kayhan.ir

رمز الخبر: 215550
تأريخ النشر : 2025November04 - 21:43

من إدانة «إسرائيل» إلى مواجهتها.. كيف يخطو لبنان؟

 

د. عصام نعمان

 إسرائيل” في حرب متسلسلة الجولات ضد لبنان منذ أكثر من أربعين عاماً. في آخر جولاتها مطلعَ السنة الحالية، قامت باحتلال خمس تلال استراتيجية كاشفة لجنوب البلاد، ودمرت البلدات والقرى على طول حدود لبنان مع شمال فلسطين المحتلة، ومنعت سكانها المهجّرين من العودة لترميم ما تبقّى من منازلهم. ثم ما لبث جيش الاحتلال إلاّ أن صعّد هجماته الجوية والبرية أواخرَ الشهر الماضي متوغلاً أكثر من 1500 متر داخل الأراضي اللبنانية، وصولاً الى بلدة بليدا، حيث أثار الاعتداء الوحشي غضبةً عارمة في البلاد بلغت ذروتها بقيام رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، باستدعاء قائد الجيش اللواء رودولف هيكل طالباً إليه التصدي لأيّ عملية توغّل إسرائيلية في اتجاه المناطق المحررة، فكان أن نشر مزيداً من الوحدات العسكرية بالقرب من الحدود، قيل إنّ عديد جنودها سيبلغ نهايةَ السنة نحو عشرة آلاف.

مع انتقال لبنان الرسمي من موقف إدانة الاعتداءات الإسرائيلية إلى موقف مواجهتها، اشتدّ الجدل بين مختلف القوى السياسية المتصارعة. بعضها جزم أنّ كيان الاحتلال أعلن في اعتدائه الأخير رفضه التفاوض والوصول الى اتفاق. بعضها الآخر تبنّى موقف الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي كانت قد أبلغت آخر اجتماع للجنة «ميكانيزيم» الخماسية المشرفة على إجراءات تنفيذ وقف إطلاق النار وجوبَ قيام الجيش اللبناني بتنفيذ خطته لسحب سلاح حزب الله فوراً، مبرّرةً طلبها بوجود معلومات لدى الإدارة الأميركية بأنّ الحزب يعيد بناء قدراته، ومتبنيةً رأي السناتور الجمهوري ليندسي غراهام القائل «لو نُزع سلاح حزب الله لتوقفت العمليات الإسرائيلية”.

ماذا عن موقف حزب الله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري؟

عضو كتلة الوفاء للمقاومة البرلمانية علي فياض رحّب بقرار الرئيس عون ووصفه بأنه «يشكّل منعطفاً جديداً له أبعاده»، في حين جزم بري بأنّ ما حصل من عدوان على لبنان «لا يمكن لجمه بالإدانة”.

كلامٌ صريح وصحيح. لكن هل يستطيع الجيش اللبناني بتسليحه المحدود مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد والمدعوم من الولايات المتحدة، وكيف؟

قد يتعذّر على الجيش اللبناني وحده صدّ العدوان الإسرائيلي، لكنه يستطيع ذلك بالتأكيد إذا ما تحالف وتعاون مع حزب الله. فهل الرئيس عون في وارد السير في هذا الخط الثوري المقاوم؟

لم يتأخر عون في توضيح موقفه. ففي لقائه مع وزير خارجية ألمانيا جوهان ماديفول، الذي زاره مستطلعاً قال «إنّ لبنان يريد التفاوض لوقف العدوان الإسرائيلي وفق شروط يُصار إلى تحديدها لاحقاً، لكن “إسرائيل” باعتداءاتها المتكررة تؤكد أنها لا تريد التفاوض ولا الوصول الى اتفاق”.

بهذا الموقف بات واضحاً أنّ ما أراده عون من وراء طلبه الى قائد الجيش اللبناني «التصدي لأيّ عملية توغّل إسرائيلية في اتجاه المناطق اللبنانية المحررة» هو الضغط على الولايات المتحدة كي تضغط بدورها على “إسرائيل” لوقف اعتداءاتها، مع تحذير ضمني لأميركا بأنّ عدم ارتداع “إسرائيل” سيؤدي، عاجلاً او آجلاً، الى انخراط حزب الله في تحالف على الأرض مع الجيش اللبناني لمواجهة كيان الاحتلال.

ثمة سببان يجعلان ما يرمي إليه عون قابلاً للتحقيق. فالرئيس الأميركي يبدو جاداً في إنجاح خطته لوقف الحرب في غزة والانتقال بالصراع الفلسطيني ـ “الإسرائيلي” الى مرحلة جديدة يعتقد أنها تخدم مصالح بلاده في منطقة الشرق الأوسط. ليس أدلّ على جديته في هذا السبيل من إيفاده نائبه جي دي فانس ثم وزير خارجيته ماركو روبيو الى “إسرائيل” للحدّ من غلواء نتنياهو وتدوير زوايا سياسته المتطرفة، وقيل إنهما نجحا في مهمتهما. هذا مع العلم أنّ نتنياهو على يقين أنه لولا الـ 23 مليار دولار التي أغدقتها إدارة ترامب على كيان الاحتلال خلال سنتي حرب الإبادة ضدّ الفلسطينيين لكان اقتصاد “إسرائيل” انهار ومعه الائتلاف الحاكم الذي يريد نتنياهو إبقاءه في السلطة لغاية حلول موعد الانتخابات في خريف العام المقبل.

إلى ذلك، يعلم الرئيس عون وفريقه أنّ حزب الله تمكّن وحده قبل موافقة حكومة نجيب ميقاتي على اتفاق وقف الأعمال العدائية في 2024/11/28 من صدّ “إسرائيل” ومنعها من قضم متر واحد من الأراضي اللبنانية، وأن مجاراة الحزب لموقف الحكومة وقيامه بالانسحاب من منطقة جنوب نهر الليطاني بسلاحه ومقاتليه أتاح للعدو بعد ذلك احتلال التلال الخمسة وتدمير البلدات الحدودية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوفدَ رئيس مخابراته العامة اللواء حسن رشاد حاملاً الى الرئيس اللبناني صيغةً للتفاوض بين لبنان و”إسرائيل” قوامها انسحاب العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة مقابل تجميد حزب الله عمليات المقاومة في منطقة جنوب نهر الليطاني، في إطار ما يُسمّى حال الخمول الاستراتيجي!

أيّاً ما سيرسو عليه موقف الرئيس عون و”إسرائيل” من مسألة التفاوض المباشر أو غير المباشر، فإنّ حزب الله يبدو مصمّماً على عدم تسليم سلاحه طالما “إسرائيل” تحتلّ أجزاء من لبنان وتستمرّ في اعتداءاتها، وأنه سيعود تالياً إلى القتال بعد استكمال تعافيه وتجديد قياداته على مختلف المستويات، وإنّ ما يملكه من أسلحة ثقيلة وصواريخ بعيدة المدى وعتاد كافٍ لتصدّيه مرةً أخرى، وبلا هوادة للعدو الصهيوني منفرداً أو بالتعاون مع قوى أخرى رسمية أو شعبية.

تبقى حقيقة بالغة الأهمية تدركها القيادتان السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة وإنْ كان ثمة تفاوت في تقدير خطورة دلالاتها وفعاليتها بين أركان القيادتين: رسوخ اقتناع عميق لدى قيادة حزب الله ومثله لدى قيادة حركة «حماس» بأنّ الإسرائيليين، قياديين ومستوطنين، ملتزمون بتوصية أول رئيس لحكومتهم سنة 1948 دافيد بن غوريون مفادها أنّ بقاء “إسرائيل” مرهون بقدرتها على التوسع، وبأنها تموت حتماً إذا ما توقفت عن التوسع. ذلك كله يرسّخ الاقتناع العميق لدى حزب الله، كما لدى حركة «حماس»، بوجوب بقائهما قادرَين ومستعدَّين وملتزمَين دائماً وأبداً عهد الجهاد والقتال ضد العدو الصهيوني.

يتأسّس على هذا الاقتناع العميق الراسخ لدى حزب الله و”حماس” أنه وإنْ أضطر أحدهما أو كلاهما إلى مراعاة اتفاق لوقف القتال نتيجةَ ظروف أو تحوّلات أو تطورات طارئة لدى حلفائهما وأصدقائهما، فإنّ عودتهما إلى الجهاد والقتال تبقى عهداً والتزاما راسخاً وقابلاً دائماً للتنفيذ والتحقيق حتى بلوغ النصر أو الشهادة.