دعم الجماعات الإرهابية ، وستقف إلى جانب السوريين في رفض وجود الرئيس المنتخب "بشار الأسد” ، حيث ساهم نزول الوحي السلفي على "آل سعود” بجعلها تمثل دوراً أكبر بكثير من حجمها السياسي ، معتقدةً أن اجتماع الفصائل المسلحة كـ "جيش الإسلام” و”حركة أحرار الشام الإسلامية” لديها سيجعلها تبسط سيطرتها على طرفي الكماشة للضغط على محافل القرار العالمية ، ومنها الإمساك بـ "سوريا” مما سيجعلها طرفاً في أي تسوية مقبلة تسهم بسيطرتها على الأوضاع الإقليمية .

من جهة أخرى كان المسلحون يخرجون من حي "الوعر” في "حمص” ضمن اتفاقيات المصالحة ، دون النظر لرأي الحاجين نحو كعبة الدمى قراطية بعد أن أدركوا أن الموت من أمامهم والجيش العربي السوري من خلفهم وأن كل من أوهموه بقدرتهم على تنفيذ أجنداتهم واهمون ، ولأن (طعم الحقيقة علقم) فقد يكون خروجهم من المناطق المتنازعة فرصتهم الوحيدة للخروج أحياء ، وربما يتمكنون بذلك من السفر نحو الدول الغربية ليردوا لأوروبا إرهابها ، فالمصالحات ستمر دون النظر لأي حوار دولي حيث أن المعارضة الخارجية لا تملك فعلياً أي قوة عسكرية على الأرض .

أما "السعودية” فأعادت المفاوضات السورية لنقطة البداية وظهر فشلها جلياً في انتخاب وفد تفاوضي فلجأت لتعيين هيئة لتفاوض النظام السوري الذي أصبح يقبض على جميع مفاتيح الحلول للشرق الأوسط وليس المتبقي من الحرب السوري سوى مسألة وقت ليبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية ولكن "السعودية” أرست قراراتها بعيداً عن المفاوضات الدولية في إشارة لاستمرار الحرب على "سوريا” من الأطراف الثلاثة المعنية بدعم المسلحين مادياً وعسكرياً (قطر وتركيا والسعودية) دون أي رادع أخلاقي أو إنساني .

ولكن القلق من تمدد الإرهابيين لـ "أوروبا” فرض على الجميع اليوم أن يحارب "داعش” في "سوريا” وبالصدفة المحضة لا أحد يريد أن يحاربها في "ليبيا” الأقرب جغرافياً لها ، فيبدو للوهلة الأولى وكأن هؤلاء المرتزقة الخارجة من بطن الشيطان وجهان لعملة واحدة فهم معارضون سياسيون للنظام السوري وإرهابيون ضد الدول الغربية ، وليس مؤتمر الرياض سوى إعادة تموضع للمعارضة الخارجية لقلب موازين القوى وتحريك عجلة المشاريع التي تداعب مخيلة المستعمرين رغم توقيفها قسراً بفعل الجهد العسكري السوري .

في حين أن "الولايات الأمريكية” الساعية لاحتواء تمدد داعش دعت عبر وزير خارجيتها "جون كيري " الشهر الماضي لـ :” تشجيع المعارضة على التفاوض لأن ذلك سيساهم في عزل داعش " . وهذا ينسجم مع الموقف الروسي ولكن الأحداث تشير لتطويع المواقف لخدمة مصالحها ، فقد استهدفت طائرات التحالف إحدى النقاط العسكرية التابعة للجيش العربي السوري لإيجاد ثغرة أمنية استراتيجية جديدة تضمن تمدد "داعش " وسط "سوريا” مما سيسهم بخلق احتمالات التغيير الجذري في السياسات البعيدة المدى وتغيير خارطة المنطقة لصالحها .

"تركيا” الغارقة في النفط السوري المستهدف بصواريخ الطائرات الروسية فقدت سيطرتها على المستجدات العسكرية في شمال سوريا ، وخسرت العديد من النقاط العسكرية للمسلحين والمعابر الحدودية خصوصاً في شمال وغرب البلاد ، بالإضافة لفشلها بإنشاء منطقة عازلة ولجمها عبر العقوبات الاقتصادية والسياسية ، فوجدت في التحرك العسكري في شمال "العراق” فرصة لإيجاد حدود جديدة مع "سوريا” ربما تمكنها من امتطاء رياح التغيير وإعادة وصل خطوط الأمداد بين "الموصل” ومقر "داعش” في "سوريا” لاستمرار عمليات التهريب.

في حين أعلن الرئيس السوري "بشار الأسد” رفضه التعامل مع المجموعات المسلحة ككيانات سياسية، واتهم "السعودية” و”الولايات المتحدة” بأنها تريد ضم المجموعات الإرهابية إلى المفاوضات، مضيفاً "تريد هذه الدول من الحكومة السورية أن تتفاوض مع الإرهابيين، وهو أمر لا أعتقد أن أحداً يمكن أن يقبله في أي بلد " ، وأضاف :”من بين تلك المجتمعة في "السعودية” هناك أشخاص تم تشكيلهم كمعارضة في "السعودية” أو "قطر” أو” فرنسا” أو "بريطانيا” أو "الولايات المتحدة” ، من حيث المبدأ نحن مستعدون للحوار، لكن في النهاية إذا أردت التوصل إلى شيء، وأن يكون الحوار ناجحاً ومثمراً فعليك أن تتعامل مع المعارضة الوطنية الحقيقية التي تمتلك قواعد شعبية وترتبط بالشعب السوري وحسب، وليس بأي دولة أخرى أو نظام آخر في العالم .

إن الحرب على "سوريا” متشابكة ومعقدة والمصالح للدول المتآمرة تتمايل على حبل المكاسب والجميع فيها سيقاتل حتى الرمق الأخير , والجهود الدبلوماسية ستبقى حبيسة الأماني ليعيد الجيش العربي السوري ترتيب الحلول دون أي اعتبار لنتائج المؤتمرات .