kayhan.ir

رمز الخبر: 149687
تأريخ النشر : 2022April26 - 20:37

روسيا تخوض حرباً عادلة نيابة عن العالم بأسره…

 

 د. جمال زهران

وفقاً لتوقّعاتنا، وتوقعات المحللين المتميّزين والحقيقيّين، أنّ الحرب الروسيّة في أوكرانيا وفي مواجهة الغرب الاستعماريّ في أوروبا وأميركا، سوف تطول وتستمرّ طوال هذا العام (2022)، على الأقلّ، إلا أنّ التداعيات والتأثيرات عالمياً وإقليمياً وخصوصاً منطقتنا العربية والشرق أوسطية، سوف تستمر لسنوات عدة قادمة. ولذلك فإنّ القول الحاسم الذي نراه من جانبنا، أن الإقليم سيشهد تحوّلات كبرى وبلا حدود، وكذلك النظام الدولي مؤكداً سيتغيّر من الأحادية القطبية إلى التعددية، وذلك بإجماع المحللين، باستثناء الذين يرتمون في أحضان أميركا وأوروبا، فلا يرون إلا ما يراه هؤلاء من أنّ النظام الأحادي لا بد أن يستمر، دون تغيير!

والحقيقة التي أراها، واضحة جليّة، هي أنّ روسيا تخوض معركة ظاهرها أنها ضدّ أوكرانيا، لحماية الأمن القومي الروسي، في مواجهة إصرار أميركا وأوروبا على توسيع حلف الناتو وضمّ أوكرانيا وغيرها إلى الحلف، على حدود روسيا، بما يهدّد قلب روسيا، ولكن باطن هذه المعركة يكمن في أنّ روسيا، بعد حماية أمنها القوميّ، مضطرة لاستكمال خوض المعركة في حرب عادلة، من أجل العالم كله وليس مجرد الأمن القومي الروسي، فحسب. فالحرب العادلة، تتجه نحو الظلم وعدم المساواة وعدم العدالة، وضدّ النهب الاستعماري، وتحريك قضايا العدل والحرية والاستقلال الحقيقي، في مواجهة نظام استعماري أثبت فشله، بانتهاج سياسات الازدواجيّة، والتوظيف السياسي للقضايا والأزمات والمشكلات. فالغرب الاستعماري (أميركا وأوروبا)، يُصرّ على اتباع سياسات النهب والاستغلال لموارد دول العالم الثالث، وفرض هيمنته عليها، والحيلولة دون استقلالها، والإصرار على التدخل في شؤونها الداخلية، وخلق العملاء في الداخل، وحماية المعارضين للنظم خارجياً بالتمويل والتنظيم وخلق قنوات إعلاميّة لهم، تهدف إلى إسقاط الأنظمة التي تسعى إلى الاستقلال عن المستعمر الغربي. ولعلّ النموذج الذي ظهر مؤخراً، هو رئيس وزراء باكستان (عمران خان)، الذي أصرّ عملاء أميركا على إسقاطه داخلياً، نتيجة معارضته للانصياع والرضوخ لأميركا، وانحيازه لفكرة الاستقلال الوطني، وهو ما لا يتفق مع الهيمنة الاستعمارية. فمن المستحيل أن يُصدق الاستعماريون، بأنهم حماة للحرية وحقوق الإنسان، بل هي أوراق يتمّ توظيفها سياسياً، لاستمرار النظم العميلة التي تعيد إنتاج الاستعمار ولو في أشكال جديدة.

ولعلّ هذه الازدواجيّة، تتضح في السيطرة على الآلة الإعلامية الدولية، ومن بينها الإعلام الإقليميّ مثل قناة «الجزيرة» وقنوات الإخوان المعارضة في تركيا، لإثبات أنّ روسيا تمارس أبشع أنواع الاضطهاد والقتل والتعذيب والتنكيل لشعب أوكرانيا، وبالطبع على غير الحقيقة، بينما يصمت هذا الإعلام الدولي والإقليمي، بل ومواقف الغرب الاستعماري، عن جرائم الكيان الصهيوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، والجرائم العدوانية ضد المصلين في المسجد الأقصى، ومحاولات التنكيل بالشعب الفلسطيني الأعزل! تلك هي ازدواجية الغرب الاستعماري، حيث يدافع عن مصالحة، ويتجاهل مصالح الشعب الفلسطيني.

حيث يساند الكيان الصهيوني علناً، وبالمال والسلاح والدعم السياسي، بينما يدافع عن شعب أوكرانيا، ويوجه النقد والحصار، ويفرض العقوبات على روسيا ومن يؤيدها/ لمجرد خوض روسيا الحرب العادلة، دفاعاً عن أمنها القومي!

على الجانب الآخر، فإنّ أميركا منذ عام 1944م، وهي تفرض الدولار كعملة دولية لا تقبل المنافسة، حتى عندما بدأت الحصار والعقاب لروسيا، تصورت أنها لا تزال مهيمنة على العالم، فما كان من روسيا إلا أن فرضت عملتها بغطاء ذهب حقيقي، لتصدير البترول والغاز، وتبادل السلع، وقامت بفرض نظام (مير)، للتجارة على أساس العملة الروسية (الروبل)، وستضم إلى هذا النظام دولاً مثل: الصين والهند، وكوريا الشمالية وسورية وإيران، بل دعت دول العالم خصوصاً في الشرق والمنطقة العربية والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية للانضمام إلى هذا النظام، لضرب الاحتكار الأميركي والأوروبي، وإثبات تحوّل النظام الدولي إلى التعدد القطبي، وإنهاء الأحادية القطبية تحت الهيمنة الأميركية. أنها إذن قضية عادلة، تقودها روسيا، نيابة عن العالم كله في مواجهة الغطرسة الأميركية.

فضلاً عن أنّ روسيا ستحرك القضايا الإقليمية، بما يتفق مع حق الشعوب في التحرّر كقضية فلسطين في مواجهة الكيان الصهيوني، الذي يقف ضدّ روسيا، كما حدث في أكثر من تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أنها تحرك القضية السورية في مواجهة تركيا وضرورة الانسحاب من الأراضي السورية، وزيادة قدرات سورية العسكرية. وكذلك القضية الإيرانية النووية في مواجهة الغرب الاستعماري، وغيرها.

وخلاصة الأمر أنّ روسيا بتدخلها في أوكرانيا، بدأت بفتح كلّ الأزمات الإقليمية وبالتوازي، لتحرير العالم من الهيمنة الأميركية والأوروبية، وتحويل النظام العالمي إلى نظام أكثر عدلاً وحرية. أي أن روسيا تخوض حرباً عادلة لصالح الشعوب المقهورة، عبر معركة تنظيف أوكرانيا من العملاء والنازيين.