kayhan.ir

رمز الخبر: 150033
تأريخ النشر : 2022May07 - 20:21

لماذا سورية ساحة صراعات لأميركا وتركيا و«إسرائيل»؟

 

 د. عصام نعمان _

قبل الحرب في أوكرانيا وعليها، كانت سورية ساحة صراع. بعد الحرب الأوكرانيّة احتدم الصراع فيها وعليها. لماذا؟

قبل الحرب في أوكرانيا، كان عنوان الصراع في سورية قضيّة فلسطين وما تفرّع عنها من تداعيات وانعكاسات بعد زرع «إسرائيل» في قلب الوطن العربي، ومحاولة أميركا وحلفائها فرض أحلاف سياسية وعسكرية لحماية «إسرائيل» ومنابع النفط في بلاد الرافدين والخليج، ومواجهة الاتحاد السوفياتيّ في صراع الأقطاب الدوليين على المصالح والمواقع والنفوذ في شتى أنحاء العالم.

 بعد الحرب الأوكرانيّة، اكتسب الصراع في سورية وعليها أبعاداً إضافية، لعلّ أبرزها محاولة أميركا وبعض حلفائها الإقليميين توظيف الساحة السورية ومكامن الغاز في باديتها وساحلها على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، كما مكامن الغاز في بلاد الرافدين، في المشروع الأميركي الرامي الى توفير مصدر بديل لدول أوروبا يغنيها عن الغاز الروسي الذي يغطّي لا أقلّ من 40 في المئة من حاجاتها.

لسورية دور إضافيّ، غير نفطها وغازها، في مخطط أميركا المناهض لروسيا. إنه موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يتيح لمنتجي النفط والغاز في إيران وبلاد الرافدين (وحتى في بلدان الخليج اذا شاءت) استخدام أنابيب نقل هذه المواد الاستراتيجية عبر أراضيها الى شواطئ البحر المتوسط ومنها الى العالم. من هنا ينبع حرص أميركا على أن تبقى سورية متاحة لها ولحلفائها في مجال إنتاج النفط والغاز ونقلهما الى أوروبا وسائر أنحاء العالم. 
حلفاء أميركا الإقليميون، «إسرائيل» ومصر وقبرص واليونان، كانوا أسبق منها في استشراف أهمية دور نفط وغاز الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط كما دور سورية في نقلهما الى أوروبا والعالم، فكان أن عقدوا اتفاقاً بشأن الإنتاج والنقل في الحوض المذكور.
​ تركيا، وهي كبرى الدول الإقليمية والعضو في حلف شمال الأطلسي وصاحبة المصلحة في الإفادة من نفط وغاز الحوض الشرقي للمتوسط، أدركت هي الأخرى دور سورية، منبعاً لهذه المواد الاستراتيجية وجسراً لنقلها الى سائر أنحاء العالم، فأولت بلاد الشام اهتماماً مبكراً بها. فقبل نحو ثلاث سنوات وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملاً بين يديه خريطة لسورية رسم عليها خطاً أفقياً طويلاً محاذياً للشريط الحدودي مع بلاده يمتدّ نحو430 كيلومتراً وبعمق لا يقلّ عن 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، من محافظة إدلب في شمالها الغربي وصولاً الى محافظة الحسكة في شمالها الشرقي.
 مخطط أردوغان كان، ولا يزال، يرمي الى تحويل تلك المساحة الى “منطقة آمنة” مقضومة ومضمومة الى الأراضي التركية لتوطين أكثر من ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين. غير انّ مخطط أردوغان اصطدم بمقاومة سورية شملت الحكومة والشعب معاً، وكذلك برفض قاطع من روسيا ما ادّى الى تجميده وإقرار اتفاق بين موسكو وأنقرة يقضي بالآتي:

ـ فرض خطوط تماس بين تركيا والمنطقة المحتلة من سورية ومراقبتها من قبل عناصر من القوات الروسية.

ـ عزل التنظيمات الإرهابية التي تتمركز وتنشط، بإشرافٍ من القوات التركية، على بعض المناطق في محافظة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” الموالية لتركيا.

ـ قيام روسيا بإبعاد بعض الفصائل الكردية السورية عن الشريط الحدودي الذي تحتله تركيا داخل سورية.

ـ بارتفاع وتيرة الصراع السياسي الداخلي في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية المقررة في حزيران/ يونيو2023، وتراجع مردود الاقتصاد التركي نتيجة الأزمات المالية والنقدية وتدهور قيمة الليرة التركية إزاء الدولار الأميركي، وازدياد حدّة الشعور العنصري لدى الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين والمطالبة تالياً بترحيلهم، وتفاقم الاشتباك بين تنظيم “قسد” المناوئ لتركيا وتنظيم “داعش” المدعوم مداورةً من أميركا، والمناوئ لكلّ من تركيا وسورية فضلاً عن الكرد السوريين المناوئين للحكومة المركزية في دمشق… إزاء ذلك كله، أقدم أردوغان على إحداث تغييرات جذرية في مخططاته عموماً وإزاء سورية خصوصاً، وذلك على النحو الآتي:

ـ اعتماد سياسة الترحيل التدريجي للاجئين السوريين وذلك بمنع الذين ذهبوا الى مناطق بلادهم في شمالها خلال العطلات من العودة الى تركيا.

ـ إقامة مشروعات سكنية وتجارية في منطقة الشريط الحدودي الذي تسيطر عليه تركيا ودفع اللاجئين السوريين الى الإقامة فيه بحيث يكونون شريحة موالية لها إذا ما اضطرت يوماً الى الانسحاب من سورية.

ـ دمج مختلف الفصائل المسلّحة العاملة في شمال سورية وغربها ووضعها تحت إمرة زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني الموالي لتركيا.

ـ محاولة التوفيق بين قوات “قسد” الكردية وتنظيم “داعش” المدعوم من أميركا لتحقيق غرضين (أ) تصليب الجبهة المعادية لحكومة دمشق المركزية. (ب) التفاهم مع أميركا على استغلال حقول النفط في محافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين بمعزل عن حكومة دمشق.

ـ التنسيق مع أميركا في كلّ ما من شأنه استغلال مكامن الغاز في شمال غربي العراق ومكامنه في بادية الشام والساحل السوري على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بما يؤدي مستقبلاً الى توفير مصدر للغاز لأوروبا بديلاً من الغاز الروسي الذي تسعى أميركا لإقناع أوروبا بالاستغناء عنه.

ـ إعادة النظر بعلاقات تركيا المتعكّرة مع مصر والإمارات العربية المتحدة و”إسرائيل”، لا سيما مع السعودية. فقد تجاهل أردوغان التوتر والاحتقان بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقب انكشاف ملابسات اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي سنة 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، فشدّ رحاله الى السعودية لأداء مناسك العمرة وبالتالي حصر ثمرات تخليه عن مسألة محاكمة قتلة خاشقجي في تركيا والموافقة على نقل ملف القضية الى الرياض، ولم تتضح بعد ثمرات العناق الحارّ بين أردوغان وابن سلمان مساء وصوله الى السعودية، لا سيما في حقول التجارة والاستثمار والقضايا الاقليمية.
 الى ذلك كله، كان أردوغان قد دشّن عملية إعادة النظر بعلاقاته الاقليمية بدعوة الرئيس الإسرائيلي الى زيارة تركيا والإعلان عن عزمه زيارة “إسرائيل” في المستقبل القريب. على انّ الخطوة الأكثر دلالة (وخطورة) هي قيامه بمنع قادة المقاومة الفلسطينية من حركة “حماس” من دخول تركيا إرضاءً لـِ “إسرائيل”.

 كلّ هذه التطورات والتنازلات تشير بوضوح الى أنّ كلاًّ من أميركا وتركيا و”إسرائيل” لا تزال جادة في معاداة سورية واستخدام ساحتها في صراع محموم ضدها ومن أجل حماية قواتها فيها ومصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية في مختلف دول الشرق الأوسط، لا سيما في وجه روسيا التي دخلت أميركا معها في طور جديد من الحرب الناعمة التي تزداد خشونةً بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وعليها.