kayhan.ir

رمز الخبر: 209730
تأريخ النشر : 2025July18 - 20:06

سياسة القضم دبلوماسياً وعسكرياً

يقال ان التاريخ يعيد نفسه ولكن مع شيء من التسامح فالذي يكتب التاريخ اساطين الحرب وسلاطين الحكم في الوقت الذي ينبغي ان نفهم التاريخ بانه خطاب ينمي الوعي الانساني بما يدور حوله من احداث.

فالاطماع الاوروبية في بلاد المسلمين دفعتهم للبحث عن حليف متوحش ولم يجدوا غير المغول الذين امتدت همجيتهم من الصين شرقاً والى الفرات غرباً. فعقد امراء الحرب الغربيين خلال حملاتهم الصليبية اتفاقيات مع الزعامة المغولية لتسهيل السيطرة على الشام ومن ثم ضرب الدولة المتمثلة حينها بالخلافة العباسية. وهكذا تزاور في القرن 13 رجال دين مسيح للقاء الامبراطورية المغولية الصاعدة. وهي اشبه بجهود علماء الاثار والتنقيب عن المدن القديمة التي كانت يوماً ما عامرة. وما جمع القوتين الغربية والشرقية هو التجديف وازدراء الاديان.

وهذا ما نشهده من جمع بين الغرب المتمثل باميركا وحليفاتها فرنسا والمانيا وبريطانيا وبين القتلة الصهاينة في الكيان الصهيوني. فالخطة المتبعة هي مزج بين الدبلوماسية المخادعة وهو ما نشهده من تحرك لمبعوث اميركا "توماس برّاك" بين لبنان وسوريا، وهكذا الوزير الفرنسي للخارجية، وما يعتبرون انفسهم كرعاة لبلاد الشام والاوصياء عليها. ومهمة هؤلاء اعطاء الوعود الجوفاء واحياناً بإطلاق تصريحات وقحة يشم منها افراغ سيادة دول المنطقة من اي سلطة. وعلى الوجهة الثانية يقوم الكيان الصهيوني – بعد تلقي الضوء الاخضر من الغرب – بالتهديد عسكرياً والتدخل في الشأن الداخلي بذريعة حماية طائفة ما، ومن ثم اقامة مقرات وقواعد ثابتة ونترك القضية لمزايدات الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية ولا تقدم شيئاً على الارض سوى التسويف، وهو ما شهدته دول الشرق الاوسط خلال ستة عقود. اذا اصبحت مرتفعات الجولان خاضعة لكيان الاحتلال ومزارع شبعا في لبنان واليوم النقاط الخمس في الجنوب اللبناني. هذا اضافة لقضم الاراضي الفلسطينية بشكل ممنهج كما حال الضفة الغربية وقطاع غزة. ولا يدرى اي بقعة ستبتلع إثر السكوت العربي والصمت العالمي، وتواطؤ القوى العظمى. هذا فضلاً عن هدر الامكانات البشرية والموارد الطبيعية للدول العربية ولم تجد الانظمة حلولاً علمية طويلة الامد للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية مما يجعلها عرضة للتفجير من الداخل عبر عصبيات طائفية وقبلية.

كل ذلك جراء خطأ المعرفة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات قائمة على ادراك عميق للحياة والتعقيدات المشوبة بها. فاهل الحل والعقد "وهم حكماء القوم" يلجأ اليهم الناس للنصيحة لعمق فهمهم للحياة وطرق التوافق مع معطياتها. وللاسف انشغل الزعماء – في العالم العربي – القوميون "او الانظمة الشمولية"بكيفية ادماج الكل في واحد متجاهلين التنوع الثقافي ومتغافلين عن استحالة اكتمال الذات خارج اطار علاقتها بالاخر، مما يدفع هذه الانظمة الى الانخراط اتوماتيكياً في النظام العالمي الغربي اقتصادياً وثقافياً، فيتم تسيير خيال المواطن عبر الاجهزة الاعلامية والرقابة في الاسواق. وحتى مسألة ادارة الحروب هي تعتمد مباشرة على البنية الاجتماعية للدولة وعلى حالتها السياسية والاقتصادية والثقافية، فالحرب استمرار للسياسة ولكن بوسائل اخرى. فنظرية الامن القومي الاسرائيلي مبنية على استراتيجية هجومية تهدف الى تأمين الاستيلاء والدفاع عن رقعة الارض المحتلة بإنشاء مستوطنات كعمق استراتيجي اصطناعي ساهمت في صد الجيوش العربية وبعد ان تسكت المدافع يكون الاحتلال امراً واقعاً. وحسب مبدأ رئيس الوزراء ووزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق "بن غوريون": ينبغي ان لا توجد دولة في المنطقة اقوى واكبر من "اسرائيل".

وعليه نفهم ما يجري في سوريا هذه الايام، لاسيما بعد تغيير نظام الحكم في كانون الاول 2024. فسوريا الان منقسمة الى ثلاث مناطق: الوسطى وتقع تحت هيمنة الحكومة الانتقالية، وشمال شرق تحت حكم الادارة الذاتية بقيادة الاكراد المدعومين من الاميركيين، وشمال غرب خاضعة لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا. اضافة لوجود جيوب وزعامات حرب تعلن الولاء لمن يدفع اكثر، وانتشار قوى امنية وهمية كانت تصنف سابقاً بالارهابية. وليس الذي يجري في السويداء ببعيد عن هذا المخطط الصهيوني بذريعة الاعدامات الفورية والخطف والاساءات اللفظية والحاق المهانة بكبار السن من الطائفة الدرزية. اذن تقسيم سوريا هو جزء من برنامج واسع يهدف لتغيير الحدود وهذا ضمن المساعي الرسمية لـ"اسرائيل" بعد ان اقامت مقرات عسكرية حساسة وسمحت لابناء الطائفة في الجولان المحتلةبدخول الاراضي السورية رافعين علم الطائفة. كل ذلك ينذر بانشاء دولة للدروز، لاسيما بعد ان هدد نتنياهوبضرب اي وجود مسلح حكومي في الجنوب وان تبقى منزوعة السلاح. فتم استهداف بعض القطع الحربية وقصف وزارة الدفاع واطراف القصر الرئاسي. ويبدو ان سيطرة القوات الاسرائيلية على جبل العرب من ما يسيل لعاب الصهاينة ومطالبة الزعيم الروحي للطائفة الدرزية "الهجري" بفتح طريق الى المناطق الخاضعة لسيطرة الاكراد بما يسمى ممر داوود.