السقوط في "التحالف الاسود"!
حسين شريعتمداري
1 ـ "التحالف الابيض" ـ وبعبارة "التحالف الاسود" ـ احد مخططات وسبل الاعداء لافتعال الحروب والتمهيد للدسائس. وان اعتماد هذه الخطط له ماض مديد، حتى ان مشركي صدر الاسلام في خلق "حرب الاحزاب" قد استفادوا من نفس المخطط فحشدوا جيوشا لمواجهة الاسلام اليافع ذلك الحين. وهذه الخطة مبنية على انه اذا تقرر ان تتحالف عدة مجاميع او عدة احزاب لانجاز مهمة، فتقرب النقاط المشتركة بينهم لتوثيق هذا التحالف حتى ان كانت هذه المشتركات بينهم لتوثيق هذا التحالف حتى ان كانت هذه المشتركات قليلة، اذ يصعب العثور على مشتركات جمة وربما لا يمكن ذلك. من هنا لاجل خلق تحالف واسع، ينبغي على الجهات المتحالفة ان تغض النظر عن كثير من رؤاها، وان يركزوا على امر واحد أو امرين يشتركون فيهما.
ان "ريتشارد هاوس" مسؤول لجنة العلاقات الخارجية الاميركية يطلق على هكذا تحالف عنوان "التحالف الابيض"! لان الجهات المتحالفة ولاجل الوصول الى تحالف واسع يغضون النظر عن كثير من نقاط الاختلاف بينهم ولو مؤقتاً اي هم يبيضون صفحتهم. وقد تمت الاستفادة من هذه الخطة في الفتنة الاميركية الاسرائيلية عام 2009، حين تم استقدام جميع التيارات المعارضة لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية المقدس (حسب ما اصطلح عليه حينها من "سروش" والى "غوغوش"). ولنقرأ معاً!
2 ـ فلم تمض ساعتان على وقف اطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحزب الله لبنان حتى تقاطر عشرون الف إرهابي من الحدود الشمالية لسوريا والتي تخضع لهيمنة تركية وما يقرب من عشرين قاعدة اميركية في تلك المنطقة تقاطروا داخل الاراضي السورية باسلحة متطورة ـ غالباً من صنع اميركا واسرائيل ـ في تمرد تسبب في قتل وتخريب للمنازل والبنى التحتية.
فالارهابيون الذين اطلقوا على انفسهم "هيئة تحرير الشام"! هم مجموعة من الجنسيات المختلفة؛ طاجيك، وازبك، وايغور، وتركستانيين، واردنيين ومن سورية و...
2 ـ ان تنظيم هذا العدد من الارهابيين من شعوب مختلفة وتدريبهم لهجوم مباغت سريع يحتاج في الاقل شهرين الى ثلاثة اشهر من الاعداد والبرمجة من قبل وهذه الاستعدادات ليست من ما تتمكنه المجاميع الارهابية ولاسيما من التكفيريين، فلا شك انه حصيلة تخطيط عدة حكومات. فقد جاء التكفيريون من حدود جنوب تركيا وشمال سورية ولا يمكنهم العبور دون علم وتنسيق حكومة اردوغان. كما ان في الحدود الشمالية لسورية هنالك ما يقرب من عشرين قاعدة اميركية ولذا يمكن الاستنتاج ان هجوم الارهابيين كان بعلم واشراف الجيش الاميركي. فالارهابيون من الساعات الاولى للهجوم اعلنوا اعترافهم باسرائيل وحتى تحدثوا عن علاقاتهم مع الكيان الصهيوني! وان كان عدم التصريح يمكن مشاهدة مواقف الارهابيين المتطابقة مع مواقف الصهاينة بخصوص المقاومة وسورية. فالعديد من الارهابيين قد دخلوا من جنوب سورية والحدود الشمالية للاردن، وبعبارة كان للحكومة الملكية الاردنية حصة في هذا التحشيد.
4ـ ان ما اوردناه وهو جانب من الادلة المتوافرة لا يبقي شكاً ان حكومة بشار الاسد قد سقطت جراء هجوم مشترك؛ اميركي اسرائيلي تركي واردني، فيما دور الارهابيين يقتصر على التنفيذ واجراء الاملاءات. ومن البديهي لا يمكن اغفال بعض العوامل المؤثرة الاخرى ـ او المسرعة ـ الداخلية في الحكومة السورية. فالجيش السوري لم يكن معبئا من عناصر تتقاطع وحتى تتماهى مع العدو.
ورحم الله الشهيد همداني فحين شاهد في المرة السابقة لاعمال التمرد تباطؤ الجيش، اوصى بشار الاسد ان عبئ الشعب فكان هذا الاجراء الذكي قد منع من سقوط حكومة الاسد.
ومن العوامل الاخرى المؤثرة في السقوط السريع الثقة بوعود بعض الحكومات والقوى الاجنبية ونكثهم للعهود. فلم تكن سوريا بالمتمكنة اقتصادياً على سبيل المثال لم تكن مرتبات القوات العسكرية تتناسب مع النفقات المعيشية العادية و...
5 ـ ولندقق في التوجيهات الحكيمة لقائد الثورة؛
*فقد حذر سماحة القائد قبل ستة اشهر من هذه الحادثة خلال زيارة قام بها الاسد لايران، قائلا له: "ان الغربيين واذنابهم في المنطقة كانوا ينوون بحربهم على سوريا، اسقاط النظام السياسي لهذا البلد وشطب سوريا من معادلات المنطقة، ولكنهم لم يوفقوا، والآن عازمون على اخراج سوريا من معادلات المنطقة بطرق اخرى ومنها؛ الوعود التي لا يعملون بها ابداً".
*كما وخاطب سماحة القائد في اكتوبر من عام 2017 القائد قاسم سليماني العزيز بعد تدمير عصابات داعش؛ "اوجه لكم التبريكات من الاعماق ومع ذلك اؤكد ان لا تغفلوا من كيد الاعداء.
فهم ببذل رأسمال ضخم قد خلقوا هذه المؤامرة الخبيثة فلا يتراجعون اذ سيسعون لتفجير هذه الاعمال في جانب آخر من المنطقة او باسلوب آخر، فلا ينبغي التغافل ولابد من حفظ الدوافع والتيقظ والوحدة، وطرح كل زوائد خطرة، واعتماد العمل الثقافي الذي تتفتح له البصائر، وبالتالي؛ ان تكونوا على اهبة الاستعداد، وافوضكم وجميع الاخوة المجاهدين من دول العراق وسورية وآخرون، الى الله العظيم، وسلامي ودعائي لجميعكم". فالقائد الشهيد ومن بعد شهادته كرر القائد قاآني العزيز هذا التحذير لمن يهمه الامر واكد على هذه الحيطة، وللاسف تغافل جناب بشار الاسد بالرغم من تحذيرات الشهيد سليماني والقائد قاآني.
6 ـ ونشاهد هذه الايام اميركا واسرائيل وتركيا والاردن وعدة دول عربية عميلة حالة الانبساط بينهم لسقوط الحكومة السورية والتي كانت قاعدة مؤثرة لجبهة المقاومة، كما ويسري الانبساط في العديد من الاذناب الداخليين! وكل ذلك في وقت ان سقوط دمشق ليس كل القضية.
اذ ان جبهة المقاومة منذ البدء والى الآن بريادة الجمهورية الاسلامية الايرانية وقيادة الامام الخميني والامام الخامنئي، قد عبروا عقبات اصعب من الحادث الاخير وعبروها بنجاح تام، وتحولوا الى محور مقتدر ليس في المنطقة وحسب بل على الساحة الدولية. فالقواعد مازالت محكمة لهذه الجبهة، اذ حسب تقرير لمؤسسة "هيري يتش" الاميركية، انها مشغولة بتسخير القلوب ليس فقط بين اوساط الشعوب المسلمة وانما في اقصى نقاط العالم.
ان سقوط دمشق وان كان حدثاً مؤسفا الا انه من البديهي ليس خاتمة المطاف، وينبغي التذكير بكلام الله في خطابه للمنبسطين "فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا".
7 ـ ان معركة بدر التي انتهت بانتصار المسلمين قد وقعت في السنة الثانية للهجرة. وفي معركة احد التي ووجهت بفشل للمسلمين قد وقعت في السنة الثالثة للهجرة. فسيطر على بعض المسلمين حالة من الحزن، فخاطبهم الله في كتابه: (ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) آل عمران/140
وبعد ذلك في السنة العاشرة للهجرة وقع فتح مكة وهو النصر الكبير للمسلمين حيث انتشر الاسلام من بعده.