kayhan.ir

رمز الخبر: 194648
تأريخ النشر : 2024September27 - 21:29

استمرارية "الدفاع المقدس" غرب آسيا

 

سعدالله زارعي

في الذكرى السنوية للدفاع المقدس وبالتزامن مع ما يقرب عام على حرب غزة، يصطبغ الحدثين من حيث الماهية والمحتوى والنتائج تشابه كبير، اذ يمكن القول ان الدفاع المستميت للفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمنيين عن ارض غزة واهلها الابطال في طول الدفاع المستميت لثمان سنوات لهذا الشعب عن ارض ايران ونظام الجمهورية الاسلامية المقدس.

فما يستعرض التشابه طريقة بداية الحرب ومقدمات بداية كل من الحربين، وسبب حصول الحرب وطريقة الحرب والاصطفافات المترتبة لطرفي القتال، وقواعد الحرب، والخطوط الحمر المرعية من جانب بينما الجانب الآخر يضع كل شيء تحت قدمه، والفارق الكمي والكيفي لادوات القتال، المستخدمة من الجانبين، وطريقة الاقتتال، والدعم الشعبي للجانب الذي تعرض للهجوم، والآلية المتبعة لمؤسسات القوى الدولية مع جانبي القتال، والنتائج بعيدة المدى لستراتيجية الحرب، والخصوصيات الاخلاقية لقادة طرفي النزاع، وامور اخرى.

وفي نفس الوقت هنالك اختلافات؛ اذ خلال حرب العراق على ايران كانت الجمهورية الاسلامية منذ بدء الحرب الى نهايتها كانت وحيدة، وان كانت دولة او دولتان وبسبب خلافها مع النظام البعثي العراقي دعمت ايران بشكل كلي. ولكن فلسطين اليوم يختلف وضعها عن الوضع الايراني حينها، اذ تدعم الفلسطينيين  جبهة اقليمية بقوة وحتى حضورها الميداني في القتال. ولذا فان توقع نتائج الحرب اسهل عن تلك الايام اذ ان الجمهورية الاسلامية خلال عام 1980 والى عام 1988 اضعف من حيث القدرة الاقتصادية والعسكرية من ما كان عليه وضع العدو بمراتب.

وفي الوقت الذي كانت ستراتيجية ايران وبالنظر لعدم ثقتها بالغرب ومنظماته، ان تنتهي الحرب وقد اسقط المعتدي وعوقب. واليوم وان انعدمت المعادلة الاقتصادية والتسليحية على جانبي المعركة وهذا غير مستغرب اذ ان مستوى تسليح الكيان الغاصب بالنظر لضخ التجارب العلمية والتقنية العسكرية الغربية لاكثر من قرن وترسانات اوروبا واميركا الموضوعة بخدمة اسرائيل فهي بالتاكيد الكفة الاعلى، وكذلك من حيث المصادر المالية مع الاخذ بنظر الاعتبار الاهتمام الغربي الخاص بحفظ الكيان الغاصب، لم يالوا الغرب جهداً لدعمه مالياً.

وهذا الاختلاف كان ملحوظا في فترة السنوات الثمان لحرب ايران والعراق على المستويين التقني العسكري وكذلك المصادر المالية، ولهذه الاسباب نفسها كانت المعادلة لصالح العراق. فالمصادر المعتبرة العربية تقول ان الحكومات العربية ولاجل حفظ نظام العراق، خلال فترة الحرب قدمت ما يقرب من مائتي مليار دولار كهدية للعراق، اي وضعت تحت تصرفه اكثر مما انفقته العراق في الحرب. كما وتم وضع القواعد العسكرية والموانئ والجزائر من قبل حكومات السعودية والاردن والكويت تحت تصرف العراق هي من ادوات الدعم الاساسية.

وكما قيل ان التوازن المالي والتسليحي لم يكن متقاربا بين الجانبين ولا غرابة في ذلك، فان وضع جبهة المقاومة من حيث التسليح والمال افضل بكثير من الوضع التسليحي والمالي لايران خلال فترة حرب السنوات الثمان والدفاع المقدس. والمرتكز هنا ان معادلة النصر لا تقررها القدرات المالية والمستوى التسليحي. اذ لو كان القرار ان تكون معادلة الحرب واحدة مع القدرة المالية والتسليحية لكان لزاماً ان ترجح العراق الحرب منذ السنة الاولى ووصل لاهدافه المحددة. الا ان الجميع يعلم انه لم يصل لما يصبو ولم ينتهي ملف الحرب لصالحه. فالتحقيقات حول مسار حرب العراق وايران ونتائجها تدل على ان هناك اربعة عناصر دخيلة في تعيين نتائج الحروب؛ الاهداف، والروح المعنوية، والشرعية، وشرف القتال. وهذا الموضوع يجعل لوحدات المقاومة في المنطقة افقاً وضاحاً، والسبب في ثقتهم بالنصر النهائي.

فبقدر معدل الثقة التي اوجدتها فترة الدفاع المقدس في عناصر جبهة المقاومة، جعلت القلق في الكيان الغاصب وداعميه. فحين لا يمكنهم الاعتماد على المعادلة التسليحية المالية وتوصلهم عملياً الى ان هناك عوامل مصيرية اخرى ليست في جعبتهم، سيصيبهم القلق. تاسيسا على ذلك خلال عام على بداية عدوان الكيان الغاصب على غزة، لم تتحدث اي جهة ووسيلة اعلامية اميركية او اوروبية بقاطعية عن انتصار الجيش الاسرائيلي في غزة.

وعلى ذلك يمكننا القول ان فترة الدفاع المقدس هي اكبر دعامة لجبهة المقاومة في مواجهة الاعداء. كم ان زبدة قادة الفترة النورانية للدفاع المقدس في مقربة من وحدات المقاومة بحيث يمكن الاستفادة منهم كمستشارين وحتى عمليا.

 واليوم بعد عام من العدوان العسكري على غزة، يركز كيان الاحتلال على لبنان، مما يخضع لتحليل آتي؛ بان كيان الاحتلال يعلن جهاراً انه لاجل تهدئة جبهة شمال فلسطين يوجه بوصلة عملياته صوب حزب الله لبنان، وفي الحقيقة هو اعتراف بالفشل؛ اذ لو كانت مقاومة قد اندحرت بعد مرور عام على الحرب او على وشك الاندحار، فلا حاجة لتحشيد الكيان الغاصب قواته صوب الشمال لتهدئة الاوضاع.

اذن من الطبيعي انه اذا انتصرت اسرائيل على المقاومة لاوقف حزب الله الاطلاق على مناطق وقوات كيان الاحتلال، اذ ان هدف حزب الله من دخول الحرب كان دعم غزة. والامر الآخر فان اسرائيل تدق طبول الحرب في مكان قد جربته من قبل ولهذا السبب اعتبرت شخصيات غربية الاجراءات الاسرائيلية في الشمال من الحماقة. فكيان الاحتلال خلال ماضيه قد فر لمرتين من منطقة الجنوب اللبناني؛ الاولى عام 2000 والثانية عام 2006، وهو يقر اليوم ان قدرات حزب الله مقارنة بعام 2006 قد تضاعفت عشرين مرة، كما ان الوضع اللبناني في مواجهة هجوم الكيان الصهيوني للجنوب اكثر انسجاما من عام 2006. من هنا فان كان في مخيلة المسؤولين الاسرائيليين ان الهجوم البري على جنوب لبنان بمثابة مقدمة ضرورية لاستسلام المقاومة الفلسطينية فهذه حماقة بعينها.

فالمستوى الدفاعي للكيان الصهيوني اليوم اكثر حجماً من مستواه الهجومي، وهذا يعني في قواعد الحرب ان المغامرة اكبر من تسجيل الفرص. فخلال آخر حرب للكيان الاسرائيلي مع المقاومة اللبنانية اي في حرب الـ 33 يوماً كانت المساحة التي تهدد الكيان من الحدود الشمالية والى حيفا وسائر المناطق. وفي حرب التي 33 يوما فان منطقة الهجوم العسكري الاسرائيلي هي نفس منطقة اليوم، وبالطبع تنسحب الى عمق 15 كيلومترا.

وخلال هذه الحرب تمتد الدفاعات الجوية الاسرائيلية جميع التراب الفلسطيني من ايلات في اقصى الجنوب والى نهاريا في اقصى الشمال، ما مجموعه 18800 كيلومتر مربع وهذا يعني انه في هذه الحرب تضطر اسرائيل وضع استعدادات دفاعية ثلاثة اضعاف حرب الـ 33 يوما، ونعلم ان الجيش الذي ينشغل بالدفاعات فليس له امكانية ادخال قوة ضاربة في القتال.

وهنا يلجأ العدو بشكل انتحاري بالتشبث بوسائل مثل؛ ضرب النظام الاتصالاتي، وقصف المناطق الآهلة بالسكان، وهي عمليات سهلة الحصول، وهو بذلك يغطي على ضعفه. وهي نفس الطريقة التي استخدمها في غزة في الوقت الذي لم يتمكن الى الان من تحرير اسراه، وهو يحاول الالقاء في ذهن اليهود اليائسين من المستقبل تخريب غزة كي يوهمهم ان عدوهم قد دمر كلياً! في الوقت الذي لا يمضي يوم الا والمقاومة الغزية تستهدف عدة مناطق وثكنات للجيش الاسرائيلي. فالتكتيك الحالي لاسرائيل يكمن في تغطية فشله بالرغم من مرور عام على عدوانه على غزة، بينما المقاومة تصبو لاجواء افضل في دحر سياسة الكيان الغاصب. كما ان وحدة اللبنانيين بعد مرحلة جديدة من عدوان الكيان الغاصب تعكس ان قاعدة حزب الله قد زاد استحكامها.

أليس من حق المقاومة ان تشعر بالطمأنينة مع وقوع بعض الاحداث المرة؟