kayhan.ir

رمز الخبر: 153834
تأريخ النشر : 2022July18 - 20:23

أوروبا هذا الشتاء: أزمة البقاء على قيد الحياة وبأي كلفة؟

 

د.عدنان يعقوب

أعلن روبرت هابيك، نائب المستشار الألماني، في شهر تموز/ يوليو 2022، أن الامن الاجتماعي في ألمانيا في خطر لان ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، المستورد من روسيا والذي يشكل حوالي ثلث واردات المانيا (1/3) من الغاز الطبيعي، سيرفع اسعار فواتير الطاقة بشكل كبير، والذي سيسبب ارتفاع كلفة الانتاج وخسائر فادحة للشركات ويؤدي إلى انهيار مالي، بدأت ملامحه تظهر من خلال انهيار سعر صرف اليورو مقابل الدولار.

يحدث كل ذلك بالرغم من قيام البرلمان الألماني باقرار قانون أمن الطاقة، والذي يسمح للحكومة بإنقاذ الشركات التي تضررت من الصدمة. لانه يبدو أن التهديد النهائي بقطع روسي كامل اصبح معقولاً أكثر من أي وقت مضى. حيث لا زالت شركة "غازبروم"، عملاق الغاز الروسي الذي تسيطر عليها الدولة، تضغط على الأوروبيين منذ اشهر، واظهرت الاحصاءات أن روسيا ضخت في حزيران/ يونيو 2022، 4.7 مليار متر مكعب إلى أوروبا(1)، وهو بالكاد يشكل ثلث (1/3) ما ضخ  اليها في أوائل عام 2021.

حيث يظهر الرسم البياني (1) ان أكبر تدفقات الغاز تأتي عبر (خط السيل الشمالي ـ 1)، الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق.

وما زاد في استفحال الازمة عدم قبول الحكومة الالمانية تشغيل (خط السيل الشمالي ـ 2) وهو خط أنابيب جديد على نفس الطريق، من هنا جاء الضغط الروسي بقوة أكبر حيث تم خفض الصادرات عبر(خط السيل الشمالي ـ 1) في شهر حزيران/ يونيو المنصرم إلى 40٪ ما تسبب بتضرر الشركات الأوروبية الكبيرة مثل إيني (Eni) الإيطالية وOMV النمساوية وUniper الألمانية، ودفع بعضها مثل Uniper الألمانية الى البحث عن تعويض النقص عن طريق شراء غاز باهظ الثمن من السوق الفوري لتسجل خسارة بنحو 30 مليون يورو في اليوم بحساب واحد، وهي الآن من الشركات التي في طور الإنقاذ.

وفي  شهر تموز/ يوليو الجاري أوقفت الحكومة الروسية لمدة عشرة أيام جميع صادرات الغاز عبر (خط السيل الشمالي ـ 1) بغرض الصيانة. والسبب ان التوربينات الحيوية تحتاج الى صيانة دورية، وقد قامت شركة Siemens Energy، الشركة المصنعة لها ، بارسالها  إلى كندا لإصلاحها، ولاقت هذه الخطوة مماطلة من الحكومة الكندية باصلاحها وإعادتها إلى روسيا. وهذا ما دفع نائب المستشار الألماني على وجه السرعة الطلب من كندا الاستجابة للطلب الروسي !.

بالمقابل يعتقد أوناثان ستيرن من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن الرئيس الروسي فلاديميير بوتين، تمكن من جعل العقوبات ذات نتائج عكسية(2)، سيما بعد أن تراجع الغرب عنها، وسيستأنف بوتين إعادة بعض تدفقات الغاز على (خط السيل الشمالي ـ 1) وستحصل أوروبا على مهلة. لكن ستيرن يخشى اعادة استخدام روسيا لسلاح الغاز مع ازدياد التعنت الاوروبي  في ظل ازدياد برودة الطقس.

هل ستتمكن اوروبا من  الخروج من الازمة؟

حاولت المفوضية الأوروبية جاهدة  تنظيم رد من الاتحاد الأوروبي على مثل هذا الكابوس، ومحاولة تجنب هذا النوع من سياسات التسول التي اتبعتها الدول الأعضاء في البداية. حيث صرحت المفوضية على لسان رئيستها أورسولا فون ديرلاين: " نحتاج إلى التأكد من أنه في حالة حدوث اضطراب كامل، ان يبقى  تدفق الغاز نحو المكان الذي تشتد الحاجة إليه، ومن هنا ضروة الإعلان عن خطة قبل فوات الاوان بحلول 20 تموز/ يوليو 2022" .

في العام الماضي، رفضت العديد من الشركات شراء الغاز بأسعار مرتفعة. وبقيت مستويات الغاز في صهاريج التخزين منخفضة بشكل غير مستقر، ولكن تم إنقاذ أوروبا بسبب الطقس المعتدل. بينما يتوقع في هذا العام، محاولة أقرار خطة من قبل الاتحاد الأوروبي تسمح بمعدل تعبئة في تخزين الغاز بما لا يقل عن 80%  بحلول الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر2022. وتتضمن الخطة التركيز على  محاولة زيادة مستويات تخزين الغاز وتنويع مصادر الطاقة وتشجيع خفض الطلب والتقنين. لكن الخطورة الاكبر تكمن في ضعف قدرة الدول الأعضاء على تخزين الغاز والاحتفاظ بما لا يقل عن 15% من استهلاكها السنوي في منشآت في دول أخرى.

قبل إغلاق (خط السيل الشمالي ـ 1)، كان يعتقد، أن الاتحاد الأوروبي(3) قد يسير على الطريق الصحيح "للوصول وتجاوز" هدف معدل الملء بنسبة 80% بحلول الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر (2022). حيث تشير النماذج الجديدة التي قامت بها مجموعة من المؤسسات البحثية الألمانية بقيادة معهد "كيل" إلى أن ألمانيا يمكن أن تتكيف هذا الشتاء، في حين ان بعض الدول الاوروبية الاخرى والتي لم تقم بتخزين الغاز حتى  نيسان/ أبريل 2022، خاصة أولئك الذين تبلغ نسبة تخزينهم أو تقل عن 50% اليوم (بلغاريا ورومانيا والمجر متخلفة) سيعانون  بشدة في حالة انقطاعه، وستعاني كل اوروبا إذا كان الشتاء باردًا بشكل غير طبيعي. سيما عبر زيادة الطلب والذي قد يصل إلى 25 مليار متر مكعب من الطلب الإضافي، وبالتالي البلدان التي تتعثر بحلول هذا الشتاء ستكون في وضع رهيب بحلول الربيع!.

أما بالنسبة لإمدادات الطاقة البديلة، هناك محاولات لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير. حيث جذبت الأسعار الأوروبية المرتفعة الناقلات للابتعاد عن آسيا. ويقدر أن حوالي 41 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال دخل أوروبا في الربع الأول(4) من هذا العام ، بزيادة 70% على أساس سنوي، وذهب ما يقرب من 30٪ من الغاز الطبيعي المسال المُصدَّر في العالم إلى أوروبا مؤخرًا.

 هل سيستمر هذا الوضع.. وإلى متى؟

لقد استوعبت أوروبا بالفعل الكثير من الغاز الطبيعي المسال في العالم والذي يمكن إعادة توجيهه بعيدًا عن آسيا، لكن إلى الان لا يوجد ما يكفي لتغطية قطع روسيا الكامل ـ خاصة في ظل تعافى الاقتصاد الصيني. في الوقت نفسه، لا يمكن للغاز الطبيعي المسال الوصول إلى ألمانيا مباشرة لأنه لا يوجد بها مرافق لإعادة تحويله، وهناك صعوبة في اعادة الاستحواذ على سفن إعادة تحويل الغاز إلى غاز عائم ويشكك البعض أصلاً من القدرة على تشغيلها حتى أوائل عام 2023، في ظل ما حدث في الأشهر الثلاثة التي أعقبت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث جاء حوالي 15٪ من الغاز الطبيعي المسال الذي يدخل أوروبا ليحل محل الغاز الروسي عبر الأنابيب من روسيا(5) والتي يقدر أنها كسبت ما يقرب من 400 مليون دولار في كل يوم تأخير من مبيعات الغاز عبر الأنابيب والغاز المجمد إلى أوروبا.

بالمقابل هل ستنجح خطة الاتحاد الاوروبي عبر زيادة طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر ومحاولة الحصول على إعفاءات بيئية لمحطات الفحم لتوليد المزيد من الطاقة ولتحل محل الواردات الروسية، التوقعات تشير إلى ان هذا يحتاج الى وقت طويل ولن يساعد كثيرًا إذا تم قطع الغاز في غضون أسابيع قليلة، حيث يقدر أن الاستهلاك الصناعي في أوروبا(6) قد انخفض بمقدار 20 مليار متر مكعب في الأشهر القليلة الماضية، ويتوقع أن تتضرر بشدة القدرة التنافسية للصناعة الاوروبية والألمانية تحديداً، والتي تعتمد على الغاز الرخيص والتي تشكل 37% من إجمالي استخدام البلاد، من هنا تتحدث التقارير بصراحة عن تقنين للطاقة كاحتمال مخيف تحاول معظم الدول ومنها المانيا تجنبه.

المفوضية الاوروبية و "إطار عمل لإدارة الأزمات"

حاولت المفوضية الاوروبية بالفعل وضع مخطط لمساعدة الجيران في حالات الطوارئ على المدى القصير، ولكن الخطة يجب أن تكون على مستوى المنطقة وتستمر لأشهر، وهنالك شكوك في مدى قدرة الاتحاد على التنسيق لتخفيض الطلب على الغاز في جميع الدول الأعضاء، في ظل حاجة المرافق العامة وحماية المستشفيات، مع ما تعنيه سياسات الدول الاوروبية والتي لديها أولويات مختلفة؛ حيث قد ترفض الدول إرسال غاز لمساعدة جيرانها في  تلبية الاحتياجات التي لا تعتبرها ملحة وقد لا يتم تقاسم آلام التقنين بالتساوي(7)، سيما دول أوروبا الشرقية التي ستكون أبطأ في التخلص من هذه العادة (استخدام الغاز)، وستتأثر أكثر بالصدمة. بشكل اكبر حيث عاد الحديث عن عودة ظهور النزعة القومية في مجال الطاقة والحمائية وانعدام الثقة في البلدان المجاورة والمؤسسات الأوروبية، مع القلق المستمر من محاولات المفوضية الفاشلة في التنسيق من خلال استجابة السوق الفوضوية(8). حيث، رفضت بعض الدول والشركات الأوروبية طلب روسيا بأن يتم الدفع لها بالروبل مقابل صادرات الطاقة، لكن البعض الآخر استسلم. لان أوروبا ليس لديها سوق غاز متكامل وكل دولة لديها سياساتها الخاصة، وهي تعتقد أنه من المحتمل أن تتباعد إذا تم قطع الغاز.

إن سياسة تحرير الطاقة كان أحد الإنجازات العظيمة للسوق المشتركة للاتحاد الأوروبي فهل ستصمد في ظل ما يجري من حديث عن اعادة  الحمائية وتدخل الدولة وتأميم الموارد.

في النهاية يمكن القول انه بامكان اوروبا البقاء على قيد الحياة، لكن السؤال الاساسي هو كيف وبأي تكلفة!