kayhan.ir

رمز الخبر: 153425
تأريخ النشر : 2022July10 - 19:59

عندما تخذل
الحكومة اللبنانيّة نفسها !

 د. عدنان منصور

من المؤسف القول إنّ البعض في لبنان مُصرّ بإرادته أو دون إرادته، على ألا يأخذ العبر من تجارب الدول والشعوب الحية، والتطورات، والأحداث والظروف الصعبة والأوقات العصيبة المصيرية التي واجهتها عبر تاريخها الطويل. إذ يتعمّد هذا البعض أن يسير عكس التيار جهلاً أو كرهاً عكس مجرى التاريخ، وإنْ أغرقه المجرى، وأوْدى بحياة بلده، وشعبه ووجوده…

كثيرة هي البلدان التي واجهت فتناً، ونهب ثروات، واحتلالات وحروباً، وغزوات، وتدخلات عسكرية خارجية، الا أنها أمام الاختبار، كان يتبيّن للعالم أيّ معدن هو معدنها، وعما إذا كانت تستحق الحياة، وجديرة في مواجهة التحديات، والحفاظ على سيادتها وثرواتها، وأرضها، وسلامة شعبها.

من الطبيعي أنّ للدول جيوشاً نظامية تصون أراضيها وشعوبها وسيادتها، وثرواتها، وأمنها القومي. وعند الاستحقاق تقوم الجيوش بواجبها لحماية دولها. وفي حال كانت إمكانات الجيش أو الجيوش، غير كافية لدرء الخطر، او لإزالة وضع شاذ تتعرّض له دولة من الدول، تبرز المقاومة الشعبية الوطنية من بين صفوف الشعب لتقف جنباً الى جنب بجانب الجيش، لدحر احتلال، او إبعاد خطر، او الحفاظ على حق.

ألم تكن المقاومة الفرنسية زمن الاحتلال النازي لفرنسا، الدرع الواقي الذي به أدّت واجبها الوطني بأعلى درجات المسؤولية، والتي عوّل عليها الجنرال شارل ديغول أهمية بالغة في تحرير فرنسا؟!

ألم تحرر المقاومة الوطنية الشعبية لجبهة التحرير الوطني الجزائرية الجزائر من الاستعمار الفرنسي بعدما جثم على أرضها 130 سنة؟! ألم يحرّر الجيش الشعبي لفيتنام (الفيتكونغ)، أرضه من الاحتلال الفرنسي ومن بعده الأميركي؟! ألم تؤدّ المقاومة الوطنية في اليونان ويوغوسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا، دورها في مواجهة الاحتلال النازي؟ ألم يتصدّ جيش التحرير الشعبي الصيني للغزو الياباني لبلاده ودحره عن أراضيه؟! ألم تنتزع المقاومة الوطنية في جنوب اليمن المحتلّ، الاستقلال من الاستعمار البريطاني؟ والأمثلة كثيرة في التاريخ الحديث والقديم.

لبنان اليوم الذي هو في مواجهة عدو “إسرائيلي” شرس يقضم أجزاء من أرضه، ويستولي على ثرواته البحرية في منطقته الاقتصادية الحصرية العائدة له، فما هو فاعل وهو الذي ينتظر الوسيط، وما سيقدّمه العدو المراوغ الذي يفاوض على حقوق لبنان؟

كيف ستحافظ الحكومة على حقوق لبنان، وبأية وسيلة سياسية أو دبلوماسية أو تفاوضية؟! فلتقل لنا الحكومة بكلّ صراحة كيف ستحصل على حقوقها إذا كانت الدولة اللبنانية لم تستطع حتى الآن أن تحصل على التعويض الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وألزمت به “إسرائيل” بدفع 860.4 مليون دولار نتيجة الأضرار التي أحدثها العدوان “الإسرائيلي” عام 2006 على خزانات الوقود في معمل الكهرباء في الجية مما أدّى إلى تلوث الشواطئ اللبنانية وتسرّب أكثر من ثلاثين ألف طن من الفيول في البحر؟!

هل ستجبر “إسرائيل” على أن تتخلى طوعاً عن تعدّيها على ثرواته البحرية، استناداً الى “الفعالية” السياسية المعهودة للحكومة، التي لن تقلّ عن “فعالية” سياستها إزاء الأزمات الداخلية التي هي المسبّب بها؟!

لصالح من تفكّ الدولة اللبنانية ارتباطها مع المقاومة في لحظة هي أحوج ما تكون الى قوّتها ودعمها، كي تستند بكلّ ثقة اليها، وهي تتفاوض مع وسيط منحاز، وعدو غادر، مماطل، مراوغ، لن يعطي لبنان حقوقه الكاملة الا باللغة التي يفهمها.

موقف الحكومة اللبنانية الذي عبّر عنه وزير الخارجية، يطرح تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة، ويثير استغراباً، إذ أنّ الحكومة عبر البيان، تريد ان تقول للدول المعنية والمؤثرة، ذات الصلة بالمنطقة الاقتصادية الحصرية المتنازع عليها، إنها تتنصّل من المقاومة، ومن أيّ عمل تقوم به. كما تريد ان تقول لها، إنّ ايّ ردّ فعل يصدر عنها لا تتحمّل مسؤوليته! بذلك تكون الحكومة قد تخلّت عن عامل من أهمّ عوامل القوة التي بين يديها، لتجد نفسها في ما بعد عاجزة، مكبّلة بوسيط، ومهدّدة بعدو، وراضخة للضغوط!

هل يتصوّر البعض، من في الدولة اللبنانية، أنهم سيحرزون التقدّم في المفاوضات، وسيتمسكون بكامل حقوقهم، بعد ان عرف العدو “الإسرائيلي”، وحامل هويته الوسيط الأميركي، حجم الموقف اللبناني، ومدى رخاوة القرار الذي لا نعرف حتى الآن بكلّ وضوح، ما هو الثابت والمتحرك في مطالب لبنان في ثرواته البحرية، وما هي الخطوط الحمراء والخضراء التي يحملها لنا الوسيط “الحيادي”!

الدولة التي لا تستند الى عامل القوة المتوفرة الى جانبها، تفاوض من موقع الضعف، وتعطي العدو دفعاً كبيراً في مفاوضاته معها، لأنه يعرف مسبقاً، نقاط الضعف فيها وما أكثرها، في ظلّ غياب القرار الوطني الجامع الموحد لديها.

لقد ابتعدت الحكومة في بيان الخارجية عن المقاومة التي قامت بتوجيه إنذار لـ “إسرائيل”، ومن وراء “إسرائيل”، من خلال إرسال المُسيّرات. ما على الحكومة اليوم إلا لترينا ما هي فاعلة مع المفاوضات، وما هو عامل القوة الذي تستند إليه خارج السبل الدبلوماسية والمفاوضات؟! لحكومة الرئيس ميقاتي القلقة من المقاومة ودورها، والمتوجّسة منها نقول: لو انّ لبنان منذ احتلال “إسرائيل” لأراضيه ظلّ يعتمد على نمط سياستكم، وعلى الدبلوماسية فقط، لكنا اليوم عام 2022 نطالب بانسحاب العدو من أراضينا المحتلة!

وحدها القوة التي تصون الحقوق. ولا مكان للضعفاء والمتخاذلين، والمنبطحين، والمساومين، والمتسكعين في هذا العالم!

إذا كانت الدولة اللبنانية يا رئيس الحكومة، تعوّل على نفسها فقط دون الأخذ بمعيار القوة لدى المقاومة، فإننا نقولها من الآن وبصوت عالٍ، لن تنالوا ما يحقّ للبنان في ثرواته البحرية من “الإسرائيلي”، لأنكم تفاوضون من موقع الضعف في الوقت الضائع، ومن باب التسرّع، للتوصّل بأيّ شكل إلى اتفاق وإنْ كان مجحفاً بحقّ لبنان، كي تعتبروه إنجازاً دبلوماسياً عظيماً باهراً حققتموه بصبر وبراعة !

هي الحقيقة، والأيام بيننا!